.jpg?alt=media)
أعمال وتعاليم المسيح >
القصة المسيحية- الموعظة على الجبل- الزنا (ج2)
شادي بهاء
6/8/23 - ٥ دقيقة قراءة
تعميق الناموس:
لم يكن السيد المسيح هو الوحيد الذي سعى إلى تعميق الناموس عندما قال:
"قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لَا تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى ٱمْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ." (متى ٥: ٢٧- ٢٨)
فالمعلمون اليهود هم أيضًا عمقوا الوصية (لَا تَزْنِ) لكنهم فعلوا ذلك بفرض قيود أكثر تشددًا على الاتصال بالنساء. فالاتجاه الذي كان يتزايد في ذلك الوقت، هو إبعاد النساء عن الحياة العامة وحتى الحياة الدينية. مثل هذا التركيز على القيود الخارجية يؤدي ببساطة إلى الرياء - كما يوضح السيد المسيح في (متى ٢٣) -، لذلك عمق السيد المسيح الناموس، لكنه رفض أن يفعل ذلك بإضافة المزيد من القيود الناموسية. فبالنسبة للسيد المسيح الزنا بتعريفه كشهوة (اشتهاء ما ليس لي) هو عكس "تحب قريبك كنفسك" (عدم اشتهاء ما هو لقريبي). فالبر الأعظم لا يتعارض مع الناموس، ولا هو تحفظات زائدة لتجنب التعدي على الناموس أو تفسيراته، بل هو تأكيد إيجابي على أن البر الأعظم في مجتمع العهد الجديد للسيد المسيح يأتي من داخل الإنسان، حيث الوصايا مكتوبة في القلب. فهو لا يمكن تحقيقه من خلال الالتزام الشكلي بالناموس. وتعليقًا على هذا، قال غيليش:
"لا يمكن حتى لأقسى الإجراءات أن تحمي المرء من الشر. يكمن جذر المشكلة في الشخص وعلاقته بالآخرين. لذا فإن مطلب السيد المسيح يفترض مسبقًا نقطة انطلاق جديدة في العلاقات بين الرجل والمرأة.[1]
القرينة الاجتماعية:
أما بالنسبة للسياق الاجتماعي فالنساء كانت مسؤولة عن أي خرق للاستقامة الجنسية حيث يأتي دعم هذا المنظور من التفكير في أهمية ملابس النساء في الثقافة اليونانية الرومانية المعاصرة بشكل عام والثقافة الفلسطينية بشكل خاص.
نجد أولاً، "لويد جونز" يوضح قائلًا:
"كان الحجاب ضرورة اجتماعية للمرأة في العالمين اليوناني واليهودي".[2]
ثانيًا، في بعض النصوص
"المرأة الرومانية الجديدة تدعي الانغماس في الحياة الجنسية الممتعة."[3]
هؤلاء النساء في الغالب من الطبقة العليا كن يتجنبن الشكل التقليدي للزي. كانوا
" يعيشون حياة الحفلات وإرضاء الذات واختيار عشاقهن." [4]
ثالثًا، لدينا إصلاحات أغسطس التي كانت محاولة للعودة إلى القيم التقليدية. لا شك في أن أغسطس قيصر قد تأثر بسبب الانحلال الجنسي لابنته جوليا (ولكن دون تفكير في انحلاله الشخصي)، فقد وضع برنامجًا يتضمن تشريع جديد بشأن الزواج والزنا. أصدر أغسطس قانونًا لملابس الزوجة المتواضعة والذي من شأنه أن يميزها عن النساء غير الشرعيين. يخدم هذا القانون مصالح الأزواج بشكل جيد، ويظهر بُعد القوة للعلاقات الجنسية في المجتمع الذكوري. فيمكن للرجال الاستمرار في ممارساتهم الجنسية الخاصة مع حماية حقوقهم الانفرادية لجمال زوجاتهم. ''[5]
قلب الرجل، أم زينة المرأة:
هذا هو السياق الاجتماعي الذي يجب أن نفهم فيه (متى ٥: ٢٨). التوقع غير المُعلَن -ولكن الضمني- هو أن النساء بحاجة إلى ارتداء الملابس المناسبة، هذا فقط الذي سيقلل من إغراء الذكور والزنا. توقع الرجال اليهود أن ترتدي النساء اليهوديات المتزوجات غطاء للرأس لمنع الشهوة، وهو النمط الذي لا يزال موجودًا في الثقافات الشرق أوسطية التقليدية. يفترض تعاليم السيد المسيح في (متى ٥: ٢٨) مسبقًا هذا السياق الاجتماعي، حيث يقع على عاتق المرأة مسؤولية منع الشهوة. لكن كلمات السيد المسيح تنقل المسؤولية على قلب الرجل. فكلماته موجهة إلى الرجال، مدركًا أن "الرجال لا ينظرون فقط؛ بل نظرتهم تحمل في طياتها قوة الفعل والتملك التي تفتقر إليها نظرة المرأة"[6] منع الزنا لا علاقة له بالمرأة كإغراء بل بشهوة القلب.[7] فتجنب الزنا ليس كافٍ. ولا ستر المرأة التي هي موضوع الشهوة. ولا هو قلع العين أو قطع اليد (٥: ٢٩- ٣٠) بالطبع لا يمكن أن يوقف اقتلاع عين المرء الشهوة، فيمكن للناس أن يشتهوا حتى وأعينهم مغلقة. وهكذا يحذر ترتليان من أن المسيحيين لا يحتاجون إلى أن يقتلعوا أعينهم كما فعل ديموقريطس،[8] ولكن يجب عليهم ببساطة حماية عقولهم وأذهانهم من الشهوة، فالسيد المسيح يعلن بطريقة بلاغية قاسية أنه بأي وسيلة ضرورية، يجب على المرء أن يتخلص من هذه الخطية (قارن كو ٣ :٥).
