يقول بعض الأحباء أن كون المسيح ينفذ وصايا الله فهو ليس إله. وقد قدموا مجموعة من الشواهد تقول إن تعاليم المسيح ليست من عنده، بل هي من عند الله، وأنه لا يستطيع فعل شيء من نفسه، وأن الله الآب شاهد على ذلك.

  • "أَجَابَهُمْ يَسُوعُ: (تَعْلِيمِي لَيْسَ لِي بَلْ لِلَّذِي أَرْسَلَنِي)" (يوحنا 7: 16)
  • "أَنَا لاَ أَقْدِرُ أَنْ أَفْعَلَ مِنْ نَفْسِي شَيْئاً... لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي، بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي." (يوحنا 5: 30)
  • "وَالآبُ نَفْسُهُ الَّذِي أَرْسَلَنِي يَشْهَدُ لِي" (يوحنا 5: 37)

   للأسف مازال عدو الخير يقدم أنصاف آيات على أنها الحقيقة، ويلويها ويشكلها لتُناسب مفهومه، وهو ما قد فعله مع آدم وحواء -الأسلوب واحد، لكن الزمن مختلف-، لكن شكرًا لله الذي اعطانا الحكمة ألا نجهل أفكاره. في هذه المرة يحاول البعض ثنى النصوص وتجزئها من قرينتها، للتقليل من ألوهية الرب يسوع المسيح، كما فعل آريوس الشرير[1]. سأقتبس ما قد دونه الأب "متى المسكين" عن الوحدة بين الآب والابن، وسأنقلها بتصرف حتى نستطيع أن نري كل نص من النصوص في سياق أقنومي.

   وليلاحظ القارئ، كل ما للآب هو للابن، -وعلى هذا المستوى-، والتساوي المطلق هو أصل وأساس الوحدة. بين الآب والآبن. فإن كان الآب كلِّي الحب، والابن كلِّي الحب، تحتَّم أن يكون الآب والابن واحدًا على مستوى المطلق، هكذا في المعرفة، والعلم، والعمل، والمشيئة. لذلك فوحدانية الآب والابن مطلقة.

إذن، فالرب يسوع باعتباره الابن الوحيد هو التعبير عن سر حب الله، وسر كمال ذات الله، وسر وحدانية الله التي تفوق كل عقل. لذلك لما أراد الله أن يعلن ذاته للعالم ويُمارس حبه الأبوي مع الإنسان، أرسل ابنه متجسدًا.

وماذا قال وعلَّم المسيح عن وحدانية الله؟ قال:

"أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ" (يو 30:10)

وبالتالي قال:

"قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «أَنَا مَعَكُمْ زَمَاناً هَذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: أَرِنَا الآبَ؟" (يو 9:14)

  هنا انتفت الثنائية نفيًا باتًا بين الآب والابن. ولكي يزيد الوحدانية وضوحًا قال:

 "أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ" (يو 11:14).

هنا امتنع التفريق بين الآب والابن، واستحالة وجود الواحد بدون الآخر. وهذا تأمين الوحدانية لذات الله تأميناً مطلقاً: أَنِّي لَسْتُ وَحْدِي، بَلْ أَنَا وَالآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي." (يو 16:8).

ومن هذا المنطلق نقول أن:

هناك وحدة في العمل بين الآب والابن:

لذلك نجد وحدة العمل بين الابن والآب في تناغم وتوافق كامل لأنه لو كان كل منهم مختلف عن الأخر فمن الصعب التوافق على عمل واحد لكن الأمر مختلف مع الرب يسوع.

  •   "فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ" (يو 17:5).
  • "فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ يَقْدِرُ الاِبْنُ أَنْ يَعْمَلَ مِنْ نَفْسِهِ شَيْئاً إِلاَّ مَا يَنْظُرُ الآبَ يَعْمَلُ. لأَنْ مَهْمَا عَمِلَ ذَاكَ فَهَذَا يَعْمَلُهُ الاِبْنُ كَذَلِكَ." (يو 19:5).

