.jpeg?alt=media)
طبيعة المسيح >
الإعلان النبوي في المسيح (ج10)
خدمة الألفية الثالثة
10/21/20 - ٥ دقيقة قراءة
يلخِّص "بيان وستمنستر للتعليم الديني" محتوى الكتاب المُقدس بالقول إن المسيح أعلن نبوياً لكنيسته إرادة الله الكاملة بشأن كلِّ شيءٍ يتعلّق ببنيانها وخلاصها. من ناحيةٍ ما، هذه جملة واسعة جداً تؤكّد كفاية الكتاب المُقدس. ولكن حين ننظر إليها في سياق مُحدّد هو سياق وظيفة المسيح كنبيّ، فإنّها تساعدنا على أنْ نرى أن كامل الكتاب المُقدّس أُعطي لنا من المسيح، المبعوث الأساسي والرئيسي والأهم لعهد الله، ليعلّمنا عن شروط عهده وطبيعته، حتى يحذرنا لتجنُّب العواقب، وللسعي إلى بركات العهد من خلال الطاعة الأمينة. وهكذا، فإن إرادة الله هي أن نعرف بنود عهده ونطبِّقها في حياتنا. وبناؤنا يتم بفهمنا الصحيح لبنود ذلك العهد. وأما خلاصنا فهو التمتّع ببركات العهد.
كل الكتاب المقدس هو كلمة عهد الله لشعبه. وبما أن المسيح هو ابن الله، فالكتاب المقدس بكامله هو كلمته. على سبيل المثال، غالباً ما أكد يسوع استمرارية مفعول العهد القديم. ونحو نهاية خدمته، وعد بأن يرسل الروح القدس إلى رسله الاثني عشر ليعطيهم السلطان ليكتبوا كتباً جديدة إضافية، أي كتب العهد الجديد.
كما علّم يسوع أتباعه كيف يطبقون شروط عهد الله في أيامهم. وحثهم على طاعة إرادة الله لينالوا بركات العهد ويتجنبوا الدينونة الإلهية. وكما كتب بولس لاحقاً، كل الكِتاب المُقدَّس اعطي للكنيسة ليعدها لتخدم ربنا وتطيعه.
انسجاماً مع هذه الأفكار، سنركز على ناحيتَين في محتوى إعلان المسيح النبوي في الكتاب المُقدس. سنوضَح أولاً كيف أن الفهم الصحيح لوظيفة النبي يمكن أن يساعدنا في تفسير كل الكتاب المُقدّس، حتّى نُبنى وننمو في معرفة مشيئة الله. ثانياً، سنوضّح كيف أن الفهم الصحيح لوظيفة المسيح النبوية يمكن أن ترشِدنا في خضوعنا للكتاب المُقدس، حتى ننال بركات العهد، بركة الفداء. ولنبدأ بفكرة أن دور المسيح كنبي له تأثير بالطريقة التي نفسّر بها الكتاب المُقدّس.
تفسير الكتاب المقدس
في الشرق الأدنى القديم، كان الناس يدركون وجوب استجابتهم للرسائل التي يرسِلها الملك السيد من خلال سفرائه. وكانت عواقب تجاهل هذه الرسائل خطيرة. وهذا ينطبق على إعلان الله. فحين يُعلِن الله إرادته لشعبه، فإنّه يتوقّع منا أن نستمع لكلامه حتى نفهم ما يطلبه، وأن نستجيب له بطاعةٍ حتى ننال خلاصه. حين ننظر إلى الأمر من هذه الزاوية، فإن كلمات الكتاب المُقدَّس التي أعطاها المسيح من خلال الروح القدس لا تكون مجردّ آراء شخصية لشخص ما حول أمورٍ مُعينة، أو مجرّد حقائق توضيحية. إنها رسائل العهد المبعوثة من الملك العظيم، وهي تتطلّب استجابة الطاعة. كما نقرأ في عبرانيين 2: 2-3:
لأَنَّهُ إِنْ كَانَتِ الْكَلِمَةُ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا مَلاَئِكَةٌ قَدْ صَارَتْ ثَابِتَةً، وَكُلُّ تَعَدٍّ وَمَعْصِيَةٍ نَالَ مُجَازَاةً عَادِلَةً، فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصاً هَذَا مِقْدَارُهُ، قَدِ ابْتَدَأَ الرَّبُّ بِالتَّكَلُّمِ بِهِ. (عبرانيين 2: 2-3)
الذي يرفضون كلام يسوع المسيح محكومٌ عليهم بالوقوع تحتَ دينونة العهد أبدياً. أمّا الذين يقبلون رسالته بالإيمان والطاعة، فينالون بركات العهد، بركات الخلاص والحياة الأبدية.
