فهمنا في الجزء السابق كيف أن السيد المسيح هو إنسان، ولكنه ليس مجرد إنسان، بل هو الله الظاهر في الجسد، ومع فهمنا للنقاط السابق ذكرها يمكن أن نفهم باقي النصوص التي يستخدمها المعترضين

  • مثلا في (يوحنا 8: 40):

 "أَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللهِ"

    بناء على فهمنا لشرح النص السابق من يوحنا نقول إن المسيح يؤكد على بشريته كإنسان ظهر في الجسد فالمسيح أكد على إنسانيته، مع وجود نصوص أخري في سياق هذا الاصحاح أوضح فيها علاقته مع الله الآب مثال ذلك:

  1. المرأة التي أمُسكت في ذات الفعل وكيف أن المسيح لم يدينها، وكيف حررها من خطاياها

"فَلَمَّا انْتَصَبَ يَسُوعُ وَلَمْ يَنْظُرْ أَحَدًا سِوَى الْمَرْأَةِ، قَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، أَيْنَ هُمْ أُولئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟» فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ!». فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا»." (يوحنا11:8).

  1. المسيح نور العالم من يتبعه له نور الحياة

 "ثمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا قَائِلًا: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ، بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ»." (يوحنا 8: 12).

    3- وهنا نؤكد ما قد بيناه في (يوحنا 17: 3). عن معرفة كل من الآب والابن

"فَقَالُوا لَهُ: «أَيْنَ هُوَ أَبُوكَ؟» أَجَابَ يَسُوعُ: «لَسْتُمْ تَعْرِفُونَنِي أَنَا وَلاَ أَبِي. لَوْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضاً (يوحنا19:8).

 نلاحظ معرفة الآب الحقيقية تؤدي إلى معرفة الابن أيضًا. فمن هذا النص كيف نتكلم عن نص متقطع خارج سياقه، لنثبت إنسانية المسيح فقط، فنحن نتوجه بالشكر للسائل على تأكيدنا أن المسيح إنسان كامل وإله كامل.

    4- مرة أخري يؤكد المسيح له كل المجد على إنه هو الابن المنتظر فسوف نموت في خطايانا وهذا شاهد واضح يؤكد ألوهية المسيح وليس كونه مجرد إنسان

"فَقُلْتُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ، لأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ». فَقَالُوا لَهُ: «مَنْ أَنْتَ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَنَا مِنَ الْبَدْءِ مَا أُكَلِّمُكُمْ أَيْضاً بِهِ." (يوحنا 23:8-24).

   فلفظة (أنا هو) قد جاءت في إنجيل يوحنا فقط (26 مرة)، وعلى مستوي العهد القديم (106 مرة)، وفي باقي الأناجيل (4 مرات) فقط. هذه اللفظة لها مدلولات كثيرة في العهد القديم لكن عندما ترجمت هذه لفظة “אֶהְיֶה אֲשֶׁר אֶהְיֶה "، "أهيه الذي أهيه" (خروج 14:3) من العبرية إلى اللغة اليونانية. في الترجمة للسبعينية (ων ο ειμι εγω) وقد فهمها اليهود وتعني بالنسبة لهم (I am he who cause to be) أو (I am who cause to be) وترجمتها "أنا هو الذي يقيم الوجود"، أو " أنا الذي أقيم الوجود" وتلك الترجمات الإنجليزية قد ترجمتها

 (I am the being) ، أي " أنا الوجود" أو "أنا الكينونة"[1] فيتضح لنا إن المسيح قد أكد على إنه هو الله، هذا يعطينا بُعد أعمق عن أنه ليس مجرد إنسان. في ضوء هذا الإعلان ليس من المقبول أن نُجَرِّد المسيح مِن إلوهيته لمجرد أنه قال وأنا إنسان قد كلمتكم بالحق، يحتاج المتشكك والسائل أن يكون أمينًا في اقتباس النصوص بما يتوافق مع قرينتها وسياقها ولغاتها التي جاءت فيه. نختتم هذا الاصحاح بأخطر إعلان قاله رب المجد عن نفسه وهو يقول أنا إنسان، لكن في ذات الوقت قال:

 "قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ»." (يو 8: 58).

نفس المعنى كلمة أنا كائن جاءت في اليوناني (ايجو ايمي  ειμι εγω ). وهنا نسأل متى كان المسيح كائن قبل إبراهيم؟ سؤال يطرح نفسه! وماذا كان رد فعل اليهود؟ يقول الكتاب:

"فَرَفَعُوا حِجَارَةً لِيَرْجُمُوهُ. أَمَّا يَسُوعُ فَاخْتَفَى وَخَرَجَ مِنَ الْهَيْكَلِ مُجْتَازاً فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى هَكَذَا."

 ماذا يعني رد الفعل؟! يعني أن المسيح الإنسان الذي كلمهم بالحق هو نفسه أهيه الذي أهيه، أي: هو الله.

  1. لابد أن نسأل كل شخص إذا كان المسيح إنسان؟ ففي النص التالي يستخدم لقبين للحديث عن نفسه بإنه هو الله الظاهر في الجسد.
  • اللقب الأول هو: (لقب ابن الإنسان).[2]

"فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «مَتَى رَفَعْتُمُ ابْنَ الإِنْسَانِ، فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ." (يوحنا 28:8).

