قد تناولنا في مقالين سابقين بعض اللنصوص التى يستخدما البعض للإدعاء بأن المسيح ليس إله لكنه مجرد إنسان. ففي المقال الأول: يطلب من تلاميذه أن يعرفوا الله وحده، وأنه قال إن الله إلهه، وكذلك أنه دائما يتكلم بالحق. وفي المقال الثاني: يدللون بثلاثة نصوص أخري وهي عدم معرفة المسيح بالساعة، وأن الله فقط هو الصالح. ويدعمون هذه النقطة بنصوص جديدة بأن المسيح يصلي. فكيف يكون هو الله ويصلي؟ ويدللون على ذلك باستخدام النصوص التالية: 

"أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ" (مت 11: 25)

"أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي"(يو 11: 41)

 تأتي معظم الأسئلة التي تخص الرب يسوع المسيح ، أما عن ناسوته للتشكيك في لاهوته، أو تأتي للسؤال عن لاهوته للتشكيك في ناسوته. حتى تكون الأسئلة واضحة دون لبس فيها، يجب على كل دراس أن يُدرك أننا نؤمن بأن المسيح إنسان كامل وإله كامل. وهاتان الطبيعتان لا ولن ولم يفارقا بعضهما البعض لحظة واحدة ولا طرفة عين. ولم تبتلع أحدهما الأخرى، أو تُنافس أحدهما الأخرى، ولا يمتزجان، أو يذوبان، أو يختلطان، بل كل طبيعة لها خصائصها.

"فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا (كولوسي9:2).

"عَنِ ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِوَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا (رومية3:1-4).

   هذا المبدأ والأساس الذي بني عليه كل الكتاب والمفسرين والشراح فهم شخص المسيح له كل المجد. وبالتالي كل الأعمال التي قام بها شخص الرب يسوع كإنسان كامل لم تلغ طبيعته اللاهوتية لأن هناك أحداث كثيرة لن ولا ولم تسطيع أن تفصل فيها شخص السيد المسيح، هل هو إنسان فقط أم إله فقط. وهو ما سيقودنا للإجابة على هذه الشبهة التى تحير معظم السائلين أو المتشككين. هل صلي الرب يسوع؟ الاجابة نعم وقد دونت البشائر الأربعة الكثير من النصوص التي تؤكد أن المسيح كإنسان كامل كان يصلي مثل:

"وَقَالَ لَهُمْ أَيْضاً مَثَلاً فِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ" (لو 1:18) 

"وَبَعْدَمَا صَرَفَ الْجُمُوعَ صَعِدَ إِلَى الْجَبَلِ مُنْفَرِداً لِيُصَلِّيَ. وَلَمَّا صَارَ الْمَسَاءُ كَانَ هُنَاكَ وَحْده." (متى23:14)

"وَبَعْدَ هَذَا الْكَلاَمِ بِنَحْوِ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ، أَخَذَ بُطْرُسَ وَيُوحَنَّا وَيَعْقُوبَ وَصَعِدَ إِلَى جَبَلٍ لِيُصَلِّيَ وَفِيمَا هُوَ يُصَلِّي صَارَتْ هَيْئَةُ وَجْهِهِ مُتَغَيِّرَةً، وَلِبَاسُهُ مُبْيَضّاً لاَمِعاً." (لوقا28:9)

"وَإِذْ كَانَ يُصَلِّي انْفَتَحَتِ السَّمَاءُ، وَنَزَلَ عَلَيْهِ الرُّوحُ الْقُدُسُ بِهَيْئَةٍ جِسْمِيَّةٍ مِثْلِ حَمَامَةٍ. وَكَانَ صَوْتٌ مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً: «أَنْتَ ابْنِي الْحَبِيبُ، بِكَ سُرِرْتُ»" (لوقا21:3-22)

"أَيُّهَا الآبُ، أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي" (يوحنا 25:11)

