كما قلنا حتى الآن، كان الأنبياء سفراء عهد الله. فقد فسّروا إرادته لشعبه، حاثّين إياهم على التوبة عن تمرُّدهم، وعلى خدمة الرب بكل ولاء وأمانة. وقد نظرنا بشكلٍ خاص إلى ثلاث نواحٍ في عملهم: سلطانهم، ومهمتهم، وطرقهم.

والآن، سنصف وظيفة المسيح كنبي بطرقٍ توازي وتقابل وظيفة الأنبياء في العهد القديم.

أولاً، سنرى أنه كان ليسوع أيضاً سلطان باسم الله.

ثانياً، سنرى أن مهمته كانت شبيهةً بمهمة أنبياء العهد القديم.

وثالثاً، سنُظهِر أن أساليبه وطرقه كانت شبيهة بطرق أنبياء العهد القديم.

السلطان

يوضِّح العهد الجديد بأنه كان ليسوع السلطان للتكلُّم باسم الآب. نرى هذا في مقاطع مثل يوحنا 7: 16-19؛ و12: 49-50؛ 14: 24. تكلّم يسوع في هذه المقاطع بالسلطان الذي منحه إياه الله الآب. فقال يسوع للجموع في أورشليم في يوحنا 7: 16-19:

تَعْلِيمِي لَيْسَ لِي بَلْ لِلَّذِي أَرْسَلَنِي... مَنْ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ يَطْلُبُ مَجْدَ نَفْسِهِ وَأَمَّا مَنْ يَطْلُبُ مَجْدَ الَّذِي أَرْسَلَهُ فَهُوَ صَادِقٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمٌ. (يوحنا 7: 16-19)

 

وكون سلطان يسوع من الآب أمرٌ واضحٌ أيضاً في تعليمه بأن من يقبله يقبل الآب أيضاً، ومن يرفضه يرفض الآب أيضاً. وهذا واضحٌ في مقاطع كثيرة جداً، مثل متّى 10: 40؛ ومرقس 9: 37؛ ولوقا 9: 48؛ ويوحنا 13: 20؛ و12: 44. وكمثالٍ على ذلك، استمع إلى كلمات يسوع في لوقا 10: 16:

الَّذِي يُرْذِلُنِي يُرْذِلُ الَّذِي أَرْسَلَنِي. (لوقا 10: 16)

 

الذي يرفض الشخص المرسَل من الله وسفيره المُفوَّض سيدرك في النهاية صحة رسالة هذا المُرسَل. ولكن للأسف، حين يدرِكها سيكون قد فقد الفرصة للاستجابة. استمع إلى رواية مواجهة يسوع مع خصومه في يوحنا 8: 26-28:

إِنَّ لِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةً أَتَكَلَّمُ وَأَحْكُمُ بِهَا مِنْ نَحْوِكُمْ لَكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ حَقٌّ. وَأَنَا مَا سَمِعْتُهُ مِنْهُ فَهَذَا أَقُولُهُ لِلْعَالَمِ.  وَلَمْ يَفْهَمُوا أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَهُمْ عَنِ الآبِ. فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: مَتَى رَفَعْتُمُ ابْنَ الإِنْسَانِ فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ وَلَسْتُ أَفْعَلُ شَيْئاً مِنْ نَفْسِي بَلْ أَتَكَلَّمُ بِهَذَا كَمَا عَلَّمَنِي أَبِي. (يوحنا 8: 26-28)

 

المهمة

كما رأينا سابقاً، لأن الأنبياء كانوا سفراء عهد الله، فقد أُعطوا مهمةَ تذكير شعب الله بتفاصيل عهده، وتشجيعهم وحثّهم على إطاعة بنوده وشروطه. وفي دور يسوع كنبي، كانت هذه المهمة مُوكَلة إليه هو أيضاً. نرى هذا بشكلٍ خاصّ من الطريقة التي أعلن بها يسوع الخبر السارّ بأن المراحل الأخيرة لملكوت الله كانت آتية.

أولاً، في كلِّ تعليمه عن ملكوت الله، أعلن حقيقة مُلك الله وسلطانه، وبالتالي أكّد وجود عهد لله مع شعبه. نرى هذا في أماكن كثيرة، بما في ذلك الصلاة الربّانية في متّى 6: 10، حيث علّم يسوع تلاميذه بأن يصلّوا أن يأتي ملكوته إلى الأرض وأن تتم مشيئته.

ثانياً، أكّد يسوع أيضاً أن بنود العهد لا تزال قائمة، وأن الشعب لم يخضع لها. هذا واضح من حثّه الناس على التوبة عن خطاياهم، مثلما نرى في متّى 4: 17، ومرقس 1: 15.

