يمكن الاطّلاع على إحدى الطّرق المناسبة لمعالجة موضوع التطبيق المعاصر لعمل المسيح النبوي من وجهة نظر بيان وستمنستر للتعليم الديني، الجواب رقم 43، والذي نصّه:

يقوم المسيح بوظيفة النبي، في إعلانه للكنيسة، في كلِّ العصور، بروحه وبكلمته، وبطرق مختلفة، إرادة الله الكاملة بشأن كلِّ شيءٍ يتعلّق ببنيانها وخلاصها.

 

في هذا الجواب، يلخِّص كتاب التعليم الديني عمل المسيح النبوي بكونه إعلانه للكنيسة. وهو يذكر ناحيتَين في عمل المسيح الإعلاني. أولاً، يتكلّم عن مدى إعلان المسيح، إذ يقول في كل العصور، بروحه وبكلمته، وبطرقٍ مختلفة. وثانياً، يشير إلى محتوى إعلان المسيح النبوي، حيث يقول: إرادة الله الكاملة بشأن كلّ شيءٍ يتعلَّق ببنيانها وخلاصها.

لكون المُلخَّص الذي يقدّمه "بيان وستمنستر للتعليم الديني" مفيداً جداً، فإنّنا سنستخدمه كنموذج لتطبيقنا المعاصر والحالي لعمل يسوع النبوي. أولاً، سننظر في مدى الإعلان النبوي الذي يعطيه يسوع المسيح، وفي تطبيقه وتأثيراته في حياتنا. ثانياً، سنركّز على محتوى الإعلان النبوي الذي نتلقّاه من المسيح، والالتزامات التي يضعها علينا. لنبدأ أولاً في مدى الإعلان الذي نتلقّاه من نبيّنا المسيح.

 

مدى الإعلان

قول "بيان وستمنستر للتعليم الديني" بأن المسيح يُعطي إعلاناً لكنيسته في كل العصور بروحه وكلمته وبطرق مختلفة، يؤكّد الحقّ الكتابي بأن يسوع المسيح هو الذي يتكلّم إلينا من خلال كلِّ الأسفار المُقدّسة والنبوات الحقيقية.

تكلّم يسوع بأقوال نبوية كثيرة، ولكنه أيضاً أرسل روحه القدوس ليوحي لأنبياء حقيقيين قبله وبعده، أنبياء أنجزوا خدماتهم بطرقٍ مختلفة. وأهم أمر نستنتجه من هذه العملية هو أن كامل الكتاب المُقدّس بعهديه القديم والجديد، هو كلمة المسيح النبوية لكنيسته.

قد يبدو غريباً التفكير بأن كامل الكتاب المُقدس هو كلمة المسيح. فيسوع المسيح لم يكتب أي كتاب في الكتاب المُقدس، وحتى الأناجيل تحتوي على موادّ كثيرة بالإضافة إلى النصوص التي تُورِد كلامه المباشر. ولكنّ هذا كان ولا يزال تعليم الكنيسة الثابت عبر تاريخها.

فمثلاً، كتب أوريجانوس، وهو من آباء الكنيسة الأولى، عن عمل المسيح النبوي في الوحي بالأسفار المُقدّسة قال في تمهيد كتابه "حول المبادئ الأولى"، في بداية القرن الميلادي الثالث:

لا نقصد بكلام المسيح الكلام الذي قاله حين تجسّد فقط ... لأنه قبل ذلك كان المسيح، كلمةُ الله، في موسى والأنبياء ... كما أنه بعدَ صعوده إلى السماء تكلّم في رسله.

ما تقوله كلمات أوريجانوس، ويتم التأكيد عليه طول فترة تاريخ الكنيسة، هو أن الكتاب المُقدّس بكلِّ أجزائه، هو كلمة المسيح النبوية. وهذه الفكرة كتابية تماماً.

فالكتاب المُقدس يعلِّم أن خدمة يسوع المسيح النبوية سبقت في الحقيقة تجسُّده وخدمته الأرضية، لأنّه هو مَن أوحى لأنبياء العهد القديم. استمع إلى ما يقوله الرسول بطرس في 1 بطرس 1: 10-11:

الْخَلاَصَ الَّذِي فَتَّشَ وَبَحَثَ عَنْهُ أَنْبِيَاءُ، الَّذِينَ تَنَبَّأُوا عَنِ النِّعْمَةِ الَّتِي لأَجْلِكُمْ، بَاحِثِينَ أَيُّ وَقْتٍ أَوْ مَا الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ يَدُلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الْمَسِيحِ الَّذِي فِيهِمْ، إِذْ سَبَقَ فَشَهِدَ بِالآلاَمِ الَّتِي لِلْمَسِيحِ وَالأَمْجَادِ الَّتِي بَعْدَهَا. (1 بطرس 1: 10-11)

 

علّم بطرس أن المسيح كان قد أرسل الروح القدس ليوحي لأنبياء العهد القديم ويقودهم بينما كانوا يدرسون ويسألون أنفسهم عن تحقيق وعود الله بالفداء. بهذا المعنى، يكون العهد القديم بكامله كلمة المسيح.