 

من هذه الشواهد لا نستطيع فصل الطبيعتان عن بعضهما البعض، بل نجد أنها توضح لنا عدة أمور لابد أن نضعها أمام القارئ:

  1. لم تكن صلوات المسيح لطلب احتياج شخصي أو عوز أو توسل.
  2. كل صلوات المسيح كانت إعلان عن شخصه الكامل بأنه الله الظاهر في الجسد، فعندما أخذ التلاميذ معه على جبل التجلي تغيرت هيئته. من هو الذي تغيرت هيئته؟  إنه المسيح فى كامل إنسانيته (لو28:9).
  3. كل صلوات المسيح فيها ما يكمل التناغم والإنسجام بين الأقانيم الثلاثة. فمثلا مشهد المعمودية يؤكد ذلك فالمسيح المتجسد يصلي ويحل عليه الروح القدس وصوت السماء يعل أنه الابن الحبيب الذي به سر الله (لو21:3).
  4. لا يجب الفصل بين المسيح كإنسان وكإله لأنه من كل هذه الشواهد تعطينا مثال واضح أن صلواته كانت في مشيئة الله الآب فكل ما يعمل الآب يعمله الآبن أيضا.
  5. يقول البعض أن الهدف من الصلاة أن يعلمنا المسيح الصلاة، وهذا هدف جميل لكن لن يكون الهدف الاسمي من صلوات المسيح له كل المجد.

أما بخصوص ما جاء في (يوحنا 11: 41):

"أَيُّهَا الآبُ أَشْكُرُكَ لأَنَّكَ سَمِعْتَ لِي."

   السؤال لماذا صلي المسيح هذه الصلاة! على الرغم من إعلان المسيح عن نفسه أنه القيامة والحياة، وأن هذا المرض لمجد الله، وإعلانات كثيرة قالها المسيح في حادثة موت لعازر. لكن لابد لنا توضيح شيء مهم. كان من ضمن الحاضرين لمعجزة إقامة لعازر من الموت بعض اليهود الذين حضروا معجزة المولود أعمي. وهو ما نحتاج أن نرجع له لنبين لماذا صلي المسيح في هذه المعجزة ولم يصل في معجزة المولود أعمي.

   عندما ذهب الكتبة والفريسين للتحقيق من معجزة المولود أعمي قال لهم:

"أَجَابَ الرَّجُلُ وَقَالَ لَهُمْ: «إِنَّ فِي هَذَا عَجَباً! إِنَّكُمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ هُوَ، وَقَدْ فَتَحَ عَيْنَيَّ. وَنَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْمَعُ لِلْخُطَاةِ. وَلَكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَتَّقِي اللَّهَ وَيَفْعَلُ مَشِيئَتَهُ، فَلِهَذَا يَسْمَعُ (يوحنا30:9-31).

 تحدث المولود أعمى بصيغة الجمع "ونعلم" أن الله لا يسمع للخطاة لكن إن كان أحد يتقي الله ويفعل مشيئته فلهذا يسمع الله له. فكان هناك اعتقاد لدي الفريسين والكتبة أن المسيح شخص خاطي وأن الله لا يسمع له وأنه ببعلزبول رئيس الشياطين يفعل ذلك (متى 24:12).

فصلاة المسيح ليست لطلب معونة شفاء، بل للتأكيد على شيئين:

  1. أنه ليس خاطئ ولا توجد فيه خطية، وقد قال لليهود:

"مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ؟ فَإِنْ كُنْتُ أَقُولُ الْحَقَّ، فَلِمَاذَا لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي؟" (يوحنا 46:8)

  1. ان الله يسمع صلاته وأن صلاته داخل مشيئة الله،

"لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذَلِكَ الاِبْنُ أَيْضاً يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ." (يوحنا 21:5)

  1. صلاة المسيح تؤكد أنه لم يصل لأجل احتياج، بل لأجل الجمع الذي حضر لتعزية مريم ومرثا يقول الرب يسوع:

 "وَأَنَا عَلِمْتُ أَنَّكَ فِي كُلِّ حِينٍ تَسْمَعُ لِي. وَلَكِنْ لأَجْلِ هَذَا الْجَمْعِ الْوَاقِفِ قُلْتُ، لِيُؤْمِنُوا أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي" (يوحنا42:11).

