الصلاة هي علاقة تربط بين الله والإنسان، يتحدث فيها الإنسان بما في قلبه وعقله، بكل ما يحمل من مشاعر، فرح وحزن، سلام وأمان أو خوف وارتباك وشك، فالصلاة في المسيحية أن تتحدث لله بما عندك، تكون لله صديقًا وحبيبًا، يسمعك، وسوف يحدثك في كلمته، في الصلاة سوف تُعلِن أمام الله ما لا تتمكن من البوح به مع الناس.

هل من شروط للصلاة؟

  • الوقت:

دون شروط في الوقت، فلو جلست دقائق أو ساعات أمام الله، سيسمع منك الله، ولو اخترت يومًا أن تجلس صباحًا واليوم التالي مساءًا، سيكون في انتظارك، لا تهتم بالمواقيت والساعات، اهتم فقط أن تجلس معه.

 

  • طريقة الممارسة:

لا يوجد طريقة للممارسة، صلي كيفما شئت، فالصلاة هي أفكار العقل ومشاعر القلب الموجهة لله، تخرج منك إليه، فلا احتياج لأي شكل ما تؤدي به صلاتك.

 

  • هيئتك:

دون شروط في هيئتك، من الرائع أن تكون هيئتك مهندمة، وأن تكون نظيفًا، لكن لو لم تكن كذلك، فلن يتركك أو يرفضك الله، أو يرفض صلاتك، بل سيقبل بكل ترحاب وحب، فالطهارة والنظافة الجسدية ليست قضية مهمة لدى الله لقبول أو رفض الصلاة. الله أعظم من أن يرفض صلاة إنسان لأنه ليس نظيفًا، لأن طهارة القلب والفكر أهم من طهارة الجسد.

 

  • كلماتك:

دون شروط في كلماتك، ليس هناك كلامًا يجب أن تحفظه وتكرره، بل قل له ما عندك بكل راحة، ولا تخف، لأن الله هو أبوك السماوي.

 

  • المكان:

دون شروط للمكان الذي تصلي فيه، في البيت أو الشارع، في وسيلة مواصلات، في أي مكان، لكن لا يجب أن يكون اختيار المكان ليراك الناس ويعرفوا أنك تصلي، فهذا أمر خاص وشخصي بينك وبين الله.

   عليك ألا تهتم بأي شئ في صلاتك، إلا بأن تكون متحدثًا من كل قلبك وعقلك، تجلس أمامه لأنك تحب الجلوس معه، ولا تنفذ هذا لواجب مفروض، أو إلزام يومي، فلن تأخذ شيئًا إن فعلتها كفرض.

 

كان للمسيح ملاحظات على الصلاة اليهودية منها:

  من أعظم كلمات السيد المسيح التي قالها وعلّم بها كانت ما يُطلق عليه (الموعظة على الجبل) ومنها جزء خاص بالصلاة:

"وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَلَّيْتَ فَادْخُلْ إِلَى مِخْدَعِكَ وَأَغْلِقْ بَابَكَ، وَصَلِّ إِلَى أَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً. وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلاً كَالأُمَمِ، فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ." (بشارة متى 6: 5- 8)

   لاحظ السيد المسيح في صلوات بعض الناس أنهم يصلون للحصول على مديح الناس، حيث يخرج الشخص إلى الشارع، يبحث عن مكان مزدحم، يقف فيه ثم يصلي بطريقة واضحة صريحة يعلن من خلالها أنه يصلي، لكي يراه الناس، فيمتدحوه، فأخذ أجرته هذا الذي يُصلي هكذا.

ولأن الصلاة هي علاقة خاصة جدًا، شخصية جدًا بين الإنسان والله، فيجب أن تكون غير معلنة، ولا يجب أن يعرف كل من حولي أني أصلي كي أنال منهم المديح.

يقول وليم مكدونالد -عن النص السابق ذكره-:

"في حين يُستخدم ضمير المخاطبة بالجمع (في اليوناني) في العددين 5 و 7، فإن الرب يستخدم ضمير المفرد في العدد 6 (أنت) للتشديد على العلاقة الشخصية بالله. وأن سر استجابة الصلاة هو في أن نفعلها في الخفاء...فإذا كان دافعنا الحقيقي أن ندخل إلى محضر الله، فسوف يسمعنا ويستجيبنا"[1]

   وهذا لا يعني أننا لا نصلي صلاة علنية في الكنيسة مثلاً فالصلاة الجماعية العلنية لها ثمرها في حياة كل شخص، لكن المقصود أن الصلاة الشخصية الخاصة تكون بيني وبين الله فقط فأنا أُصلي لله وأصوم لله.

   يجب أن تدخل مخدعك بمعنى أن تُكَوِّن علاقة خاصة جدًا، بالتأكيد إن كانت في غرفتك الخاصة سيكون رائعًا، لكن يمكنك أن تصلي في أي مكان دون أن يعرف الناس أنك تصلي. صلي في أي وقت وأي مكان وأي زمان، أجلس أمام الله ولا تتوقف حتى وأنت تعمل أو تسير في الشارع، فقد قال السيد المسيح أن نصلي دون ملل، أرفع قلبك وذهنك لله كلما تمكنت طوال يومك.

"يَنْبَغِي أَنْ يُصَلَّى كُلَّ حِينٍ وَلاَ يُمَلَّ،" (لوقا 18: 1).

   تحدث له دومًا، استمتع بعلاقة حية وحقيقة بينك وبين الله، تكلم له ولا تخف، تكلم مع الله دومًا، فهو يحبك وينتظرك كل يوم، إنه أبوك.