ثالثاً، أكّد يسوع على عواقب العهد. فمثلاً، في الويلات السبعة التي نطق بها يسوع في متَّى 23، حثَّ يسوع شعب الله على إطاعة الله بقصد تجنُّب دينونته. وفي التطويبات التي تشكّل بداية العظة على الجبل في متّى 5: 3-12، حثّ يسوع شعب الله على أن يسألوا الله رحمته حتى ينالوا بركاته. استمع إلى تلخيص يسوع لمهمّته في بداية خدمته العلنية في لوقا 4: 17-21:

فَدُفِعَ إِلَيْهِ سِفْرُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ. وَلَمَّا فَتَحَ السِّفْرَ وَجَدَ الْمَوْضِعَ الَّذِي كَانَ مَكْتُوباً فِيهِ: رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لأَنَّهُ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ أَرْسَلَنِي لأَشْفِيَ الْمُنْكَسِرِي الْقُلُوبِ لأُنَادِيَ لِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ ولِلْعُمْيِ بِالْبَصَرِ وَأُرْسِلَ الْمُنْسَحِقِينَ فِي الْحُرِّيَّةِ وَأَكْرِزَ بِسَنَةِ الرَّبِّ الْمَقْبُولَةِ... فَابْتَدَأَ يَقُولُ لَهُمْ: إِنَّهُ الْيَوْمَ قَدْ تَمَّ هَذَا الْمَكْتُوبُ فِي مَسَامِعِكُمْ. (لوقا 4: 17-21)

 

عرَّف يسوع عن نفسه هنا بصفته المنادي أو المعلِن عن استرداد ملكوت الله الذي أُنبئ به في إشعياء 61.

علّم إشعياء أنّه حين سيأتي الله بدينونته الأخيرة على أعدائه ولبسط ملكوته من خلال إسرائيل إلى كل العالم، فإنه سيبدأ عمله هذا من خلال نبيٍّ خاصّ. فسيُعلِن ذلك النبي الخبر السار أو الإنجيل بأن ملكوت الله قد أتى أخيراً. ومع إعلان النبي لهذه الأمور، سيذكّر شعب عهد الله بالتزاماتهم، حاثّاً إيّاهم على التوبة عن خطيتهم لتجنُّب عواقب الإخلال بالعهد، وعلى المثابرة والثبات في الأمانة والإخلاص للعهد لنوال بركات عهد الله. وبحسب شهادة يسوع نفسه، فقد كانَ ربّنا نفسُه ذلك النبي.

 

ما العلاقة بين الإنجيل وملكوت الله؟ إنّ أولى الكلمات التي دوّنها مرقس في الفصل الأوّل من إنجيله، هي "تمّ الزمان واقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالإنجيل". إنّ الإنجيل هو الخبر السار الذي يعلن أنّ حكم ملكوت الله قد أتى إلى العالم. من هنا كل المعجزات التي صنعها يسوع كانت علامات لمجيء الملكوت. وإذ أتى حكم الله وملكوته، غفرت خطايانا. والعمي أبصروا، والعرج مشوا، والبرص طهروا، والأرواح الشريرة طردت، والموتى قاموا. هذا هو الخبر السار. والخبر السار في جوهره طبعاً، هو الصليب-موت المسيح وقيامته. لو لم يمت المسيح ويقم من الموت، لما استطاع أن يحرز لنا الخلاص. لما استطاع أن يغلب سلطان الموت. ولما رأينا ملكوت الله آتياً. لذلك، فالإنجيل هو أجمل بشرى. ومجيء ملكوت الله هو البركة الأعظم والفرح الأعظم اللذان عرفهما الجنس البشري.

 د. بيتر تشو

 

أحد الأسئلة الهامة في العهد الجديد، هو ما هي العلاقة بين ملكوت الله والإنجيل؟ هذه العلاقة تتضح عندما نبدأ نفهم أنّ ملكوت الله هو حكم الله وملكه في قلوب الناس رجالا ونساء، وأنّ هذا الحكم والملك يعلن ذاته في كلّ مجال من مجالات حياتنا. والسبيل إلى دخول هذا الحكم والملك هو من خلال رسالة الإنجيل، الإفانجليون الخبر السار، وهو أنّ المسيح قد وضع حياته عنّا على الصليب لمغفرة خطايانا. وأنه من خلال قوة الإنجيل المغيّرة، هم مدعوون لتغيير العالم الذي حولهم وإدخال عمل ملكوت الله إلى كلّ حيّز من حياتهم.

 د. جِف لومان

الآن، بعد أن نظرنا إلى سلطان يسوع النبوي ومهمته، لنلقِ نظرةً إلى الطرق التي استخدمها في إنجاز خدمته.