وهذا الشاهد قد جاء في (دانيال 7: 13-14):

" كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. 14فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ."

 لا يوجد نبي قبل دانيال أو مِن بعده استطاع أن يُطلق على نفسه لقب ابن الإنسان، إلا المسيح نفسه، وقد ذُكر في العهد الجديد (83 مرة). وهناك شواهد كثيرة مثل (متى2:9-6)، (يوحنا13:3)، (متى8:12)، (يوحنا 48:1-51). وقد فهم اليهود قصد المسيح مِن هذا اللقب وخصوصًا عندما سأله رئيس الكهنة (مَن أنت)، فعندما أجاب الرب يسوع وقال لهم:

" مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ." (مت 26: 64).

 ماذا فعل رئيس الكهنة! مزق ثيابه وقال قد جدف (متى 26: 65).

  • بالنسبة للقب الثاني (أنا هو) فقد سبق شرحه، فلا دعي للتكرار مرة أخرى.

   ننوه مرارًا وتكرارًا لا يجب أن نقتطع أجزاء من نصوص لإثبات فكرة أو مبدأ دون الرجوع لكامل النص وكذلك سياقه وقرينة النص وقرينة الاصحاح ثم السفر أو الإنجيل. فمن هذه الشواهد في (اصحاح 8) تثبت أن المسيح لم يقدم نفسه لليهود كإنسان فقط، لكنه قدم نفسه بإنه الله الظاهر في الجسد، وكذلك أنه الذي يُرفع ويموت على الصليب.

   بعد أن عرضنا نصيين يستخدمهما البعض للتدليل على إنسانية المسيح دون ألوهيته، لابد أن نوضح أن المسيح إنسان كامل وإله كامل، فلم يكن المسيح يتصرف بطبيعة دون الأخرى، ولا واحدة منهما لغت الأخرى، أو ابتلعتها، أو امتزجت بها، أو حدث اختلاط، أو لاشت أحدها الأخرى. لذلك كل ما فعله المسيح -له المجد- بالجسد لا يلغي ألوهيته، بل هو الله الظاهر في الجسد. وإن كان تكلم عن نفسه كإنسان فهذا لم يقلل من أنه هو الله الظاهر في الجسد في ذات الوقت. ومن هنا نستطيع أن نقيس كل النصوص الموجودة في الكتاب مثل ما جاء في (يوحنا 20: 17):

"إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلهِي وَإِلهِكُمْ"

 وفي (يوحنا 8: 21- 23).

"قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ أَيْضاً: «أَنَا أَمْضِي وَسَتَطْلُبُونَنِي، وَتَمُوتُونَ فِي خَطِيَّتِكُمْ. حَيْثُ أَمْضِي أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا فَقَالَ الْيَهُودُ: أَلَعَلَّهُ يَقْتُلُ نَفْسَهُ حَتَّى يَقُولُ: حَيْثُ أَمْضِي أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا؟ فَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ مِنْ أَسْفَلُ، أَمَّا أَنَا فَمِنْ فَوْقُ. أَنْتُمْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ، أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ."

فما قاله المسيح قد تحقق، فهو قد مات وقام وصعد، فاستخدام النص لإثبات إنسانية المسيح، يجعل السائل في حالة تناقض. فماذا عن موته! هل لكي تثبت إنسانية المسيح تؤمن بموته! لأنه مَن الذي صعد سوى الذي مات، وقال أنه هو الله في شواهد أخرى.[3] 

ومن هنا نكون قد عرضنا الرد على أول الشُبهات حول حقيقة ألوهية السيد المسيح بحسب ما نؤمن به، فهو الإنسان الكامل، الإله الكامل. 

 

لقراءة الجزء: الأول، الثاني 

هذه السلسلة تحكي عما نؤمن به كمسيحيين تحت عنوان القصة المسيحية في مراحلها المختلفة، ويمكنك قراءة باقي الأجزاء من هنا:

 الخلق والسقوط، العهد، الحل، التجديد

 

 

[1] متى المسكين، المدخل لشرح لإنجيل يوحنا (القاهرة: مطبعة دير أبو مقار وادي النطرون، 1990)، 223، 224.

[2] هـذا اللـقب “ابن الإنسان”، اختـاره المسيح ليُخفي به لقب “المسيَّا”، الذي كان اليهود يستخدمونه في تمنياتهم وانتظارهم، باعتباره الملك الآتي، ابن داود؛ لكي يردَّ المُلْك لإسرائيل ويُقيم مملكة داود النبي حسب النبوات التي فسَّروها لحساب نُصرة إسرائيل على الأمم وعلوِّ مملكتهم على ممالك العالم. وفي نفس الوقت ليستعلن بهذا اللقب عينه حقيقة المسيح التي غابت عن ذهن اليهود أنه “ابن الله” وصاحب الملكوت السماوي لحساب الآب، وهو لقب المسيَّا الحقيقي في نبوة دانيال النبي. وفي كل مرة نجد إن اللقب ارتبط بعمل من أعمال الرب يسوع بصفته الله مثل غفران الخطايا (مرقس 5-2-10). يمكنك البحث عن اللقب وارتباطه بألوهية الرب يسوع المسيح.

 

[3] كلمة صعد تعني أنه رفع إلى السماء الكتاب المقدس يستخدم لفظة (صعد مقابل لكلمة نزل) من السماء لكن في ثقافات أخري تسخدم كلمة رفع بدل صعد