
طبيعة المسيح >
المسيح المرسل من الرب (ج8)
خدمة الألفية الثالثة
10/14/20 - ٥ دقيقة قراءة
قلنا في جزءٍ سابق من هذه السلسة إنّه في نهايات فترة العهد القديم كانت هناك ثلاثة توقُّعات على الأقل بشأن الأنبياء في المراحل الأخيرة لملكوت الله:
سيكون هناك المنادي المرسل من الرب،
وسيكون هناك النبي الأخير الذي مثل موسى،
وسيكون هناك استرداد لخدمة النبوة.
وكما سنرى، فقد تحقّقت هذه التوقُّعات في شخص يسوع المسيح وخدمته. ولننظر إلى كلِّ واحدٍ من هذه التوقُّعات في يسوع، بدءاً من انتظار المنادي المُرسَل من الرب.
المنادي المرسل من الرب
أُنبئ عن المنادي المُرسَل من الرب في إشعياء 40: 3-5، حيث نقرأ هذه الكلمات:
صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: "أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ. قَوِّمُوا فِي الْقَفْرِ سَبِيلاً لإِلَهِنَا. كُلُّ وَطَاءٍ يَرْتَفِعُ وَكُلُّ جَبَلٍ وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ وَيَصِيرُ الْمُعَوَّجُ مُسْتَقِيماً وَالْعَرَاقِيبُ سَهْلاً. فَيُعْلَنُ مَجْدُ الرَّبِّ وَيَرَاهُ كُلُّ بَشَرٍ جَمِيعاً لأَنَّ فَمَ الرَّبِّ تَكَلَّمَ". (إشعياء 40: 3-5)
النّبي الخاصّ الذي تمّ الإنباء به وعنه هُنا كان متوقّعاً منه أن يُعلِن مجيء الرب، الذي سيهزم كل أعدائه ويستردّ المُلك الداودي.
وفي الحقيقة، كان يسوع نفسه الربَّ الذي أتى ليهزم أعداءه، والملك الوارث لعرش داود. كان الله يتمّم من خلال يسوع كل النبوات المُتعلِّقة بالأيام الأخيرة وملكوت الله. ولكن مَن كان المنادي أمامه؟ وكيف تحقّقت النبوة المتعلقة بالمنادي أمام الرب في يسوع؟ كان المنادي أمام يسوع، المُمهّد الطريق أمامَه، هو يوحنا المعمدان، الذي أعلَن مجيء يسوع. استمع إلى كلمات يوحنا المعمدان في إنجيل الرسول يوحنا 1: 23:
أَنَا صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: قَوِّمُوا طَرِيقَ الرَّبِّ كَمَا قَالَ إِشَعْيَاءُ النَّبِيُّ. (يوحنا 1: 23)
عُيِّن يوحنا المعمدان ليعلن وصول الرب الذي سيأتي كمحاربٍ يهزم أعداءه ويبارك شعبه. والشخص الذي أعلن يوحنا المعمدان مجيئه ونادى به هو يسوع. استمع إلى الرواية التالية الواردة في إنجيل يوحنا 1: 32-34:
وَشَهِدَ يُوحَنَّا: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ [يسوع] لَكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لِأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلاً وَمُسْتَقِرّاً عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ اللَّهِ. (يوحنا 1: 32-34)
أنجز يوحنا المعمدان مهمته النبوية بإعلانه أن يسوع هو ابن الله الذي أتى ليثبّت ملكوت الله بهزيمة أعداء الله وردّ العرش إلى بيت داود.
التوقُّع الثاني في العهد القديم بشأن الخدمة النبوية في المستقبل، والتي تمّ في يسوع، كان توقُّع مجيء النبي الأخير الذي مثل موسى.
نبي مثل موسى
كلّم موسى شعب إسرائيل بهذه الكلمات في تثنية 18: 15:
يُقِيمُ لكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيّاً مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لهُ تَسْمَعُونَ. (تثنية 18: 15)
وفي أعمال 3: 22-23، علّم بطرس بوضوح أن يسوع هو النبي الذي مثل موسى، الذي كان العهد القديم يُنبئ به ويتوقّع قدومه.
