
طبيعة المسيح >
القصة المسيحية- مُعجزات- سلطان السيد المسيح على الموت
ستيفن بطرس
3/19/23 - ٥ دقيقة قراءة
معجزة إقامة لعازر (يو1:11-54):
يُخبرنا يُوحنا في انجيله عن هذه المعجزة التي حدثت في بيت عَنيَا حيث مريم، ومرثا، ولعازر. الأسرة التي يُحبَّها السيد المسيح. مَرِضَ لعازر فأرسلَت الأُختان إلى يسوع يخبراه أنَّ: الذي يحبه مريضٌ. عَلِمَ يسوع، لكنه لم يتحرَّك سريعًا فهو يعلم جيدًا الوقت المناسب للذهاب. ومكثَ في مكانه يومين ثم بعد ذلك قال لتلاميذه: لنذهب إلى اليهوديَّة. خاف التلاميذ على المعلم لأن اليهود هناك حاولوا أن يُرجمُوُه. لكن السيد المسيح أصرَّ على الذهاب لأن لعازر قد نام. لم يفهم التلاميذ القول إذ حَسبوا أنَّ النوم مؤشرًا جيدًا لصحته. لكن عاد السيد المسيح وأوضح لهم بلغتهم أنَّ لعازر قد مات.
هنا على الأقل يتضح سلطان السيد المسيح في أمرين: الأول، أنه صاحب القرار متى يذهب ومتى ينتظر. فلم تؤثر عليه مشاعر الأُختان، ولا حاجة المريض المُلحَّة. والثاني، أنه كلُّي العلم لأنه عَلِمَ بخبر الوفاة دون أن يُخبره أحد. فهو عالمٌ أنَّ هذا المرض ليس للموت –بالرغم من الموت فعلاً- بل ليتمجد الله.
حين وصل السيد المسيح إلى هناك وجدَ أنَّ لعازر له أربعة أيام بالقبر. وجاء المُعزَّون لتعزية الأختين. لكن تسرَّب خبر وصول السيد المسيح إلى الأختين، فأسرعت "مرثا" لملاقاة السيد المسيح وتركت المُعزُّينَ. نظرت له بيأسٍ وحسرةٍ قائلة:
"يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ هَهُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي.[1]"
كانت متيقَّنة من قدرة السيد المسيح على الشفاء وعلى محبته لهم. لكنها اصطدمت بلا مبالاته -كما ظنَّت- فهو لم يُسرع حين عَلِمَ أنَّ لعازر مريض مثلما ظنَّ التلاميذ حين نام في السفينة وهُم مُعذَّبون من العاصفة والأمواج.
قال لها يسوع سيقوم أخوكِ! ردَّت سريعًا: أنا أؤمن بالقيامة في النهاية. فهي لم تفهم قصده أنَّ لعازر سيقوم بعد دقائق قليلة، كما لم يفهم التلاميذ لغته حين قال عن موتِه نومٍ. ثم قال تصريحه الشهير:
"أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيّاً وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهَذَا؟ قَالَتْ لَهُ: نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، الآتِي إِلَى الْعَالَمِ.[2]"
لم يُكمل السيد المسيح الحديث مع مرثا، إذ دَعَت أُختها مريم سرًا للقائه خوفًا على المعلم من اليهود. التي سُرعان ما تركت المُعزَّين في البيت وذهبت له ووقعت عند رجليه باكيةٌ قائلة نفس كلام مرثا: لو كنت ههنا لم يمت أخي. يبدو أنَّهما تناقشا كثيرًا في تأخره غير المعتاد عنهم، وخيبة أملهم هذه المرة منه. لكنَّهما استسلما للأمر الواقع وهو موت أخوهما، فلن يُفيدهم الأسف شيء، ثم جاء المعزُّون وراء مريم إذ ظنَّوا أنها ذهبت للقبر تبكي وامتلأ المشهد بالناس الباكية والسيد المسيح في الوسط أمام مريم ومرثا، اللتان تتحسرا على فوات الأوان!! اضطرب السيد المسيح وانزعج بالروح (أي: غضب متأثرًا بمشاعر كثيرة)، كان بكاءٌ من الجميع فبكى معهم لا مشاركةً لهم الحزن، فهو لم يأتِ ليُعزَّي مِثلهُم، وهو يعلم أنه بعد دقائق قليلة سيُقيم لعازر. أشفقَ نعم، لكنَّي أظُن أنَّه اضطربَ بمشاعر كثيرة معًا الغضبَ، والبكاء، والألم بسبب الخطية، والموت، العدو الذي دخل إلى العالم بواسطة الخطية مُسبَّبًا الخسارة وكاشفًا ضعف الإنسان أمامه. بكي إذ رأى الأمور في غير نصابِها، وفساد الموتِ يتدلَّى فوق كل شيء حي.
