.jpeg?alt=media)
طبيعة المسيح >
تأكيد صدق النبوات (ج3)
خدمة الألفية الثالثة
9/26/20 - ٥ دقيقة قراءة
تأكيد صدق النبوات في تحقيقها
استمع إلى كلمات موسى في تثنية 18: 22:
فَمَا تَكَلمَ بِهِ النَّبِيُّ بِاسْمِ الرَّبِّ وَلمْ يَحْدُثْ وَلمْ يَصِرْ فَهُوَ الكَلامُ الذِي لمْ يَتَكَلمْ بِهِ الرَّبُّ بَل بِطُغْيَانٍ تَكَلمَ بِهِ النَّبِيُّ فَلا تَخَفْ مِنْهُ. (تثنية 18: 22)
يمكن الاعتماد على كلام كل أنبياء الله، لأنهم نقلوا بدقّة كلام الله. إن طبيعته تعالى ووعود عهده تستحق الثقة التامّة بها. النبوات التي مصدرها الله تتحقّق لأن الله يملك القوة والحقّ لجعلها تتحقّق بالطريقة التي يريد، ولأنه ملتزمٌ بأن يحفظ كلامه.
في بعض الأحيان، كان يتم التأكيد على صحّة النبوّات بتحقُّقها السريع نسبياً. فمثلاً، في 1 ملوك 17: 1، أعلن النبي إيليا أنه لن يكون مطرٌ أو طلٌّ إلى أن يقول بغير ذلك. ونعرف من 1 ملوك 18 أن الجفاف استمرّ ثلاثَ سنين إلى أن أنهاه الرب بإنزال المطر. وفي 2 ملوك 7: 17-20 نرى تحقيقاً فورياً لنبوة أليشع عن موت جندي الملك.
لكن في مراتٍ أخرى، لم تكُن النبوّات تتحقّق بالسرعة نفسها. فمثلاً، أنبأ نبي حقيقي حوالي العام 930 ق. م. بولادة يوشيا، الذي سيكون وارثاً أميناً لبيت داود. هذه النبوّة مُدوَّنة في 1 ملوك 13: 2. ولكن الطفل الذي أُنبئ بولادته لم يُولَد إلا حوالي عام 630 ق. م.، أي بعد 300 سنة تقريباً من النبوة، ونقرأ عن ذلك في 2 ملوك 22: 1. والنبوّات التي قيلت عن ولادة يسوع المسيح تحقّقت بعد فترةٍ أطول بكثير أيضاً.
ويلزمنا هنا أن نتوقّف لنذكر أنّه في بعض الأحيان حتى كلمات الأنبياء الحقيقيين لم تتحقّق بالدقّة التي كتبوا بها. ولكنْ كيف يمكن لهذا الأمر أن يحدث في ضوء تعليم موسى؟ للإجابة عن هذا السؤال، من المهم أن ندرِك أنّنا حين نقرأ نبوّات العهد القديم يتكوّن لدينا انطباع خاطئ بشأن ما تُنبئ به. فمع أنّ كثيرين يظنّون أن الأنبياء أنبأوا بالمستقبل بيقين مُطلَق، فالحقيقة هي أن هذا كان نادرَ الحدوث.
في معظم الأحوال، كان الأنبياء يحذِّرون من اللعنات التي ستأتي إن استمرّ الشعب في الخطية، وكانوا يؤكّدون على البركات التي ستأتي إن عاش الشعب بأمانة. كان هدف هذه النبوّات تحفيز الناس على التوبة عن خطاياهم والثبات في الأمانة للرب وعهده. ولم تكُن تنبؤات الأنبياء الحقيقيين أكيدة إلا حين كانوا يشيرون إلى أن الله أقسم أن يقوم بعمل شيءٍ ما.
