
طبيعة المسيح >
القصة المسيحية- مُعجزات- سلطان السيد المسيح على الطبيعة
ستيفن بطرس
3/13/23 - ٥ دقيقة قراءة
حين ننظر لشخصية السيد المسيح لتقيِيمها يُمكنُنا أن ننظر إلى ثلاث جوانب منها وهي: أقواله، صفاته، أفعاله. وبالنظر إلى أفعاله نجد من أهمَّها هى المُعجزات.
1- ما هي المعجزة بشكل عام:[1]
هي فعل خاص لا يمكن تفسيره طبيعيًا، يقوم به الله بقطع مجرى الأحداث الطبيعي، له غرض، ونادر نسبيًا، ولا ينطوي على خطأ أو انحراف أخلاقي.
بمعنى أنَّ المعجزة لا تتكرَّر كثيرًا، فهي الاستثناء وليست القاعدة. لها غرض أي: ليست للإثارة والاستعراض، ولا تحدُث لتصحيح خطأ شخصي، أو مساعدة شخص في عمل الشر.
استخدم السيد المسيح المعجزات لا للإبهار وجَذب الجماهير. فهو عَلِمَ جيَّدًا أنَّ إيمان الكثيرين به بسبب المعجزات التى صنعها ليس إيمانًا حقيقيًا. بل هو مُجرَّد تأثير لحظي سُرعان ما يزول (يو23:2).
إذا فهل معنى هذا أنَّ المعجزة ليست لها قيمة طالما لا تُغيَّر الشخص وتٌقنعه؟
في الحقيقة وجود المعجزة لا يضمن إيمان الشخص بدليل عمل السيد المسيح الكثير من المعجزات، ولكن نَسَبَها البعض للشيطان (لو15:11)، والبعض الآخر تبعه عندما أكل من معجزة إشباع الخمسة آلاف شخصٍ، ولكن حين سَمِعَ تعاليمه الصعبة تركه (يو66:6-26:6). بل وبعد إقامة السيد المسيح للعازر من الموت بعد أربعة أيام وتعفُّن جسده. كان رد فعل البعض هو نيَّتهم قتل يسوع ولعازر أيضًا!! (يو10:12).
إذًا فوجود المعجزة لا يضمن للشخص أن يؤمن، ولكن غيابها قد يكون عقبة في طريق الإيمان فهي تعمل كالدليل الذي يُشير لشيًء أكبر. فالسيد المسيح يطلُب إيمانًا مُخلِصًا طوعًا، واختيارًا، وتضحية طويلة الأمد، ليست متأثرة بتأثير سطحي للمعجزة. إيمان أسَّسه بالمحبة، والبذل حتى الموت. وليس حَسْب ما ظنَّهُ الشعب أنه سيُخلَّصُهُم بقوته ومُعجزاته مِن بطش الرومان.
2- غرض معجزات السيد المسيح بشكل عام:
المعجزة تُثبت صحة رسالة السيد المسيح مثلما قال نيقوديموس:
"نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللَّهِ مُعَلِّماً، لأَنْ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَعْمَلَ هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي أَنْتَ تَعْمَلُ إِنْ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ مَعَهُ" (يو2:3)
والمعجزة أيضًا تُثبت أنَّ السيد المسيح جاء ليؤسس مملكته الروحية التي انتظرها الناس كثيرًا، وتكلَّمَ عنها النبي دانيال حين قال:
"كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ ...َوأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ." (دا14:7)
ومِن سِمات هذه المملكة هي حدوث المعجزات، التي عندما تحدُث يعلم الجميع أنَّ المملكة أتت، وأنَّه له كل السلطان. وهذا ما أخبرُهُم به السيد المسيح حين قال:
"وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ أَنَا بِرُوحِ اللَّهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ، فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللَّهِ!" (مت28:12)
سأتناول ثلاث معجزات مختلفة فعلها السيد المسيح تُشير إلى سلطانه على كل من الطبيعة المُتمثَّلة فى البحر والعاصِفة، وسُلطانه على الحياة، وسُلطانه بالخلق.
