
طبيعة المسيح >
القصة المسيحية-شُبهات- المسيح مجرد إنسان! (ج1)
ق. سمير داوود
2/13/23 - ٥ دقيقة قراءة
كثيرا ما يساء فهم بعض النصوص الكتابية لدي البعض، وهذا يرجع لعدة عوامل، إما جهل بطبيعة الكتاب المقدس أو عدم دراسة الكتاب المقدس، سواء من الناحية الجغرافية أو التاريخية أو الثقافية. تمتد عدم معرفة الشخص لعدم فهم المقصود من السفر أو الإنجيل وارتباطه بالعناصر التي نوهنا عنها، ويمتد هذا إلى أن البعض للأسف يقتطع بعض النصوص مِن سياقها لإثبات وجة نظر معينة، أو فكرة ما في الكتاب المقدس. فالكتاب المقدس ليس ككل الكتب الأخرى، بل كل نص مرتبط بقرينة، والقرينة مرتبطة بالاصحاح، ثم السفر، ثم الكتاب المقدس ككل. ولكي نتبع هذه الخطوات نحتاج إلى جهد كبير، ووقت ثمين حتى نفحص ما بين أيدينا، وأعتقد يعوزنا سنين حتى نستطيع القول بأننا قد فهمنا ما أراد الله أن يعلنه لنا. فبين الحين والآخر تظهر بعض الشُبهات -إن اطلقنا عليها ذلك- أو من الممكن أن نقول بعض الاعتراضات التي تثار على فترات متباينة، وبالأخص حول طبيعة وعمل الرب يسوع، ما بين أسئلة تثار حول إنسانيته (ناسوته)، وبين ألوهيته (لاهوته) ومعظم هذه الأسئلة من إنجيل القديس يوحنا.
ومن هنا نبحث في أول الاعتراضات المبنية على فهم خاطئ للآيات:
- "أَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللهِ" (يوحنا 8: 40).
- "وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ" (يوحنا 17: 3).
- "إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلهِي وَإِلهِكُمْ" (يوحنا 20: 17).
أولا: من المهم أن نفهم أن الهدف من كتابة إنجيل يوحنا أن نؤمن بالآتي:
"وَأَمَّا هَذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ."
(يوحنا 32:20).
ثانيا: على الرغم من أن هناك بعض الكلمات المفتاحية في الإنجيل تبين وتوضح وتُكَمِّل الهدف من كتابة هذا الإنجيل. من الكلمات المفتاحية لفظة (مجد ومشتقاتها)، فنجد كل اصحاح من إنجيل يوحنا يُعلن (مجد الابن) سأقدم ثلاث نصوص من اصحاحات مختلفة مثل:
"وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً" (يوحنا 1: 14)
"هَذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تلاَمِيذُهُ" (يوحنا 11:2)
"مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضاً." (يوحنا 17: 1)
فإن تفحصت كل اصحاح ستجد كلمة مجد مرتبطة بالرب يسوع المسيح بصفته كلمة الله المتحد بالآب.
ثالثًا: هذا الإنجيل يُظهر لنا التمايز بين الأقانيم الثلاثة، فكثيرًا من النصوص تُظهر هذا التمايز مثل صلاة المسيح في (يوحنا 17). نري الروح القدس يُمجد الابن (يوحنا 16)، الابن يمجد الآب، والآب يمجد الابن، كذلك (يوحنا17). وهذا يفسر لماذا صلي الرب يسوع في (يوحنا 11). فالتمايز يبين ويوضح لنا العلاقة بين الأقانيم الثلاثة.
رابعًا: هناك بعض النصوص يستخدمها البعض للإشارة إلى إنسانية الرب يسوع متغافلًا أن هناك شواهد أخرى قد أشار فيها المسيح أيضًا إلى ألوهيته فى نفس الإصحاح مثل:
"أَنَا إِنْسَانٌ قَدْ كَلَّمَكُمْ بِالْحَقِّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنَ اللهِ" (يوحنا 8: 40).
فإذا استخدمنا نصوص من نفس الاصحاح، سنجد المسيح يتكلم عن مكانته ومن أين هو.
" فَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ مِنْ أَسْفَلُ، أَمَّا أَنَا فَمِنْ فَوْقُ. أَنْتُمْ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ، أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. فَقُلْتُ لَكُمْ: إِنَّكُمْ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ، لأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا أَنِّي أَنَا هُوَ تَمُوتُونَ فِي خَطَايَاكُمْ». فَقَالُوا لَهُ: «مَنْ أَنْتَ؟» فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَنَا مِنَ الْبَدْءِ مَا أُكَلِّمُكُمْ أَيْضاً بِهِ" (يوحنا 23:5- 25).