نتيجة لهذا، فإن إحدى الطرق الصحيحة والمشروعة التي يمكن للنبوة أن تتمّ بها هي أن يغيّر الشعب سلوكهم، ما يؤثّر بنتيجة النبوات. وفي هذه الحالات، تكون النبوّات قد تحقّقت بشكلٍ سليم، مع أن تحذيرات الأنبياء أو وعودهم لم تتحقّق بالطريقة التي أشاروا إليها.
ثمة أمثلة كثيرة على هذا في الكتاب المُقدَّس، ولكن المبدأ الأساسي يُوصَف في إرميا 18: 7-10 حيث نقرأ الكلمات التالية:
تَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْقَلْعِ وَالْهَدْمِ وَالإِهْلاَكِ فَتَرْجِعُ تِلْكَ الأُمَّةُ الَّتِي تَكَلَّمْتُ عَلَيْهَا عَنْ شَرِّهَا فَأَنْدَمُ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي قَصَدْتُ أَنْ أَصْنَعَهُ بِهَا. وَتَارَةً أَتَكَلَّمُ عَلَى أُمَّةٍ وَعَلَى مَمْلَكَةٍ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فَتَفْعَلُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ فَلاَ تَسْمَعُ لِصَوْتِي فَأَنْدَمُ عَنِ الْخَيْرِ الَّذِي قُلْتُ إِنِّي أُحْسِنُ إِلَيْهَا بِهِ. (إرميا 18: 7-10)
هناك مبدأ معلن لنا في إرميا 18 حيث يقول الله في الواقع: إن هددت بالدينونة أمة أو شعباً وتابا فإني لا أنزل بهما الشر الذي قصدته لهما. كذلك يشير إلى الناحية العكسية: إن وعدت بمباركة شعب أو ملك أو أمة وعصوا وصاياي فإني آمر بالدينونة حيث سبق وأمرت بالبركة. ثم يبدو أن هذا المبدأ قد تطبق بحيث إن هذا الشرط المذكور هنا بوضوح، يبدو حسب الظاهر أنه قد نُفذ في مقاطع أخرى حيث هدّد الله بالدينونة أو وعد بالبركة، ولعل المثل التقليدي نجده في كتاب يونان، حيث أرسل الله يونان ليعلن الدينونة على شعب نينوى. ففعل يونان وتاب شعب نينوى، محدثاً هذا المقياس للتوبة البشرية التي يبدو أن الله كان يحاول أن يحركها في قلوبهم منذ البداية. د. روبرت لِستر
بطريقةٍ أو بأخرى، كلام الأنبياء الحقيقيين يتحقّق دائماً. في بعض الأحيان يتحقَّق بالطريقة المذكورة وفي أحيانٍ أخرى يستجيب الناس للنبوات، فيتسبّبون بنتيجةٍ أخرى غير ما تكلّمت النبوة عنها. ولكن في جميع الأحوال، نتائج النبوّة الحقيقية تتوافق مع عهد الله وطبيعته، وتصادِق على خدمة أنبيائه الحقيقيين.
ذكر موسى مؤهّلات الوظيفة النبويّة ليتمكّن شعب الله من تمييز الأنبياء الذين تكلّموا بكلام الله حقاً. عمل هذا لأنّه أرادهم أن يميّزوا رسائل الأنبياء الحقيقيين ويطيعوها، وأن يعيشوا بأمانةٍ وإخلاص لعهد الله. ومن المهم لنا أيضاً أن نتذكّر هذه المؤهّلات، لأنّ هذه هي المؤهلات ذاتها التي وفى يسوع بها في خدمته نبيّاً لله في عصر العهد الجديد.
الآن، بعدَ أن نظرنا إلى الشروط الواجب توافرها في الأنبياء، صرنا جاهزين للنظر إلى عمل وظيفتهم هذه.
لقراءة هذه السلسة من المقالات ( الجزء الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع، الثامن، التاسع، العاشر، الحادي عشر)
هذه المقالة مُصرح بإعادة نشرها من موقع thirdmill.org