   لاحظ كذلك السيد المسيح في صلواتهم التي كانت للمظهرية أنها تكرار لكلام محفوظ، وبالتالي غير مؤثر أو مُغيّر في الشخص الذي يصلي لله، كلام مكرر بلا فائدة.

فطلب ألا يكرروا الكلام، بل يجب أن يكون الكلام نابع من القلب والعقل، وتكرار الكلام دون روية وتفكير وانسياب مع الله بهدف التمتع بالوقت مع الله، لا فائدة منه.

أعطى المسيح نموذجًا عن الصلاة فقال:

" فَصَلُّوا أَنْتُمْ هكَذَا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ."

وهذا النموذج ليس للحفظ والتكرار فقط، لكن كي نصلي على نفس هذا النهج، أن نطلب ملكوت الله ونشكر على ما يعطينا ونغفر لمن يسئ إلينا، وهكذا..

- الصلاة الربانية ليست تعويذة نكررها لنحصل على أمر ما

- الصلاة الربانية ليست علاقة حقيقية بيني وبين الله، أي إنك إن كررتها مرات ومرات فلن تساعد على بناء العلاقة الشخصية مع الله، لكن إن صليت بكل قلبك وعقلك على نهجها فسوف تنمو روحيًا.

- الصلاة الربانية ليست للحصول على الحسنات، فمبدأ الحسنات لا وجود له على الإطلاق في الإيمان المسيحي.

 

   فالصلاة واحدة من الأدوات المهمة جدًا التي تساعدني كي أنمو وأنضج روحيًا. ولا يوجد في إيماننا المسيحي الحفظ بهدف الحفظ والتكرار، لكن الفهم والتطبيق لكلمة الله ثم حفظها، واستخدام ما نفهم ونحفظ في صلاتنا اليومية. لكن في هذه الصلاة الربانية -النموذج الذي أعطانا المسيح-، نعرف أننا نُحدّث الله الذي هو الآب/ أبونا، نشكره ونسبحه. وأنت تصلي تعرف أنك دائمًا تكلم الآب.

 نريد أن تتم مشيئته الصالحة على الأرض، وعندما نصليها، ندرك أننا نريد تنفيذها على الأرض بين الناس، فنتغير نحن ونحب الناس ونهتم بأن نصنع مشيئة الله.

  في قولنا خبزنا كفافنا، نعبّر له أننا نرضى بما لنا طالما لنا طعام نحيا به، فنحن نأكل لنحيا، ولسنا نحيا لنأكل، ولا نهتم بمشتهيات ورغبات العالم التي لا ترضيه، ويمكننا أن نسيطر على أي رغبة قد تدفعنا بعيدًا عن الله، نطلب غفرانه ويجب علينا أن نغفر لمن يسئ لنا، لأن الله قد غفر لنا، وأن يحفظنا من الشرير أي: الشيطان

تقول (الرسالة إلى فيلبي 4: 6- 7):

"لاَ تَهْتَمُّوا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى اللهِ. وَسَلاَمُ اللهِ الَّذِي يَفُوقُ كُلَّ عَقْل، يَحْفَظُ قُلُوبَكُمْ وَأَفْكَارَكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ."

في الصلاة، طلباتك سوف تكون مُعلنه عند الله، وسلامه سوف يغمرك بعد الحديث معه، سلام يفوق كل فكر وعقل، إن كان لك علاقة حقيقية مع الله من خلال الصلاة، ستشعر:

- بنمو حقيقي في علاقاتك بالله، بالطبع يجب أن تقترن الصلاة بقراءة ودراسة كلمة الله وحضور الكنيسة مع الجسد الواحد للشركة

- بسلام الله

- ستنمو روحيًا بشكل واضح جدًا

 

والسؤال هنا لماذا نصلي بما أن الله يعرف ما في قلوبنا؟

  1. العلاقة الحية الحقيقية يلزمها حديث مستمر، وإن لم يحدث تموت العلاقة، العلاقة الحقيقية يلزمها حوار يومي أتحدث لله بكلماتي، ويتحدث هو لي بكلماته سواء من الكلمة المقدسة أو إشارات وحديث الروح القدس لي.
  2. قولي إني أحب الله، يتضح في تخصيص وقت للجلوس معه والتحدث إليه، فهذه واحدة من أدوات التعبير عن الحب.
  3. التعبير عن الشكر لله يتضح من خلال الصلاة، من خلال العلاقة اليومية المستمرة.
  4. نصلي لنطلب منه ما نشاء ونريد، مهما كانت الاستجابة التي قد تكون بـ نعم أو بـ لا.
  5. قد يوضح الله أمرًا لي في الصلاة، خطيئة في حياتي قد لا أدركها إلا وأنا في محضر الله، فيشير الروح القدس إليها.

 

يقول الكتاب المقدس:

"فَلْنَتَقَدَّمْ بِثِقَةٍ إِلَى عَرْشِ ٱلنِّعْمَةِ لِكَيْ نَنَالَ رَحْمَةً وَنَجِدَ نِعْمَةً عَوْنًا فِي حِينِهِ." (ٱلْعِبْرَانِيِّينَ ٤:‏١٦)

   تقدم إلى عرش النعمة، إلى حيث الله صاحب الرحمة والحب، اجلس أمامه وتحدث، تعالى بكل ما في قلبك ونفسك، بكل ما يدور في خلدك، تكلم ولا تسكت، فأنت في عرش النعمة والحب.

 

 

هذه السلسلة تحكي عما نؤمن به كمسيحيين تحت عنوان القصة المسيحية في مراحلها المختلفة، ويمكنك قراءة باقي الأجزاء من هنا:

 الخلق والسقوط، العهد، الحل، التجديد

 


[1] وليم مكدونالد، تفسير الكتاب المقدس، جزء 1 (القاهرة: دار الأخوة للنشر، 2005) 56.