
طبيعة المسيح >
شروط دعوة النبي (ج2)
خدمة الألفية الثالثة
9/25/20 - ٥ دقيقة قراءة
الدعوة من الله
دعا الله في العهد القديم كثيرين ليخدموه كأنبياء له. لم تكُن تلك الدعوة مُجرّد دعوةٍ كما إلى حفلٍ أو عشاء، ولكنّها كانت حثّاً وأمراً إلهيين. فالله، الملك الإلهي، أمر أحد مواطنيه بأن يعمل سفيراً ومبعوثاً له. نرى هذا الأمر الإلهي في كلِّ مرةٍ يدوّن فيها العهد القديم دعوة نبي. فمثلاً، انظر إلى دعوة النبي حِزْقِيال، المدوّنة في حِزْقِيال 2: 1-2:
فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ آدَمَ، قُمْ عَلَى قَدَمَيْكَ فَأَتَكَلَّمَ مَعَكَ. فَدَخَلَ فِيَّ رُوحٌ لَمَّا تَكَلَّمَ مَعِي، وَأَقَامَنِي عَلَى قَدَمَيَّ فَسَمِعْتُ الْمُتَكَلِّمَ مَعِي. (حِزْقِيال 2: 1-2)
نرى هنا أنه حين أمر الله حِزقيال بأن يقف، وسمع حِزقيال هذا الأمر، أرسل الله روحه ليضمن امتثال حِزقيال للأمر. كان الله يمارس حقه بالاختيار النابع من سلطته بصفته الملك السماوي لشعبه كلما قام بدعوة شخص للخدمة النبوية.
كثيراً ما وجّه الله الدعوة للخدمة النبوية للنبي مباشرة، وغالباً ما كانت هذه الدعوة بصوتٍ مسموع. فدعا الله صموئيل بشكلٍ مباشر في 1 صموئيل 3، ودعا إشَعياء في إشَعْياء 6، ودعا عاموس في عاموس 7، وإرميا في إِرْمِيَا 1.
ولكن في أماكن أخرى، نرى الله يدعو الأنبياء بشكلٍ غير مباشر، وذلك بأن يخبر نبيّ نبيّا آخر بهذه الدعوة. فمثلاً، في 1 ملوك الأول 19: 16، أمر الله النبي إيليا بأن يكلّف أليشع ليكون خليفته. تلقي هذه الدعوة المُفوَّضة ضوءاً على "مدرسة الأنبياء" أو "بني الأنبياء"، ويرد ذكرها في مقاطع مثل 1 ملوك 20، و2 ملوك 2، وهي مجموعاتٌ من الأنبياء كانت تتمحور حول نبي دعوته الإلهية أكيدة وواضحة. ولكن سواء أكانت الدعوة تأتي للنبي مباشرةً من الله أم من خلال خادمٍ لله مُفوَّض، فإن دعوة النبي في جوهرها تأتي بمبادرة من الرّبّ. فمن دون دعوة الله فوق الطبيعية، لا يمكن لأحد أن يصير نبياً، بغض النظر عن نيّاته ومقاصده الصالحة، وتكريسه لله، أو معرفته بكلمة الله.
بالإضافة لكون أنبياء العهد القديم مدعوّين من الله، فقد كان يجب أن ينالوا كلمة من الله لينطقوا بها.
نيل كلمة من الله
أوحى الروح القدس للأنبياء بأن يتكلّموا بكل ما يأمرهم به الله. كان الأنبياء الحقيقيون يطيعون الله حين كانوا يتنبأون. ولكن حين نقارن الطرق التي تكلَّم بها الأنبياء المختلفون، نرى أن الوحي الإلهي لم يكن يعني أن كلامهم كان خارجاً عن سيطرتهم. بل على العكس، كان الروح القدس يستخدم شخصيات ووجهات نظر الأنبياء حين كان يقدّم رسالته النبوية المعصومة من الخطأ من خلالهم. ومن هذه الناحية، كان وحي النبوة مطابقاً لوحي كل الأسفار المُقدَّسة. استمع إلى الطريقة التي تكلّم بها بطرس عن وحي الروح القدس للأنبياء في 2 بطرس 1: 20-21:
أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. (2 بطرس 1: 20-21)
كما نرى هنا، فإن الروح القدس أشرف عن قربٍ على كلمات الأنبياء الحقيقيين في العهد القديم. وقد ضمِن هذا أن تكون أقوالهم ذات سلطة ومعصومة من الخطأ.