على أن وحدة العمل قائمة على أساس وحدة الحب المتبادل بالتساوي المطلق:

  • "لأَنَّ الآبَ يُحِبُّ الاِبْنَ وَيُرِيهِ جَمِيعَ مَا هُوَ يَعْمَلُهُ، وَسَيُرِيهِ أَعْمَالاً أَعْظَمَ مِنْ هَذِهِ لِتَتَعَجَّبُوا أَنْتُمْ" (يو 20:5)
  • "لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذَلِكَ الاِبْنُ أَيْضاً يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ." (يو 21:5)

وفي نهاية خدمة الابن على الأرض، خاطب الآب هكذا:

  • "أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ." (يو 4:17)
  • "فالذي قدَّسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له إنك تجدِّف لأني قلت إني ابن الله. فَالَّذِي قَدَّسَهُ الآبُ وَأَرْسَلَهُ إِلَى الْعَالَمِ، أَتَقُولُونَ لَهُ: إِنَّكَ تُجَدِّفُ، لأَنِّي قُلْتُ: إِنِّي ابْنُ اللَّهِ؟ إِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَعْمَلُ أَعْمَالَ أَبِي فَلاَ تُؤْمِنُوا بِي. وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ أَعْمَلُ، فَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي فَآمِنُوا بِالأَعْمَالِ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا أَنَّ الآبَ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ." (يوحنا 36:10-38).

 

هناك وحدة في الفكر بين الآب والابن:

 إذا كان هناك وحده في العمل يتتبعها وحدة الفكر وكلهما مرتبط ببعضهما البعض وجودًا وعدمًا. 

  • "لأَنَّ الْكَلاَمَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي قَدْ أَعْطَيْتُهُمْ." (يو 8:17)
  •  "تَعْلِيمِي لَيْسَ لِي بَلْ لِلَّذِي أَرْسَلَنِي." (يو 16:7)

وهذا النص الذي قد اقتبسه السائل لإثبات إن الابن ليس هو الله الظاهر في الجسد

  • "وَأَنَا مَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ، فَهَذَا أَقُولُهُ لِلْعَالَمِ." (يو 26:8)
  • "أَنِّي أَنَا هُوَ، وَلَسْتُ أَفْعَلُ شَيْئاً مِنْ نَفْسِي، بَلْ أَتَكَلَّمُ بِهَذَا كَمَا عَلَّمَنِي أَبِي." (يو 28:8)
  • "لأَنِّي لَمْ أَتَكَلَّمْ مِنْ نَفْسِي، لَكِنَّ الآبَ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ أَعْطَانِي وَصِيَّةً: مَاذَا أَقُولُ وَبِمَاذَا أَتَكَلَّمُ. وَأَنَا أَعْلَمُ أَنَّ وَصِيَّتَهُ هِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ. فَمَا أَتَكَلَّمُ أَنَا بِهِ، فَكَمَا قَالَ لِي الآبُ هَكَذَا أَتَكَلَّمُ." (يوحنا49:12-50)

حتى نقطع كل شك باليقين لابد أن نبين ما قال الرب لموسى (تثنية 18:18):

 "أُقِيمُ لهُمْ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ مِثْلكَ وَأَجْعَلُ كَلامِي فِي فَمِهِ فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ."

 فالمسيح ليس إله فقط لكنه أيضًا نبي ورسول وهذا ما نؤمن به قد تكلم بما أوصاه الله. لأنه لو خالف ذلك يستحق الموت عقاباً على أنه قد تكلم كلام من نفسه، ودوره كالنبي المُعلن لنا عمن هو الله، نابع من كونه أكثر مَن يعرف ماهية الله، لأنه هو بذاته الله الظاهر في الجسد. (تثنية19:18-22).

 

هناك وحدة في المشيئة بين الآب والابن:

فكل فكر يتتبعه عمل ينتج عن ارادة ومشيئة لتنفيذ هذا العمل وهو ما نجده في كثير من النصوص الكتابية أن ما يريده الآب يريده الابن أيضا.

  • "لأَنِّي لاَ أَطْلُبُ مَشِيئَتِي بَلْ مَشِيئَةَ الآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي." (يو 30:5)

 هذا أيضا نص اقتبسه المعرض للتقليل من ألوهية ربنا يسوع المسيح.

  • "لأَنِّي قَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ، لَيْسَ لأَعْمَلَ مَشِيئَتِي، بَلْ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي." (يو 38:6)
  • "قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ." (يو 34:4)

   إن وحدانية الله ليست محصورة في ذات الله، بل هي وحدة فعَّالة، وفعلها شمولي يؤثِّر في الخليقة كلها والكون كله، لتحفظه فيما هو عليه من دقة الرتابة، وتدفعه إلى الأمام في نمو تطوري. ولكن فوق ذلك كله فوحدانية الله منطبعة على الكون، تحفظه في وحدة الكيان الواحد المتآلف تآلفًا يُذهل العقول.