هنا لوحظ أنَّ السيد المسيح لديه خطة، ولا يُفاجَئ بالأحداث، ولا ينتظر كلمة من الله ليتحرك. بعكس كل مَن حوله لا يفهمون ماذا يُقصد بكلامه، وبتوقيتاته، وباهتمامه حقًا بأحبائه. فهُم حتى وإن اعترفوا بالقول أنَّه المسيح ابن الله لكنهم بالفعل لا يُدركون مَن هو هذا!!
قال اليهود المُعزَّون عند بكاء يسوع: انظروا كيف كان يُحِبُّهُ. مواصلةً لسوء الفهم إذ ظنَّوا بكاءه هو بكاء من يفتقد صديقٌ عزيزٌ لديه! ثم أكملوا:
"أَلَمْ يَقْدِرْ هَذَا الَّذِي فَتَحَ عَيْنَيِ الأَعْمَى أَنْ يَجْعَلَ هَذَا أَيْضاً لاَ يَمُوتُ؟![3]"
وصل يسوع إلى القبر وطلب من الجمعِ رفع الحجر. فهو لن يقوم بفعلٍ في مقدرتُهُم فعلهُ. قالت مرثا:
"يَا سَيِّدُ، قَدْ أَنْتَنَ لأَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ.[4]"
وكأَّن لسان حالها ياسيد ماذا تُريد؟ ما فائدة اجترار الأحزان ثانيةً؟! قَالَ لَهَا يَسُوعُ:
"أَلَمْ أَقُلْ لَكِ: إِنْ آمَنْتِ تَرَيْنَ مَجْدَ اللَّهِ[5]؟ ثم صرخَ قائلاً: لِعَازَرُ، هَلُمَّ خَارِجاً! فخرج في الحال وكأنه أستيقظَ من نومهِ فعلاً!"
آمن كثيرون من اليهود بسبب ما حَدَثُ وآخرون وشوا به للقادة الدينيين ليُقرَّروا ماذا يصنعوا به...
في هذه المعجزة يتجلَّى سلطان السيد المسيح على الحياة والموت، وأكثر جدًا، كما يقول د. ماهر صموئيل:
"قالت له مرثا يا سيد له أربعة أيام في القبر قد أنتن. لقد تحلَّلت الشبكية، تحلَّلت الكِلية، تفكَّك الكَبِد، اِنفجرت الأمعاء، تجلَّط الدم، لقد فسد المخ، لقد تمزَّق الجِلد، لقد أنتن. وقف يسوع امام القبر وكل ما فعله فقط قال: لعازر هلُّم خارجًا فخرج الميت. خرجَ بعيونٍ جديدةٍ، بكليةٍ جديدةٍ، بكبدٍ جديدٍ، بجسدٍ جديدٍ. هذه ليست مجرد معجزة إقامة ميت. هي خلق! ليس مجرد إعادة روح للجسد لكن لقد خلق له جسد جديد. من يخلق؟! إلاَّ الله. ما هي تلك القوة التي تأتي بالروح من العالم الآخر لِجسدٍ في قبرٍ في الأرض ثم تُعيد تكوين الجسد من جديد لكي يَصلحُ ثم يُسكِنُ هذه الروح في هذا الجسد لكي يخرجُ في النهاية هو نفس الشخص وليس مجرد انسان."[6]
هذه السلسلة تحكي عما نؤمن به كمسيحيين تحت عنوان القصة المسيحية في مراحلها المختلفة، ويمكنك قراءة باقي الأجزاء من هنا:
الخلق والسقوط، العهد، الحل، التجديد
[1] يو21:9
[2] يو25:11-27
[3] يو37:9
[4] يو39:9
[5] يو40:9
[6] جزء من عظة بمؤتمر أغصان الكرمة بهولندا-يوليو 2016. https://fb.watch/jg5SiBWduK/?mibextid=1YhcI9R