الضحية ليست مسؤولة، فإن الحل الوحيد للمشكلة هو البر الأعظم، والذي أصبح ممكنًا من خلال اتباع يسوع المسيح، الذي يقود أتباعه في مجتمع العهد الجديد. كما يشير "غيليش" -في هذا السياق الجديد-، إلى أن السيد المسيح طالب بعلاقة صحية تمامًا بين الرجل والمرأة، لم يعد فيها الشر نفسه هو السائد.[9]
موقف السيد المسيح من النساء:
هذا يتفق تمامًا مع موقف السيد المسيح تجاه النساء. لدينا في الأناجيل ما يشير إلى أن معاملته للمرأة كانت جزء من اهتمامه بالمهمشين في المجتمع. إن استعداده لتناول الطعام مع النساء، ولمسته الحانية للنساء اللواتي كن نجسات طقسًا، وقبول دعم النساء في خدمته، والدخول في مناقشة لاهوتية مستدامة مع امرأة سيئة السمعة، كل هذا يظهر جيدًا في الكتاب المقدس.
هذه إذًا طبيعة تعليم السيد المسيح الثورية: مسؤولية منع الشهوة ليست على عاتق المرأة، إنما تقع في الواقع على الرجل الذي يشتهي المرأة. تقول فرانس إن:
"نية السيد المسيح ليست منع الانجذاب الجنسي الطبيعي، بل منع الإيواء المتعمد داخل الرجل للرغبة في علاقة غير مشروعة.'' [10]
خاتمة:
خلاصة الأمر هي:
أولاً، يتفق السيد المسيح مع معاصريه في رغبتهم في تجنب الزنا. كما يوافق على أن السلوك يسبقه الفكرة الشهوانية. لكنه يذهب إلى أبعد من ذلك ليشير إلى أن الفكر في حد ذاته هو المشكلة وأنه مذنب مثل الفعل نفسه.
ثانيًا، يضع السيد المسيح العبء على المشتهي وليس المرأة. وفقًا لهذه الوصية، ليس غطاء المرأة هو الحل؛ إنما العلاقة الجديدة بين الرجال والنساء في مجتمع العهد الجديد، وهي علاقة لا تعكس بُعد القوة للعلاقات الجنسية في المجتمع الذكوري -كما هو متعارف عليه-، ومن ثم، فإن تعاليمه هي إلى حد ما ثورية على الثقافة السائدة. وهذا يتوافق مع نموذج السيد المسيح في التعليم والسلوك لتأييد المرأة والأعضاء المهمشين الآخرين في المجتمع.
هذه السلسلة تحكي عما نؤمن به كمسيحيين تحت عنوان القصة المسيحية في مراحلها المختلفة، ويمكنك قراءة باقي الأجزاء من هنا:
الخلق والسقوط، العهد، الحل، التجديد
[1] R. A. Guelich, The Sermon on the Mount: A Foundation Jor Understanding (Dallas: Word, 1982), 243.
[2] Llewellyn-Jones, Lloyd. Aphrodite’s Tortoise: The Veiled Woman of Ancient Greece. (Classical Press of Wales, 2003), 14.
[3] Elaine Fantham, 'The "New Woman": Representation and Reality', Women in the Classical World: Image and Text, (Oxford: OUP, 1994), 281.
[4] Fantham, 282.
[5] Craig Keener, Paul, Women, and Wives (Peabody: Hendrickson,1992), 30.
[6] Alice Bach, Women, Seduction and Betrayal in Biblical Narrative (Cambridge: CUP, 1997), 131.
[7] Ben Witherington Ill, Women and the Genesis of Christianity (Cambridge: CUP, 1990), 37.
[8] Tertullian, “The Apology”, p. 51.
[9] Guelich, 242.
[10] R. T. France, Matthew: Evangelist and Teacher (Carlisle: Paternoster, 1989), 121.