هناك بعض النصوص الأخرى التي أشار فيها رب المجد يسوع عن ألوهيته مثل:
" أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ " (يوحنا 10: 30).
فيجب على كل شخص أن يكون أمين عند قراءة إنجيل يوحنا لأن اقتطاع النصوص من سياقها يسيء إلى المعترض نفسه وليس إلى كلمة الله الحية الفعالة.
خامسًاً: هناك بعض النصوص الواردة في إنجيل يوحنا قد يُساء فهمها، وكما قلت قد يستخدمها البعض للحديث عن إنسانية الرب يسوع المسيح لدحض ألوهيته. قبل أن نتعرض لهذه النصوص، لابد أن نوضح شيء للمعترض، كون هذه النصوص تتحدث عن إنسانية السيد المسيح فهذا شيء جيد بالنسبة للمسيحية، فإن هذه النصوص تُفَنِد (البدعة الدوستية)، والتي تدَّعي أن السيد المسيح مجرد خيال يظهر في هيئة إنسانية. فالادعاء بإنسانية السيد المسيح في الواقع هو مفيد لنا، لكن قد يغيب عن المعترض أن هناك إعلانًا أعظم مِن مجرد أن السيد المسيح قد ظهر في صورة إنسان وهو ما أحاول أن أتكلم عنه.
هناك ثلاثة نصوص استخدمها البعض للإشارة إلى إنسانية الرب يسوع المسيح، سنحاول أن نشير إلى نص واحد مع الاستعانة بباقي النصوص، لتدعيم أن المسيح ليس مجرد إنسان، لكنه الله الظاهر في الجسد أيضًا.
في (يوحنا 17) صلي المسيح صلاته الشّفاعيَّة، وهذه أول صلاة كاملة قد سجلها لنا الوحي الإلهي، صلاة غنية ومليئة بالمعاني السامية والقيِّمة، لكن يقتطع المعترض من هذه الصلاة (عدد 3) ويقول إن المسيح تكلم عن نفسه، وقال إنه إنسان وليس إله مع العلم أن الصلاة مليئة بكم الاثباتات التي يؤكد فيها رب المجد عن ألوهيته بطريقة لا تدع مجال للشك بأنه الله الظاهر في الجسد.
نعرض أولاً قرينة النص وسياقها في (يوحنا 1- 5):
"تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهَذَا وَرَفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ وَقَالَ: «أَيُّهَا الآبُ قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضاً إِذْ أَعْطَيْتَهُ سُلْطَاناً عَلَى كُلِّ جَسَدٍ لِيُعْطِيَ حَيَاةً أَبَدِيَّةً لِكُلِّ مَنْ أَعْطَيْتَهُ. وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ. أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ. وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ."
في هذا المقطع الكتابي الغني نجد عدة أمور تجعلنا نميّز عدة عقائد يصعب لنا أن نتحدث عنها، لكننا سنشير إليها في لمحات بسيطة حتى نستطيع أن نكوِّن صورة كاملة عن شخص السيد المسيح.
- تؤمن المسيحية بأن المسيح هو كلمة الله، ومن نفس جوهره (يوحنا 1:1)، فلم يكن المسيح محتاج لملاك ينقل له ما يريد الله أن يقوله للبشر، فهو صاحب كل سلطان وكلمته حيَّه. قال له بطرس[1]
"يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ" (يوحنا 68:6).
صلاة المسيح تظهر لنا تفرده كإله ظهر في صورة إنسان وهذا دليل على إنه كلمة الله الأزلي الذي يستطيع أن يتكلم مع الله بصفته أقنوم مساوٍ للآب في الجوهر.
"أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ" (يوحنا 30:10).
- يظهر لنا التمايز بين الآب والابن، فكلًا منهما يتحدث ويشهد عن الأخر، المسيح يصلي لله كما في الاصحاح الذي أمامنا، ولكن أيضًا السماء تشهد عن الابن وقت المعمودية، وعلى جبل التجلي.
"هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ." (متى 17:3).
ومرة أخرى قال:
"لَهُ اسْمَعُوا." (متى 17: 5).
- إن نظرنا للنص سنجد أن الرب يسوع يطلب من الآب أن يُمجده. بالطبع لا يوجد على الاطلاق نبي أو رسول طلب من الله أن يُمَجِدَه، لو طلبوا ذلك لاعتبروا متكبرين، يبحثون عن مجد باطل وزائل، لكن الرب يسوع المسيح مختلف عن الأنبياء أو الرسل، فقد طلب ذلك في نفس الفقرة مرتين (عدد3، 5). وهناك شواهد أخري مثل (يوحنا 28:12)، لكن هناك شاهد أقوي.