وكما أن خدمة يسوع النبوية بدأت قبل خدمته الأرضية، فقد استمرّت أيضاً حتّى بعد صعوده إلى السماء، لأن يسوع أرسل روحه ليوحي للرسُل وكُتّاب العهد الجديد الآخرين في عملهم. قال الرّبّ يسوع في يوحنا 16: 13-15:

وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ رُوحُ الْحَقِّ فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ... كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي. لِهَذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. (يوحنا 16: 13-15)

 

من المهم أن ندرك أن كامل الكتاب المُقدّس هو كلمة المسيح لنا، لأنّها تؤكّد على أنّ كلّ سفرٍ في الكتاب المُقدس هو صحيح وذو سلطة وتأثير على حياة الكنيسة المعاصرة. قبول المسيح بصفته نبيّنا هو قبول لكل كلامه لنا باعتباره إعلانات ملكوت الله وعهده، الموجودة في العهدين القديم والجديد. لا يمكن أن نكتفي باتّباع كلام يسوع المنصوص عليه في الأناجيل فحسب، أو حتى في كل العهد الجديد، إذ علينا أن نقرأ ونفهم ونطيع كل ما في الكتاب المُقدَّس، لأنه كلّه كلمة المسيح لنا.

طبعاً علينا عمل هذا بطُرُقٍ تأخذ بعين الاعتبار التغيُّرات التاريخية المهمة. فمثلاً، الإعلانات اللاحقة، مثل العهد الجديد، كثيراً ما ترينا كيف يمكننا أن نفهم ونطبّق إعلاناتٍ سابقة، مثل العهد القديم. ولكن المبدأ الأساسي يبقى كما هو بلا تغيير: كامل الكتاب المُقدس هو كلمة المسيح لكنيسته في كل العصور والأزمان.

 

حين يتعلّق الأمر بالكتاب المقدّس، أظنّ أنّنا جميعنا لنا مقاطعنا المفضّلة، لنا أجزاء من الكتاب المقدس نفضّلها على غيرها، وعدد كبير من الناس محقٌّ في ميله أولا نحو الأناجيل وكلام يسوع.  لكن على الرغم من ذلك تبقى القضية، كما يؤكّد الكتاب المقدس، وكذلك المسيحيّون الأوّلون ومسيحيّو العصور الأولى أن الكتاب المقدس هو موحىً به من الله، ونافعٌ للتعليم ولتقويم حياتنا الخاطئة، ليرشدنا إلى طريق البرّ، لنسير على الطريق المستقيم، ونحيا حياةً باذلة، مضحّية. فعلى الرغم من كونه يُسمح لنا بأن نفضّل أو نميل إلى أسفار وأقوال معيّنة، فإنّ شهادة الكتاب المقدّس ككلّ هي مهمّة، لأنّنا شعبٌ واحد، وكلمة الله تقربنا من بعضنا البعض إذ تغدو هي المحور الأساسي.

 د. جيمز سمِث

 

أن نفهم جيّداً شخصيّة يسوع كنبيّنا، ذاك الذي تمّم كلّ الإعلان النبوي، الذي به تحقّقت كلّ وعود الله، يعني أن ندرك أنّ إعلان العهد القديم هو كلامه أيضاً. إنّ رسالة الأناجيل هي كلامه المباشر، ويضاف إليها دعوته لتلاميذه -هم كمرسلين له، كما لو أنّهم بروحٍ واحدة ينقلون إلينا كلامه الموحى به ويعلّموننا من هو وماذا صنع، إذاً سواء أكان العهد القديم، أم الأناجيل، أم الرسائل، فالكتاب المقدّس بكامله لنا، لتعليمنا. هو كلام الله لنا الذي ينبغي أن نسلك فيه بالتمام وأن نقرأه اليوم على ضوء مجيء يسوع المسيح وكلّ ما صنعه من أجلنا.

 د. ستيفين وِلَم

 

بهذا الفهم لمدى إعلان المسيح النبوي، لننتقل الآن إلى محتوى الإعلان النبوي الذي نتلقاه من المسيح، والالتزامات التي يفرضها هذا الإعلان على حياتنا.

 

لقراءة هذه السلسة من المقالات ( الجزء الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع، الثامن، التاسع، العاشر، الحادي عشر)

هذه المقالة مُصرح بإعادة نشرها من موقع thirdmill.org