سنتكلّم في هذا المقال عن ثلاث نواحٍ في عمل الأنبياء. أولاً عن سلطانهم. وثانياً، عن مهمتهم. وثالثاً، عن الطرق التي استخدموها لتتميم مهمتهم.

السلطان

كما ذكرنا في بداية هذا الدرس، فإن النبي هو:

 

سفير عهد الله الذي يُعلِن كلمة الله ويطبِّقها، ويسعى بشكلٍ خاصّ للتحذير من الدينونة على الخطية، ويحثّ على خدمة الله وعبادته بأمانةٍ وإخلاص مِمّا يؤدي لاختبار بركاته.

 

صوّر الله في العهد القديم باعتباره الملك العظيم الذي حكم شعبه من خلال العهود. وقد كان أنبياؤه هم سفراء هذه العهود الذين شرحوا ما أعلنه الله لهم في بلاطه السماوي.

في الشرق الأدنى القديم، كان الأباطرة الأقوياء أو الملوك الأسياد يحكمون أمماً أصغر تابعة من بُعدٍ، من عاصمتهم. وكان هؤلاء الأباطرة يفرضون اتفاقية على الدول التابعة، بحيث يُشار في هذه الاتفاقية إلى طبيعة وإطار العلاقة بينهما. عادةً ما يشير الكتاب المُقدّس إلى هذا النوع من الاتفاقيات بكلمة عهد أو ميثاق.

ولتتميم وفرض هذه العهود، كان الملوك الأسياد يُرسِلون سفراء يتكلّمون باسمهم، ويمارسون السلطات المُفوَّضة لهم. كان عمل السفير هو أن يذكِّر الأمم التابعة ببنود الاتفاقية، وأن يحذِّرهم من العواقب التي يمكن أن تأتي عليهم إن لمْ يكونوا أمناء في حفظ بنود الاتفاقية، وأن يشجّع تلك الأمم التابعة على حفظ بنود الاتفاقية لينتفعوا ببركات الاتفاقية.

معرفة تاريخ الشرق الأدنى القديم مهم لأنّ الله كثيراً ما وصف في العهد القديم علاقته بشعبه بصفتها علاقة عهدٍ بين الملك السيد والتابع له. وباعتباره الملك السيد، عيّن الله الأنبياء ليكونوا سفراء مفوّضين يذكِّرون شعبه التابع له ببنود العهد وإطاره.

لأنّ الأنبياء كانوا سفراء الله، وكان ينبغي قبول كلامهم كما لو كان الله نفسه هو الناطق به. كما أوحى الروح القدس لأنبيائه، حتى يُعلِنوا أفكار الله ومقاصده بشكلٍ سليم في استجابتهم لشعب إسرائيل والطريقة التي كانوا يحيون بها. وبهذا، فقد ضمن الله أن يتكلّم كلُّ أنبيائه دائماً بسلطان حين يمثّلونه.

 

لماذا نأخذ كلمات الأنبياء الحقيقيين بجدية؟ لأن الأنبياء الحقيقيين يتكلمون بلسان الله كممثلين له. لذلك، إن لم نأخذ كلماتهم بجدية، نكون غَيْرَ مَخْتُونِينَ بِالْقُلُوبِ وَالآذَانِ، كما يقول الكتاب المقدس. هذا يعني أن قلوبنا لم تتغير بعد. ونحن في الواقع نتمرّد على الله. وهكذا إن كنا نرفض أن نسمع كلمات الأنبياء، فنحن نرفض أن نصغي إلى كلمة الله. وهذا أمر خطير.

د. بيتر تشو

 

المهمة

لفهم مهمة الأنبياء، لننظر مرةً أخرى إلى الاتفاقيات بين الملوك والتابعين في الشرق الأدنى القديم. حين كان الملوك الأسياد يفرضون اتفاقيات على الدول التابعة في الشرق الأدنى القديم، كانَتْ هذه الاتفاقيات توضّح تفاصيل العلاقة بينهم. فكانت هذه المواثيق تذكر: إحسان الملك السيد في الماضي، أي الأمور الجيدة التي عملها الملك السيد للملك التابع؛ والوفاء المطلوب من الملك التابع تجاه الملك السيد، وهذا يشمل القواعد والشروط الكثيرة التي كانت على الملك التابع أن يعمل بحسبها؛ والعواقب التي ستنجم عن إطاعة أو مخالفة بنود الاتفاقية، أي البركات للملك التابع ودولته إن عملوا بحسب بنود الاتفاق والعقوبات أو العواقب إن هم خالفوا تلك البنود.

وتُرى ديناميكيات مشابهة تماماً لهذه في علاقة الله بشعب عهده. كان الأنبياء بمثابة سفراء عهد الله الذين أُوكلت إليهم مهمة تذكير شعب الله بتفاصيل عهده، واستخدام تهديدات الدينونة ووعود البركة لتشجيعهم وحثّهم على إطاعة بنود عهده.

حين كان شعب إسرائيل في وضعٍ سليم أمام الله، كان الأنبياء يذكِّرونهم بعواقب أعمالهم لتشجيعهم على الثبات والمثابرة في البّر. ونرى أمثلةً على هذا في إرميا 7: 5-7، 21: 12، 22: 4-5.