"أَجَابَ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتُ أُمَجِّدُ نَفْسِي فَلَيْسَ مَجْدِي شَيْئاً. أَبِي هُوَ الَّذِي يُمَجِّدُنِي، الَّذِي تَقُولُونَ أَنْتُمْ إِنَّهُ إِلَهُكُمْ (يوحنا 54:8).
"فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ يَسُوعُ: «الآنَ تَمَجَّدَ ابْنُ الإِنْسَانِ وَتَمَجَّدَ اللَّهُ فِيهِ. إِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ تَمَجَّدَ فِيهِ، فَإِنَّ اللَّهَ سَيُمَجِّدُهُ فِي ذَاتِهِ، وَيُمَجِّدُهُ سَرِيعاً" (يوحنا 32:13-33).
فمن هذه الشواهد نري التمايز بين الأقانيم والمساواة في المجد، فلا الآب تعثر من أن يمجد الابن، ولا الابن شعر بأنه يهين الآب، بل نري المساواة والتناغم بين الأقانيم.
- الله يعطي المسيح سلطان علي كل ذي جسد وجاءت اللفظة (ساركوس) في اللغة اليونانية وتعني الجسد المكون من لحم ودم، أو الطبيعة البشرية، أو الإنسان. والسلطان هو أن يعطي حياة أبدية، فحياتنا الأبدية متوقفة على المسيح وليس الأنبياء. حتى الأنبياء كلهم -في العهد القديم-، متوقف دخولهم السماء على ما فعله المسيح. فالأنبياء خاضعين لنفس السلطان الممنوح للمسيح. وهذا النص يعرفنا أنه من بدء الخليقة وحتى الآن، كل حياة البشر الأبدية هي هبة يمنحها المسيح للبشر بسبب موته وصلبه.
- نري في النص:
"وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ"
أن المسيح في العدد السابق أخذ سلطان على منح الحياة الأبدية. وأكمل قوله بأن الحياة هي معرفة كل من الآب والابن، لذلك نجد في النص في اللغة اليونانية (كاي καὶ) تترجم: "و"، واللفظة (ον ἀπεστειλας) (أون ابيستيلاس)، تترجم: الذي أرسلته، و (Ιησοῦν Χριστόν، ايسوس خريستوس) تترجم (يسوع المسيح). فنجد حرف الواو رابط معرفة الله، بمعرفة المسيح يسوع، فلا يجوز أن نقتطع جزء من النص ونترك الجزء الآخر. فالنص وحدة واحدة. النص يُوضَّح فيه أن هذه المعرفة مرتبطة بالله وبه، وإلا لا يكون هناك حياة أبدية. فالحياة الأبدية التي يمنحها المسيح تجعل الإنسان يعرف الله من خلال الرب يسوع المسيح. هذه المعرفة ليست معرفة شخص عن شخص عادي، المعرفة هنا هي الدخول في عهد مع الله من خلال المسيح. لذلك قال الرب يسوع:
"كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الاِبْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الاِبْنُ وَمَنْ أَرَادَ الاِبْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ" (مت27:11).
فنحذر وننبه كل شخص أن يكون أمين مع نفسه، فلا يجوز اقتطاع نصوص الكتاب المقدس سواء من سياقها أو قرينتها.
في (عدد 5) يقول السيد المسيح
"وَالآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ."
ولابد أن أوضح أن السيد المسيح ليس مجرد إنسان لأنه لا يوجد إنسان على وجه الأرض كان له مجد في ذات جوهر الله وقبل كون العالم. وهنا نجد أزلية السيد المسيح قبل كون العالم، وما يقوله (يوحنا1:1-4).
" فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللَّهَ. هَذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللَّهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ."
فمن هذا التحليل نستطيع أن نقول كون المسيح إنسان هذا ليس ضد إيماننا المسيحي، بل هو نقطة داعمة لنا نستطيع من خلالها إثبات أن المسيح ليس مجرد إنسان فقط، بل هو الله الظاهر في الجسد.
هذه السلسلة تحكي عما نؤمن به كمسيحيين تحت عنوان القصة المسيحية في مراحلها المختلفة، ويمكنك قراءة باقي الأجزاء من هنا:
الخلق والسقوط، العهد، الحل، التجديد
[1] وهو أحد حواريه. وأكبر التلاميذ سنا وهو صياد من بيت صيدا واخوه اندراوس وقد شفي المسيح حماته. وقد انكر السيد المسيح وقت المحاكمة.