يقول القس إبراهيم سعيد في تفسير إنجيل يوحنا معلقا على هذا النص:

"أما الكلمات التي وجهها السيد المسيح إلى الآب فهي ليست بالمعنى الذي قصدته مرثا: (لَكِنِّي الآنَ أَيْضاً أَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَا تَطْلُبُ مِنَ اللَّهِ يُعْطِيكَ اللَّهُ إِيَّاهُ) (يوحنا 22:11). كلمات الرب يسوع تعبر عن شكرواطمئنان وثقة.  ويعبر المسيح عن الصلة السرية الوثيقة الدائمة التي تربطه بالآب فليس شكر المسيح وليد هذه الحادثة ولا هو قاصر عليها بل هو لغة المسيح الدائمة وهو شعاره فى الحياة التى قضاها على الأرض وأنما عبر عن ذلك بكلمات مسموعة لأنه كان ينتظر علامة منظورة ليؤمن الجميع أن الآب قد أرسله."[1]

يقول جون كلفن أيضا في تفسير إنجيل يوحنا:

"إن الرب يسوع لا يفعل شيئًا أكثر من الاعتراف بأنه مرسل من الآب. فمرة يعلن عن ألوهيته، ويدعي لنفسه كل ما يخص الله؛ ومرة أخرى، يكون متحفظ على شخصيتة كإنسان، ويعطي للآب كل مجد اللاهوت. يجمع يوحنا كلاهما هنا بشكل مثير للإعجاب في كلمة واحدة ، عندما يقول أن الآب سمع المسيح ، لكنه يشكر، حتى يعرف الناس أنه قد أرسله الآب.. وأنه ابن الله."[2]

  1. من هذه المعجزة نري المسيح الإنسان بكي على لعازر، لكنه هو الله الظاهر في الجسد الذي إقامه من بي الأموات.

    للأسف الشديد يستخدم البعض النصوص الواردة في إنجيل يوحنا للتأكيد على إنسانية الرب يسوع مع أن الغرض الإساسي من هذا الإنجيل إثبات إلوهية الرب يسوع المسيح. ومع جهل واصرار البعض على اقتطاع بعض النصوص من سياقها يظهر لنا أن هؤلاء ليس لهم وعي بالكتاب المقدس لذلك أنصحهم بقراءة إنجيل يوحنا في سياقه المسيحي حتى يستطيع استيعاب الغرض والهدف الذي كتب من أجله السفر. كذلك ليس من الجيد وضع ثقافتي وتعليمي على الكتاب المقدس والحكم عليه طبقًا لمورثي الديني والثقافي محاولا أقناعنا بصحة ما تدعيه وهذا ما نرفضه نحن فلدينا مباديء وأساليب لتفسير الكتاب المقدس حسب سياقه التاريخي والجغرافي واللغوي والنصي. وأخيرا ننوه ونأكد كون المسيح إنسان لا يمنع كونه الله الظاهر في الجسد.

 

هذه السلسلة تحكي عما نؤمن به كمسيحيين تحت عنوان القصة المسيحية في مراحلها المختلفة، ويمكنك قراءة باقي الأجزاء من هنا:

 الخلق والسقوط، العهد، الحل، التجديد

 

[1] إبراهيم سعيد، تفسير إنجيل يوحنا. (القاهرة: دار الثقافة، 1988)، 496.

[2] John Calvin. (1509-1564). Commentary on John - Volume 1. Grand Rapids, MI: Christian Classics Ethereal Library. P 297.