عمل يسوع معجزاتٍ بدرجةٍ لم تُرَ منذُ أيّام موسى. وقد تنبّأ بمعرفة أعظم مِمّا كان لأي شخصٍ منذُ موسى. وكان يعرف الله وجهاً لوجه مثل موسى. وقد ضمن يسوع أن كُلَّ من يستجيبون لتعليمه النبوي يُحسَبون حافظين لعهده بشكلٍ كامل، وبالتالي يرثون كل بركات ملكوت عهد الله. ونقرأ في عبرانيين 3: 5-6:
وَمُوسَى كَانَ أَمِيناً فِي كُلِّ بَيْتِهِ كَخَادِمٍ، شَهَادَةً لِلْعَتِيدِ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِهِ. وَأَمَّا الْمَسِيحُ فَكَابْنٍ عَلَى بَيْتِهِ. وَبَيْتُهُ نَحْنُ إِنْ تَمَسَّكْنَا بِثِقَةِ الرَّجَاءِ وَافْتِخَارِهِ ثَابِتَةً إِلَى النِّهَايَةِ. (عبرانيين 3: 5-6)
في الحقيقة، يعلِّم العهد الجديد أن يسوع لم يكن أعظم نبي منذُ زمن موسى فحسب، ولكنه كان أعظم نبي على الإطلاق. تعلّم رسالة العبرانيين 1: 1-2 بأن عمل الله قبل يسوع كان يتمّ من خلال أنبيائه عبر فترةٍ طويلة من الزمن، وبأساليب وطرق مختلفة. ولكن في الأيام الأخيرة، أيام ردّ ملكوت الله، أعطانا الله إعلاناً أعظم من خلال ابنه، أعظم الأنبياء كلِّهم. وكما رأينا في يوحنا 1: 18، 14: 9، فقد كان يسوع أكمل إعلان وأوضح إعلان عن طبيعة الآب وإرادته وخلاصه. وفي الحقيقة، بحسب إنجيل يوحنا 1: 14، يسوع المسيح هو كلمة الله المتجسّد.
إنّ تفوّق إعلان يسوع على إعلان سائر الأنبياء الذين أتوا قبله يكمن في حقيقة أنّ يسوع لم يعلن كلام الله فحسب بل هو كلمة الله الذي صار بشرا. هو يجسّد كلمة الله. إنّ كلّ الأنبياء الذين سبقوه، مهما بلغت خدمتهم من الأهمية، لم يكونوا سوى ناطقين بكلام الله. وحين جاء يسوع، من المؤكّد أنّه كان الناطق بكلام الله، بشّر بملكوت الله؛ وعظ عن التوبة، وعن وصايا الله، لكنّه فعل ذلك كما لو كان بتجسّده جسّد أيضاً هويّة الله.
د. روبرت لِستر
فحين أتى يسوع كنبي، وقد أتى كنبي وكاهن وملك، محقّقاً كلّ تلك الأدوار في إسرائيل، تمّم بذلك كلّ وظائف المسيح. وكنبيّ، هو الذي تنبّأ عنه موسى نفسه، بأنّه سيأتي نبيٌّ مثلي. وسيعمل حينئذٍ على ختم كلّ النبوات الأخرى. لأنّ السبب وراء كون الله قد كلّمنا أخيراً بابنه، هو أنّه لم يكن أيٌّ من سائر الأنبياء ابن الله، ولم يتمكّن أيّ منهم من استيعاب الإعلان الإلهي الكامل. ولكن يأتي الآن هذا الذي هو حقّاً إعلان الله. يأتي الذي يعرف الله لأنّه ابن الله. يعرف المخطّط الإلهي بكامله. يدرك قدسية الله. هو يعرف بالتحديد ما هو مطلوبٌ أن ينجز وفق رضى الله. فهو يحمل في نفسه كلّ ما يهم الله، ويعرف كلّ ما يرغب به الله لأنّه هو ابن الله. ومن خلال لطف إعلان المسيح في شخصه، ومن ثمّ في أقواله، كنبينا، يظهر لنا أنّه ما من سؤال آخر نحتاج أن نسأله لم يعلنه المسيح نفسه، فهو حكيم كفاية لكي يدرك ما ينبغي أن يعلنه وما ينبغي أن يتكتّم عنه. وهو لديه المعرفة الكاملة الكافية ليهبنا الحقيقة المطلقة ويكون لنا المثال الكامل في كلّ ما صنع. إنّه النبي المثالي.
د. توماس نِتِلز
لا نبالغ إن شدّدنا على كون أنّ يسوع هو تتميم الوظيفة النبوية. فهو أوضح وأثبت إعلان لإرادة الله ومقاصده، الإعلان الذي يكشف متطلّبات الله لاسترداد ملكوته ووعوده بتتميم هذا العمل.
الطريقة الثالثة التي نرى من خلالها توقُّعات العهد القديم بشأن الخدمة النبوية تتحقَّق في يسوع تتعلق باسترداد الخدمة النبويّة.
استرداد خدمة النبوة
وكما رأينا، فقد أنبأ العهد القديم بيومٍ سيزول فيه الأنبياء الكذبة وينتشر فيها الأنبياء الحقيقيون بكثرة وسط شعب الله. ومن خلال يسوع، بدأ هذا الوعد يتحقّق. فيما يتعلّق بتكثير الأنبياء الحقيقيين، بدأ هذا حين عيّن يسوع رسله الكثيرين للكرازة بالكلمة بقوة وسلطان في كلّ العالم. كما استمرّ هذا في يوم الخمسين حين سكب الله روحه على الكنيسة، فبدأ الجميع يتنبؤون بألسنة.