عمل الروح القدس من خلال شخصية النبي المحدّد الذي اختاره ومن خلال وجهة نظره. وأعتقد أن الإطار التقليدي لفهم ذلك لاهوتياً هو "الوحي الطبيعي"، أي أن الله كان يعمل من خلال خدّامه، وأنبيائه، ويستخدم شخصياتهم، ووجهات نظرهم الخاصة، ويستخدم كونهم مثقفين أو أميين من أجل أهدافه. وهذا يجعلنا نفكر بعقيدة التقديس ونفهم كيف أن الله يأخذ البشر، والأشياء الأرضية، والمادية، ويقدّسها من أجل أهدافه ليستخدمها من أجل قصده الخاص. ويفعل ذلك بالأنبياء أيضاً. لكن رغم ما ذكرت، فأحيانا نجد في الأدب النبوي كيف يملي الله كلامه على الأنبياء، مثل: عليك أن تذهب وتقول للشعب، ويذهب إشَعياء وإِرْمِيَا وحِزْقِيَال، وينطقون بما أمرهم الرب. من هنا توجد نقاط في الأدب النبوي حيث يملي الله كلامه على الأنبياء، لكن في الوقت نفسه، يستخدم الله هويتهم، ولا يهيمن على شخصياتهم في إنتاجه عمله النبوي لإسرائيل، إسرائيل القديمة، والكنيسة. د. مارك غينيليت
الصفة أو الشرط الثالث لأنبياء العهد القديم هو وفاؤهم للرب، وهو ما يُرى في انسجام نبوّاتِهم مع شريعته.
الوفاء لله
مع أن كلامَ الأنبياء لم يُملَ عليهم إملاءً من الله، فإن الروح القدس لم يعطِهم حريةً مُطلقة ليقولوا ما شاءوا مهما كان. فلم يكن عليهم أن يُوصِلوا ما أمرهم الله بقوله فحسب، ولكنْ كان عليهم أيضاً أن يتأكّدوا من كون نبوّاتهم تتّفق مع إعلان الله الموجود أصلاً، خاصّةً المُدوَّن في الكتاب المُقدس. استمع إلى ما يقوله النبي موسى في تثنية 13: 1-4:
إِذَا قَامَ... نَبِيٌّ... وَأَعْطَاكَ آيَةً أَوْ أُعْجُوبَةً وَلوْ حَدَثَتِ الآيَةُ أَوِ الأُعْجُوبَةُ التِي كَلمَكَ عَنْهَا قَائِلاً: لِنَذْهَبْ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى... وَنَعْبُدْهَا فَلا تَسْمَعْ لِكَلامِ ذَلِكَ النَّبِيِّ أَوِ الحَالِمِ... لأَنَّ... وَرَاءَ الرَّبِّ إِلهِكُمْ تَسِيرُونَ وَإِيَّاهُ تَتَّقُونَ وَوَصَايَاهُ تَحْفَظُونَ وَصَوْتَهُ تَسْمَعُونَ وَإِيَّاهُ تَعْبُدُونَ وَبِهِ تَلتَصِقُونَ. (تثنية 13: 1-4)
علّم موسى أمراً بالغَ الأهمية هنا: حتّى لو كان النبي يستطيع أن يعمل معجزات ويُنبئ بالمستقبل، ينبغي رفضه إن تعارض ما يعلّمه مع وصايا الله وأوامره.
نرى هذا التشديد أيضاً في مراثي إرميا 2: 13-14، حيث عبّر إرميا عن حزنه لتضليل الأنبياء الكذبة في إسرائيل الشعبَ. قال إرميا إن هؤلاء الأنبياء لم يُعلِنوا الإثم، أي أنّهم أبدوا موافقةً لمخالفة الشعب لشريعة الله. وبدلاً من محاسبة الشعب وحثّه على إطاعة عهد الله وحفظه، شجّعوا العصيان. وبهذه الطريقة أظهروا أنّهم كانوا أنبياء كذبة.
وأخيراً، الشرط الرابع لأنبياء العهد القديم هو تأكيد صحة وصدق نبوّاتهم من خلال تحقيقها. أي أنه ينبغي أن تُرى تنبؤاتهم بشأن المُستقبل تتحقّق ويكون ثمة شهود على إتمامها.
لقراءة هذه السلسة من المقالات ( الجزء الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع، الثامن، التاسع، العاشر، الحادي عشر)
هذه المقالة مُصرح بإعادة نشرها من موقع thirdmill.org