لمّا كان القصد من كلمة المسيح في كل الكتاب المُقدس تطبيق عهد الله مع شعبه، فإن أفضل طريقة لتفسيرها هي بحسب بنية العهد. وكما رأينا، فإن العناصر الأساسية لبنية العهد هي إحسان الله نحونا، والوفاء الذي يطلبه منا، والعواقب المُعَلنة: البركات نتيجة الطاعة، والدينونة نتيجة العصيان.
وكما رأينا في جزء سابق من هذا المقال، فقد كانت هذه العناصر واضحةً وبارزةً في كُلِّ العهد القديم قبل أن يُولَد يسوع المسيح. كما كتب رُسُل المسيح عن هذه المواضيع بشكلٍ متكرّر بعد صعود المسيح إلى السماء. كما يمكننا رؤية المواضيع نفسها في الخدمة النبوية ليسوع المسيح خلال خدمته الأرضية. فمثلاً، تحدَّث يسوع عن إحسان الله في مقاطع مثل متّى 5: 45، و6: 26-33. وعلّم عن التوقّع بالولاء البشري لله، كما نرى في متّى 25: 14-30. وشدّد على العواقب التي تتبع الردود البشرية، كما نرى في لوقا 13: 1-8، و12: 35-38.
إن أبقينا هذه التعليمات والتعاليم الخاصّة بالعهد في أذهاننا وأفكارنا حين نقرأ الكتاب المُقدس، فإنّها ستساعدنا في فهم معنى كُلّ الكتاب المُقدَّس. سواء أكُنا نقرأ روايات تاريخية، أو شعراً، أو أدبَ حكمة، أو رسائل، أو نصوصاً نبوية، علينا دائماً أن نسأل أسئلةً مثل: كيف يعلِن هذا المقطع إحسان الله تجاه شعبه؟ كيف يعلِن الولاء الذي يطلبه من شعبه؟ ماذا يقول عن الدينونة التي ستأتي على الذين يرفضون أن يكونوا أمناء؟ ما البركات التي تعِد بها للذين يسمعون ويطيعون؟ كل ما يعلّمه الكتاب المُقدس يتعلّق بإحسان الله وفضله ومعونته، وبالمتطلّبات والقوانين التي يتوقّع منا أن نعمل بحسبها في أمانتنا وولائنا له، وبالمكافآت نتيجة طاعتنا أو العقوبات نتيجة العصيان.
يُواجِهُ أتباعُ المسيحِ أسْئِلَةً وخَياراتٍ وقراراتٍ لا حَصْرَ لَها. ففي كُلِّ يومٍ، نَأْخُذُ قراراتٍ تَتَعلَّقُ بِأَنْفُسِنا وعائِلاتِنا، وعَمَلِنا، وعَلاقاتِنا، وكنائِسِنا، وحتّى بشُؤونِنا السِياسيَّة. والحَقيقَةُ هِيَ أنَّ كلامَ المَسيحِ النَبَوِّيِّ لنا يُعالِجُ كلَّ هذه المواضيعِ وأَكثر ويُغَطّي عَهدُ اللهِ كلَّ نَواحِيَ حَياتِنا. وَحِينَ نَفْهَمُ أنَّ المسيحَ أعْطانا كَلِمَتَهُ كَوسيلةٍ لِنَحْيا بِها في الطاعَةِ للهِ ضِمْنَ ذلك العهدِ، فإنَّنا نَكونُ أكثرُ استعداداً لِفهْمِ تِلك الكَلِمَةِ، والعَيشِ بِطُرُقٍ تُكرِمُ اللهَ وتَقودُ إلى نَوالِ بَرَكاتِه.
هذا الفهم لدور المسيح كنبي يساعدنا في تفسير الكتاب المُقدس. وهنا لننظر إلى الطرُق التي يمكن لهذا الفهم أن يساعدنا في الخضوع للكتاب المُقدَّس حتى ننال بركات العهد، بركة الخلاص.
لقراءة هذه السلسة من المقالات ( الجزء الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع، الثامن، التاسع، العاشر، الحادي عشر)
هذه المقالة مُصرح بإعادة نشرها من موقع thirdmill.org