استمع إلى وصف هذا الحدث في أعمال 2: 4، متبوعاً بشرح بطرس في أعمال 2: 14-18:
وَامْتَلأَ الْجَمِيعُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَابْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ الرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا... فَوَقَفَ بُطْرُسُ ... وَرَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ لَهُمْ: أَيُّهَا الرِّجَالُ الْيَهُودُ وَالسَّاكِنُونَ فِي أُورُشَلِيمَ أَجْمَعُونَ لِيَكُنْ هَذَا مَعْلُوماً عِنْدَكُمْ ... هَذَا مَا قِيلَ بِيُوئِيلَ النَّبِيِّ. يَقُولُ اللهُ: وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤىً وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَماً. وَعَلَى عَبِيدِي أَيْضاً وَإِمَائِي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ. (أعمال الرسل 2: 4، 14-18)
أرسل الرّبّ يسوع روحه للكنيسة الأولى ليقوّيها للقيام بالخدمة النبويّة. مع أن الكنائس في أيامنا كثيراً ما تتجادل بشأن استمرارية الخدمة النبويّة، فإنه لا يمكن لأحدٍ أن يشك بأنها كانت خدمة قوية ومنتشرة بقوة، فاستخدمها يسوع في تأسيس كنيسته في الأيام الأولى من الملكوت.
ولكنْ ماذا بشأن النبوات الكاذبة؟ كيف تمّ إنباء العهد القديم بانتهاء النبوات الكاذبة في يسوع؟ فمقاطع كثيرة في العهد الجديد أشارت إلى أنَّ النبوات الكاذبة كانت مشكلة استمرّت في الكنيسة. ونرى هذا في متّى 7: 15، و24: 11 و24، و2 بطرس 2: 1، و1 يوحنا 4: 1، وعددٍ من المقاطع الأخرى.
الجواب عن هذه المسألة ذو شقّين. فمن ناحية، مع تكاثر عدد الأنبياء الحقيقيين تراجعت النبوات الكاذبة، فقد كان عليهم اكتشاف النبوات الكاذبة وإدانتها. استمع إلى تعليم الرسول بولس حول هذا الموضوع في 1 كورنثوس 14: 29:
أَمَّا الأَنْبِيَاءُ فَلْيَتَكَلَّمِ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ وَلْيَحْكُمِ الآخَرُونَ. (1 كورنثوس 14: 29)
أوضح الرسول بولس هنا أن أحد أعمال الأنبياء الحقيقيين في الكنيسة هو كشف النبوات الكاذبة واقتلاعها.
ومن ناحيةٍ أخرى، واضح أن النبوات الكاذبة والمُزيَّفة هي مشكلة مستمرّة. ولكنّ يسوع في النهاية سيُبطِل كلَّ الأنبياء الكذبة وكلامهم. وحين يعود ليدين العالم ويتمّم ملكوته ويوصِله إلى كماله، فإنّه سيُهلِك كل الأنبياء الكذبة بشكلٍ نهائي ودون إمكانية لعودتهم. وحتّى ذلك الوقت، فإننا نحيا مع حالةٍ من الكفاح ناتجة عن معرفة أن يسوع بدأ ملكوته وبدأ في كبح لجام النبوات الكاذبة، ورويدا رويدا سينزل الدينونة على الخدمة النبوية الكاذبة والمُزيَّفة لإبطالها في النهاية إلى الأبد.
يَسوعُ مُؤَهَّلٌ بِشَكلٍ كامِلٍ لِوَظيفةِ النُبوَّةِ، وقَدْ أَنْجَزَ أعمالَ النَّبِيِّ بِكُلِّ أمانَةٍ وَصِدْقٍ، كَما تَمَّمَ تَوَقُّعاتِ العَهْدِ القديمِ بِما يَتَعَلَّقُ بِوَظيفَةِ النَبِيّ. وهذا خَبَرٌ سارٌ. في العِهْدَ القديمِ وَعَدَ اللهُ بأنَّهُ يَوْماً سَيَقومُ نبيٌّ مِثلُ موسى لِيَقودَ شَعْبَهُ إلى الأمانَةِ والإخْلاصِ لِلْعَهْد. والآنَ، يَتِمُّ هذا الوَعدُ في يسوعَ المسيح. ولِهذا، فإنَّنا نَنْظُرُ إلى يَسوعَ ونُكرِمُهُ بِصِفَتِهِ أعظمَ نبيٍّ في كلِّ الأزْمانِ، ونُصْغي إلى كلامِهِ وَنُؤْمِنُ بِهِ، ونَخْضَعُ لِتَعاليمِهِ ونُطيعُها. ونحنُ نَعْمَلُ هذا لِثِقَتِنا بِأنَّ كَلِمَتَهُ النَّبَوِيَّةَ صادِقَةٌ، وأنَّها سَتَقودُ إلى التَمَتُّعِ الأبَدِيِّ بِبَرَكاتِ عَهْدِ الله.
بعد أن نظرنا إلى خلفية العهد القديم للخدمة النبوية وتتميم العهد الجديد لها، صرنا الآن مستعدّين لموضوعنا الثالث: التطبيق المعاصر لعمل يسوع المسيح النبوي.
لقراءة هذه السلسة من المقالات ( الجزء الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع، الثامن، التاسع، العاشر، الحادي عشر)
هذه المقالة مُصرح بإعادة نشرها من موقع thirdmill.org