ولكن حين لم يكن شعب إسرائيل في وضعٍ سليم أمام الله بسبب عصيانٍ خطير أو عصيان منذُ مدّةٍ طويلة لبنود العهد، كان الأنبياء يواجهونهم بتهمة التمرُّد والعصيان وعدم الولاء. فكانوا يصفون خطايا شعب إسرائيل، ويذكِّرون الشعب بلعنات العهد ليقودوهم إلى التوبة. نرى أمثلة على هذا في إرميا 8، وعاموس 4: 1-3. وفي كثيرٍ من الأحيان، كان الأنبياء يتكلَّمون عن بركات للأمة إن تابت. نرى هذا النوع من النبوات في يوئيل 2: 12-27، وأماكن أخرى كثيرة.

بعد أن نظرنا إلى سلطان الأنبياء الكتابيين ومهمتهم، نريد أن نشير باختصار إلى الطرق والأساليب التي استخدموها لإنجاز عملهم.

 

الطرق

لا شك أن أكثر طريقة استخدمها الأنبياء لتتميم مهمتهم كانت الكلام. فقد أتمّ الأنبياء عملهم بشكلٍ رئيسي بإعلان كلام الله لشعبه. كانوا يعلِنون إدانة خطية الشعب، ويأمرونهم بالطاعة، ويشجّعونهم على الثبات، ويحذّرونهم من الدينونة ويعرضون عليهم وعود البركات. كانوا يحكون الأمثال، ويُنبئون بالمستقبل، ويصلّون، بل إنّهم تشفّعوا وتضرّعوا لأجل شعب الله. نرى هذا مئاتِ المرات في الكتاب المُقدّس. وعلاوةً على ذلك، فإن أنبياء كثيرين كتبوا كلامهم، وهذا هو سبب وجود أسفار نبوية كثيرة وكتابات أخرى في الكتاب المُقدَّس.

ولكنّ الأنبياء استخدموا أيضاً طرقاً اعتمدت على أعمال خاصة أكثر من اعتمادها على التواصل الكلامي. فمثلاً، أعطى الروح القدس بعض الأنبياء قوةً على عمل آيات ومعجزات نبوية. وقد شهدت هذه الأعمال المعجزية لشرعية الأنبياء كسفراء لله، وأظهرت قصد الله بأن يدعم التحذيرات والبركات التي كان الأنبياء يعلِنونها.

وكمثالٍ على هذا، أعلن النبي موسى إرادة الله لشعب إسرائيل وللمصريين، وكان كلامه مصحوباً بمعجزاتٍ وآيات لا حصر لها، مثل الضربات العشر على مصر، وشق البحر الأحمر، ومعجزات أخرى كثيرة مُدوّنة في أسفار الخروج واللاويين والعدد. شهدت أعمال الروح القدس هذه على أن موسى كان نبياً حقيقياً، ونبّهت المصريين وبني إسرائيل إلى ضرورة إطاعته.

وشملت خدمتا إيليا وأليشع أحداثاً معجزية كثيرة، كما نرى في 1 ملوك 17 إلى 2 ملوك 13. والنبي صموئيل عمل معجزاتٍ أيضاً، مثل إنزال الرعد والمطر في 1 صموئيل 12. وأعطى نبيٌّ لا يُذكَر اسمه في 1 ملوك 13 علامة معجزية هي تصلُّب يد الملك يربعام.

كما استخدم الأنبياء طرقاً أخرى في نقل رسائلهم وتأكيدها. فقد قاموا بأعمالٍ رمزية، وقدّموا ذبائح، وحاربوا آلهةً مُزيَّفة وانخرطوا في نشاطات أخرى حثت شعب الله على إطاعة بنود العهد.

النظر إلى الأنبياء باعتبارهم مبعوثي عهد الله يساعدنا على أن نفهم أن تهديدات الكتاب المُقدّس باللعنات ووعوده بالبركات كُلُّها مبنية على علاقة العهد بين الله وشعبه. لا يتّصف الله بالنزوية في تعامله مع شعبه، ولا يعمل بطرقٍ لا يمكن التنبُّؤ بها على الإطلاق. ولكنّه بدلاً من ذلك يسعى لفرض بنود عهده، وهذه البنود ليست سرّاً. فقد أعطانا بنعمته ناموسه، وأرسل سفراءه ليُرونا كيف نطبّقه على ظروفنا المتغيّرة. يسهّل الله على شعبه معرفة ما يطلبه لأنه يريدنا أن نسلك أمامه بالأمانة، وأن نختبر بركاته، وأن ننجز أهدافه التي وضعها وحدّدها لملكوته.

نظرنا حتّى الآن إلى شروط وأعمال وظيفة النبي، لننتقل الآن إلى التوقّعات التي خلقها العهد القديم بشأن الخدمات النبوية.

 

لقراءة هذه السلسة من المقالات ( الجزء الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع، الثامن، التاسع، العاشر، الحادي عشر)

 

هذه المقالة مُصرح بإعادة نشرها من موقع thirdmill.org