 

الطرق

مثل أنبياء العهد القديم، كانت طريقة يسوع الرئيسية لإتمام مهمّته النبوية هي المخاطبة. أي أنّه كان يعلِن مسؤولية الشعب تجاه عهد الله بشكلٍ رئيسي بإعلان كلام الله لهم. فاتهمهم باقتراف الخطية، وأمرهم بأن يتوبوا ويطيعوا إرادة الله المُعلَنة في الكتاب المُقدَّس، وحثّهم على أن يثابروا ويثبتوا في الأمانة، وحذَّرهم من الدينونة الآتية، وقدّم وعد البركات للأمناء المُخلِصين. كلّم يسوع بأمثالٍ، وأنبأ بالمستقبل. وصلّى وتضرّع لأجل شعب الله.

من الأمور المثيرة واللافتة أن أحد الأمور التي لم يعملها يسوع هو أنه لم يكتب تعاليمه لنا، لكنّ تلاميذه دوّنوها في كتب العهد الجديد. يحتوي العهد الجديد على أربعة أناجيل: متّى، مرقس، لوقا، يوحنا، وقد ذكرت هذه الأناجيل خطابات يسوع النبوية بالتفصيل.

ومثل أنبياء العهد القديم أيضاً، استخدم يسوع طرقاً كثيرة أخرى غير الخطاب في خدمته النبوية، طرقاً اعتمدت على أعمالٍ خاصة أكثر مِمّا اعتمدت على التواصل الكلامي. وربّما كانت أوضح طريقة أخرى استخدمها هي معجزاته. فقد عمل يسوع معجزاتٍ أكثر من أيِّ نبيٍّ آخر في تاريخ شعب الله. وأعمال يسوع المعجزية شهدت على شرعيته كسفيرٍ لله، وأظهرت تأييد الله ورضاه على كل ما قاله يسوع. هذا ما قاله يسوع في يوحنا 10: 25:

 

اَلأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا بِاسْمِ أَبِي هِيَ تَشْهَدُ لِي. (يوحنا 10: 25)

 

كذلك قام يسوع بأعمال رمزية كما فعل أنبياء العهد القديم. على سبيل المثال قَبِلَ أن يعتمد على يد يوحنا المعمدان كعمل رمزي، في متى 3: 15-17. ومثل أنبياء العهد القديم، خاض يسوع معارك روحية. على سبيل المثال، انتصر في تجربته على إبليس في متى 4: 1-11، ولوقا 4: 1-13. وقد قام بطرد الأرواح الشريرة في مرقس 1: 25-26، و5: 13.

بِالنظَرِ إلى سُلْطانِ يَسوعَ النَبَوِيِّ وَمُهِمَّتِهِ النَبَوِيَّةِ وَطُرُقِ تَتميمِ خِدْمَتِهِ النَبَوِيَّةِ، نَسْتَطيعُ أنْ نَرَى أنَّهُ كانَ يَشْغَلُ وَظيفَةَ النَبِيِّ بِكُلِّ اسْتِحْقاقٍ وَجَدارَةِ. وَلِذا، فَنَحْنُ على يَقينٍ بأنَّ كلَّ ما تَنَبَّأَ بِهِ قَدْ تَمَّ، وأنَّ كَلِماتِ يَسوعَ أمينَةٌ وصادِقَةُ. وَلِذا، فإنَّنا مُلزَمونَ بالاستِماعِ إلَيْهِ وإِطاعَتِه. وبِالنِسْبَةِ لِلَّذينَ هُمْ جُزْءٌ مِنْ مُجْتَمَعِ العَهْدِ، فَإنَّ طاعَتَنا لِكَلامِ يَسوعَ تَقودُ إلى بَرَكاتِ عَهْدِ اللهِ، بَيْنَما يُؤَدّي عِصْيانُنا لِتَأْديبِه. وبالنِسْبَةِ لأولَئِكَ الذينَ لَيْسوا جُزءاً مِنْ شَعْبِ اللهِ، فإنَّ كَلامَ يَسوعَ النَّبَوِيَّ كانَ تَحْذيراً مِنَ الدَيْنونَةِ الآتِيَةِ على الذينَ يَرْفُضونَهُ، وَوَعداً بالحَياةِ لِلَذينَ يَتوبُونَ عَنْ خَطاياهُمْ ويَقْبَلونَهُ بالإيمان.

بعد أن رأينا أن يسوع وفّى بشروط النبي، وأتمّ عمل النبي، لننظر بإيجاز إلى تتميمه لتوقُّعات العهد القديم بشأن مستقبل وظيفة النبي.

 

لقراءة هذه السلسة من المقالات ( الجزء الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع، الثامن، التاسع، العاشر، الحادي عشر)

هذه المقالة مُصرح بإعادة نشرها من موقع thirdmill.org