النبوات المحددة

يحتوي العهد القديم على عدد كبير من النبوات حول الملك المستقبلي في إسرائيل بحيث لا يتسنى لنا ذكرها جميعها. لذلك، من أجل أهدافنا في هذا الدرس، سنذكر أربعة أفكار رئيسية فقط. الفكرة الأولى، أنبأ أنبياء العهد القديم بأن الله سيعيد سلالة داود الحاكمة إلى العرش.

 

يشدّد العهد القديم قبل كلّ شيء على أن المسيح الآتي سيكون ابن داود. طبعاً كان داود ذاك الملك العظيم في إسرائيل الذي وثق فعلاً بالربّ، وأحرز العديد من الانتصارات العظيمة، وأطاع الله بطرقٍ عديدة. طبعاً كانت له أيضاً بعض السقطات الهامة، لكن داود صار نموذجاً لما سيكون عليه المسيح المنتظر. الحاكم الذي سيجلب السلام للأمّة. وهكذا في الجزء الأخير من العهد القديم بعد وفاة داود، نرى توقّع مجيء ابنٍ لداود مرتبط خصوصاً بإحلال السلام والعدالة والسعادة.

 د. توماس شراينر

 

نرى في العهد القديم أن الشخصية التي صارت معروفة بالمسيح المنتظر، كانت ملكاً، ملكاً متحدّراً من نسل داود. فقد أعطى الله عهداً لداود وعَده فيه بأنّه في المستقبل، سيقيم ملكاً يكون بمثابة ابن لله بصورة فريدة، ويكون الله له أباً. وسيملك على عرش داود إلى الأبد، ويثبّت العدالة والبرّ. فبالفعل، عندما نشير إلى المسيح المنتظر في العهد القديم فإنّنا نشير إلى ملك. الملك النهائي، الذي سيأتي بخلاص الله وتحريره.

 د. مارك ستراوس

 

قال الأنبياء إن الله سيرسل في النهاية ابناً باراً لداود ليعيد الملك الداودي إلى إسرائيل. ونرى هذا في مواضع عدة، منها المزمور التاسع والثمانون، وإشَعياء 9: 7؛ 16: 5، 33: 25-26 وفي حزقيال 34: 23-24. كمثل واحد فقط، استمع إلى ما قاله الله على لسان النبي عاموس في عاموس 9: 11:

فِي ذلِكَ الْيَوْمِ أُقِيمُ مِظَلَّةَ دَاوُدَ السَّاقِطَةَ، وَأُحَصِّنُ شُقُوقَهَا، وَأُقِيمُ رَدْمَهَا، وَأَبْنِيهَا كَأَيَّامِ الدَّهْرِ. (عاموس 9: 11)

 

أما الفكرة الثانية، فهي أن الأنبياء أنبأوا بأن هذا الابن المستقبلي لداود سيعطي شعب الله الحرية والانتصار على أعدائهم. غالباً ما تكلم أنبياء العهد القديم عن زمن يتدخل فيه الله في التاريخ بشكل مثير ليغلب أعداءه لمصلحة شعبه الأمين. وعد الله بأن يُنزل الدينونة على كل الذين قاوموا طرقه، بمن فيهم غير الأمناء في إسرائيل. وقد ربط الأنبياء تكراراً هذا الانتصار بالوريث المستقبلي على عرش داود الذي سيتصرف كممثل لله. وهذه التوقعات أنبئ بها في مواضع مثل المزمور 132: 17-18، وفي إشعياء 9: 4-7، وإرميا 30: 5-17، وحزقيال 34: 2، وزكريا 12: 1-10. استمع على سبيل المثال إلى هذه النبوة في إرميا 30: 8-9:

وَيَكُونُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ، أَنِّي أَكْسِرُ نِيرَهُ عَنْ عُنُقِكَ، وَأَقْطَعُ رُبُطَكَ، وَلاَ يَسْتَعْبِدُهُ بَعْدُ الْغُرَبَاءُ، بَلْ يَخْدِمُونَ الرَّبَّ إِلهَهُمْ وَدَاوُدَ مَلِكَهُمُ الَّذِي أُقِيمُهُ لَهُمْ. (إرميا 30: 8-9)

