
طبيعة المسيح >
القصة المسيحية- شُبهات- المسيح نفي كونه الله الصالح!
ق. سمير داوود
2/13/23 - ٥ دقيقة قراءة
هناك اعتراض أثير حول ألوهية السيد المسيح له كل المجد فقد أدعي البعض بأن السيد المسيح قد نفي عن نفسه صفة الصلاح التي لله وبالتالي يترتب على ذلك انتفاء الألوهية عنه.
وهو ماء جاء في إنجيل (متى 19: 17):
"لِمَاذَا تَدْعُوني صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ"
نجد أن السيد المسيح في هذه الآية لا ينفي عن نفسه الصلاح، النفي صيغته معروفة، أن يقول مثلا "لا تدعوني صالحا لأنه ليس أحد صالحا إلا واحد وهو الله" ولكن الجملة لم تكن في صيغة النفي كما ترون، هي في صيغة الاستفهام، (لماذا تدعوني صالحا؟) وكأن المسيح يريد أن يتأكد من السائل أنه يعلم ماذا يقول، وهل يعلم أن صفة الصلاح هي لواحد فقط وهو الله؟ سائلا إياه: هل تعترف بي أني أنا الله؟! لاحظوا أن الرجل -كما كتب مرقس في بشارته-، جاء إلى المسيح وجثا له -أي: سجد له-، ودارس الكتاب المقدس يعرف أن اليهودي خلال تاريخ حياته تعلم درسًا قاسيًا عندما سجدوا وعبدوا العجل الذهبي، فَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اذْهَبِ انْزِلْ! لأَنَّهُ قَدْ فَسَدَ شَعْبُكَ الَّذِي أَصْعَدْتَهُ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ. زَاغُوا سَرِيعاً عَنِ الطَّرِيقِ الَّذِي أَوْصَيْتُهُمْ بِهِ. صَنَعُوا لَهُمْ عِجْلاً مَسْبُوكاً وَسَجَدُوا لَهُ وَذَبَحُوا لَهُ وَقَالُوا: هَذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ(خروج7:30-8). انتهى فيه إلى أن السجود لا يجوز إلا لله وحده، وحيث أن المسيح قرر في الإنجيل -وقت التجربة- أنه
" لِلرَّبِّ إِلهِكَ تَسْجُدُ وَإِيَّاهُ وَحْدَهُ تَعْبُدُ." (متى 10:4؛ تثنية 13:6؛ 20:10).
وهنا السيد المسيح يقبل السجود ولا يرفضه، إذا من سجود الشاب الغني، نفهم أن المسيح هو الله الظاهر في الجسد.
تخيل معي أن هناك طبيب ذهب إلى قرية، وحاول إقناع الناس أن يأتوا بالمرضى عنده للعلاج لأنه طبيب درس الطب، ولكن الناس في القرية بسطاء وجهلة ويذهبون إلى حلاق البلدة، الذي يشيع في القرية أن هذا الطبيب ليس طبيبًا، ثم جاء أحدهم ذات يوم يشتكي من مرض يؤرقه ويؤلمه، وذهب إلى الطبيب وقال له أيها الطبيب عالجني، فقال له الطبيب (لماذا تدعوني طبيبا؟ ألا تعلم أنه ليس هناك طبيب إلا الذي تخرج من كلية الطب ويحمل شهادة خاصة بذلك)، والآن هل يستطيع أحد أن يقول إن سؤالا مثل هذا ينفي عن الطبيب صفته؟ أم أنه يؤكدها ويريد إثباتها باعتراف صريح مِن القادم إليه، حتى يقولها عن اقتناع كامل، وليس من منطلق السخرية أو التهكم! هكذا نفس الحال، ولهذا فالرجل عندما جاء إلى المسيح وجثا، أراد المسيح أن يتأكد أنه يقول ويفعل شيئا مقتنعًا به (لماذا تدعوني صالحا، ليس أحدًا صالحا ألا واحد وهو الله).
والآن إلى الاستشهاد النهائي الذي نثبت فيه أن المسيح يقول عن نفسه إنه الوحيد الذي له صفة الصلاح حين قال مرتين عن نفسه
"أَنَا هُوَ الرَّاعِي الصَّالِحُ." (يوحنا 10: 11، 14)
كان الرب يسوع يستفهم من الشاب، هل تعترف بهذا يقينا بالقلب والادراك؟ لقد أتيت وسجدت لي، وأنت تعرف أن السجود لا يجوز إلا لله فقط، وها أنت تُلقِّبني بالصالح، وأنت تعرف أيضًا أن الصالح الوحيد هو الله، فهل تفعل وتقول هذا اعترافًا بيّ كالله الظاهر في الجسد؟
في نهاية القصة نجد المسيح يوجه دعوة للشاب بأن يتبعه، وهنا نطرح سؤال لِم لَم يقل له المسيح اتبع الله؟ هذا إن دل، فإنه يدل على أن المسيح قد أُعطِي سلطان على كل جسد ليُعطي حياة أبدية (يوحنا2:17).
بعد هذا العرض نقول أن اقتطاع نصوص من سياقها أو عدم فهم القرينة أو السياق أو الخلفية سواء التاريخية أو الجغرافيه أو طبيعة السفر، سيجعل الكثير من قراء الكتاب المقدس في حيرة وشك وارتباك، لكن شكرًا الله على كلمته الحية الفعالة التى تمنحنا الطمأنينة، وأنها كافية في ذاتها أن ترد على كل مُرتَبِك ومتحير.
سأترك لك كلمات الرب يسوع:
"كُلُّ شَيْءٍ قَدْ دُفِعَ إِلَيَّ مِنْ أَبِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الابْنَ إِلاَّ الآبُ، وَلاَ أَحَدٌ يَعْرِفُ الآبَ إِلاَّ الابْنُ وَمَنْ أَرَادَ الابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ." (مت 11: 27).
هذه الدعوة مفتوحة وموجهة لكل إنسان يبحث دائمًا عن الطريق والحق والحياة.
خاتمة:
وهنا نكون قد بحثنا في الاعتراض الثالث، الموجه لنفي ألوهية السيد المسيح، ورأينا أنه لنفهم النص موضع الشُبهة علينا أن نفهم سياق الحديث والتفسير الصحيح للنص دون اقتطاعه من الإطار العام، ودون وضع افتراضات مُسبقة للتفسير تحدد وتٌشكل الطريقة التي نريد أن نري بها أقوال السيد المسيح عن نفسه.
هذه السلسلة تحكي عما نؤمن به كمسيحيين تحت عنوان القصة المسيحية في مراحلها المختلفة، ويمكنك قراءة باقي الأجزاء من هنا:
الخلق والسقوط، العهد، الحل، التجديد