   سأتكلم عن النص الذي استخدمه السائل (يوحنا 5: 37):

 "وَالآبُ نَفْسُهُ الَّذِي أَرْسَلَنِي يَشْهَدُ لِي"

   استخدم السائل هذا النص ويريد أن يقول إن المسيح قد قال إن الآب نفسه يشهد عن إنسانيته، وبالتالي تنتفي عنه الألوهية أو بمعني أخرالمسيح ليس هو الله، أنما مجرد إنسان. جاء لينفذ ويعمل مشيئة الله.

   للرد على هذه النقطة نقول: اتفق كل الشُرَّاح مثل: "جون كلفن، آدم كلارك، متى المسكين" على أنه لا يمكن حصر شهادة الآب عن الابن، -كما فعل البعض-، على الصوت الذي سُمِعَ في معموديته (متى17:3). صحيح أنها شهادة مهمة لنا. لكن الرب يسوع يقول أن الآب يشهد عنه وتأتي اللفظة شهد في الفعل الماضي التام في الللغة اليونانية، (μεμαρτύρηκε) ، (ميمارتوراكي) (أي شهد)، فاللفظة اليونانية[2] استخدمت في الماضي ومازال تأثيرها مستمر في الحاضر.[3] نفس المصطلح في يوحنا ٨ الفعل جاء في المضارع الدائم دليل علي استمرار شهادة الله الأب عن الابن، أي أن الآب قد شهد عن الابن على فم الانبياء بناء على ما جاء بالكتب المقدسة والتي انتهت بشهادة يوحنا المعمدان، لكنها شهادة مستمرة حتى زمن حديث الرب يسوع. لذلك نجد السيد المسيح له كل المجد يدعم هذه الفكرة بشهادة الكتب المقدسة:

"فَتِّشُوا الْكُتُبَ لأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الَّتِي تَشْهَدُ لِي." (يوحنا 39:5)

   وما أكثر شهادة الكتاب المقدس؛ نجد الرب يسوع في إنجيل لوقا يقول للتلاميذ قبل الصعود، وَقَالَ لَهُمْ:

"«هَذَا هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ: أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ». حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ. وَقَالَ لَهُمْ: «هَكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهَكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ (لوقا44:24-46).

 ونجد القديس بولس في رسالة كورنثوس يؤكد على هذه الحقيقة ويقول:

"فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي آلأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ وَأَنَّهُ دُفِنَ وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ." (كونثوس الأول 3:15-4)

   بعد أن قدمنا الدلائل الكافية على صحة ألوهية السيد المسيح، وأنه ليس مجرد إنسان كما يدعي البعض، فكل ما استخدموه من نصوص مبتورة ومقطوعة من سياقها للهجوم على الكتاب المقدس والسيد المسيح، تكون بمثابة أدلة على ألوهيته وأنه الله الظاهر في الجسد. مع كل مرة نشهد فيها هجوم على الكتاب المقدس نجده راسخ كالجبل لا يحتاج مدافع عنه، بل لديه كل وسائل الدفاع المبنية على روح الله القدوس والعقل والمنطق أيضًا. فنحن نقف أمامه في كامل الخضوع والوقار ونتعلم ونكتشف منه ما ينير لنا الطريق والحق والحياة فأنا أشكر كل سائل، بل وكل معترض على ما يتيحه لنا من أسئلة تشغل عقله وروحه ونفسه، سائلين الله أن يرشدنا ويكشف لنا مكنونات وأعماق كلماته المقدسة.

 

هذه السلسلة تحكي عما نؤمن به كمسيحيين تحت عنوان القصة المسيحية في مراحلها المختلفة، ويمكنك قراءة باقي الأجزاء من هنا:

 الخلق والسقوط، العهد، الحل، التجديد

 

 


[1]  آريوس قس مسيحي أنكر الوهية المسيح ونادي بأنه مخلوق لكن الله منحة الألوهية نظير قيامه بفداء البشر واستخدم نصوص مثل( مزمور 45، وامثال 8، وكولوسي 1) لاثبات بشرية المسيح. وقد دعا الأمبراطور قسطنطين لعمل مجمع في مدينة نيقية 325 م. وكان القديس اثناسيوس في ذلك الوقت برتبة شماس فقام بتفنيد إدعاءات اريوس وحكموا عليه بالحرمان وبسبب بدعته ظهر قانون الإيمان الذي سمي بقانون الإيمان النيقاوي. وقد مات أريوس بنفس الطريق التي مات بها يهوذا الاسخريوطي لأنه خائن للمسيح.

[2]  جون دانيال، مبادئ اللغة اليونانية للعهد الجديد (القاهرة: دار الكتاب المقدس، 2016)، 89.

[3]  متى المسكين، إنجيل يوحنا (القاهرة: مطبعة دير أبو مقار وادي النطرون، 1990)، 379.