1- تهدئة العاصفة في البحر (مت23:8-27) (مر35:4-41) (لو22:8-25):
كنا معًا بعد قضاء مُعلَّمنا يومً طويلً في الوعظ في كفر ناحوم. شفى كثيرين وأخرج شياطين وكنا نساعده بكل قوَّتنا. مهما كان يشفي كانت أعداد الناس لا تنتهي والإحتياج لا يزال لا يُسدْ وبعد اليوم الشاق قال لنا المُعلَّم لِنعبُر البُحيرة لنستريح. فعلًا ذهبنا بالسفينة التي فور أن دخلها المُعلَّم أخذ وِسادة ونام من تعب اليوم كله. وكان حولنا سُفنًا أخرى تتبعنا لعلَّهم تابعونا لحاجتهِم لمعجزات شفاء جديدة! تحرَّكنا سريعًا لكي نذهب إلى الجانب الآخر من البُحيرة لنستريح. ولكن كما يقولون تأتي الرياح بما لا تشتهي السُّفنُ. حدثت عاصفة شديدة لم نَرَهَا من قَبل، حدثت بوادر لها جعلت السفن التي كانت تتبعنا تختفي عن أنظارِنا رُبَّما عادوا سريعاً إلى الشاطئ. لكنَّنا لم نفعل مثلهم. كان كل هدفنا هو طاعة المُعلم الذي أمرنا أن نعبر الجانب الآخر. لكن الآن لا نعرف ماذا نفعل نحن في وسط البحر الهائج والسفينة تكاد تتكسَّر والمياه ابتدأت تدخل. نحاول التجذيف بكل قوتِنا لكن الطبيعة أقوى منَّا بالتأكيد. نحاول استخدام كل خبراتنا السابقة في مثل هذه العواصف لكن لا ينفع شيء مع هياج البحر الشديد. لم نُرد أن نوقِظ المُعلَّم فقد كُنَّا مثل التلميذ الذي يُريد أن ينال الإشادة من مُعلَّمه حين يجتاز بمفرده امتحان صعب، بل فوق المستوى البشري. لكن مع المحاولات المستمرَّة تأكَّدنا أنه ليس مُجرد امتحان صعب لأن المُعلَّمُ نفسه لا يُبالي بسلامتنا. ففَضَّلنا إيقاظه بدلًا من موتنا جميعًا. وقُولنا حَسَنٌ اللجوء إليه ولا نموت عن الاعتماد على أنفُسنا وخسارة كل شيء. أيقظناه سريعًا "يا مُعلَّم استيقظ أما يَهُمُّكَ أَنَّنَا نَهْلِكُ؟!".
نظر لنا ولم يُجيبُنا بكلمة فقد أوقِظَ من نومٍ عميقٍ على صراخنا كالأطفال. قام سريعًا منتهِرًا البحر قائلًا: "اسكُت! اِبكَم!" فسكنت الريح وصار هدوءٌ عظيمٌ. ثم نظر لنا مُتعجَّبًا من هَلَعِنا قائلاً "ما بالكُم خائفين. كيف لا إيمان لكم؟" لم نُجبهُ فقد كانت دهشتنا من سلطانه على الطبيعة والبحر أكثر بكثير من أهمية الجواب. كُنَّا نقول بيننا من "هو هذا؟!" وكان هو وكأنُّه يقول لنا: "هل ظننتُم أنني قادر على شفاء الأمراض وإخراج الشياطين فقط!" أنتم لم تعرفوني بعد. أدركنا أنَّه في حضرته: يَمتَحِن ولا يُمتَحن، يأتي ولا يُستدعَى، يتكلَّم ولا يُستنطقَ[2].
ما أراه في هذه المعجزة أنَّ العاصفة ليست هي محور القصة -بالرغم من شدَّتها وخطر الموت-، لكن مَن هو الذي في السفينة معنا؟ هو يسوع المسيح الذي له كل السلطان ليس على الأمراض فقط، بل على الطبيعة أيضًا.
إنَّ سلطان يسوع المسيح على الطبيعة سُلطان شخصي غير مُكتسب فهو ليس مُجرَّد نبي يطلب من الله اسكات البحر، بل يأمُر مباشرة البحر أن يهدأ.
حتى ولو كان يسوع "نائمًا" لأنه إنسان، لكن هذا لا ينفي كونه له كل السلطان سواء كان مستيقظًا أو نائمًا. الأهم هو هل نثق به في كل وقت، وفي كل ظرف؟ هل إيماننا به مُرتبط بمعجزات فقط أم إيمان اختباري مُرتبط بعلاقة شخصية معه؟