 

أما الفكرة الثالثة، فقد تنبأ أنبياء العهد القديم بأن هذا الابن المستقبلي لداود سيؤسس مملكة أبدية. علّم أنبياء العهد القديم باستمرار أنه عندما يملك ابن داود العظيم على إسرائيل، سيتمتعون ببركات الله إلى الأبد. والملك الذي من نسل داود سيجعل الأرض مثل السماء، ويعيش شعبه باستمرار في سلام وازدهار. وهذا التوقع يظهر في مقاطع مثل إشَعياء 55: 3-13، وحزقيال 37: 4 و25. على سبيل المثال، استمع إلى ما قاله إشعياء حول ابن داود المستقبلي في إشَعياء 9: 7:

لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ، مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هذَا. (إشعياء 9: 7)

 

أما الفكرة الرابعة، فهي أن الأنبياء علّموا أيضاً أن ابن داود المستقبلي سيؤسس مملكة تنتشر في كل العالم. مملكة داود المستقبلية ستكون بلا حدود ليس في الزمن فقط بل أيضاً في امتدادها الجغرافي. فهي ستمتد لتملأ الأرض كلها. وجميع الذين سيتوبون عن خطاياهم سيتمتعون ببركاتها بغض النظر عن جنسهم أو عرقهم. ونرى أمثلة عن ذلك في المزامير 2، 68، 72، 110، 122. استمع إلى الطريقة التي يصف فيها دانيال 7: 13 هذه الناحية للمَلك المستقبلي وملكوته:

وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ ... فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. (دانيال 7: 13)

 

واحدٌ من النصوص الرئيسية في العهد القديم لفهم دور المسيح المنتظر هو المزمور الثاني حيث نجد تنبّؤاً واضحاً بأنّ الله قد مسحَ ملكَه، مسحَه على صهيون جبلِه المقدّس. وحين تتمعّن في هذا المزمورِ يتّضحُ لك أنّ هذا الملكَ الذي سيمسحُه الله هو أيضاً هذا الذي سيكون الملكَ على الأمم. وستطيعُه جميعُ الشعوب. وهو شخصيةٌ ذات سلطانٍ حتى أنّ كلّ الأممَ وكلّ حكّامٍ الأرضِ يجب أن يتّعظوا ويعبدوا ويقبّلوا قدمَي الابنَ، هذا ما يقولُه المزمورُ الثاني. الموضوع هنا لا يقتصرُ على كونٍه المسيحَ مخلّصَ إسرائيل، مع أنّه كذلك، بل إنّ كونُه المسيحَ مخلّصَ إسرائيل جعلَه أيضاً ربّاً على العالمِ بأسره، الربَ الشرعيَ على العالمِ بأسرِه. فإحدى الأمورِ الرئيسيةِ التي يجب أن نفهمَها هي أنّ المسيحَ المنتظرَ كان بشراً، في الواقع هو إنسانٌ سيأتي وسيحكُمُ العالم.

 د. بيتر واكر

انتهى العهد القديم وهو يحمل آمالاً عظيمة بمُلك مستقبلي. فالله سيُرسل ابناً مميّزاً لداود، وكيل الله الأعظم. وسيهزم كل أعداء شعب الله. وسيؤسس مملكة أبدية على الأرض تضم جميع الذين سيخضعون لحكمه. وهذه المملكة ستتمّم قصد الله الأصلي للبشر بأن يكونوا ممثّلين لله؛ وستتمم هذه المملكة قصد الله الأصلي في شعب إسرائيل؛ وفي تثبيت عرش داود. وسيقوم ابن داود البار بتحويل العالم كله إلى ملكوت لله، ويطهّره من كل إثم، ويجعل شعبه ينعم بالسلام والازدهار إلى الأبد.

بعد أن استكشفنا خلفية العهد القديم لوظيفة الملك، أصبحنا مستعدين لننتقل إلى الموضوع الرئيسي الثاني: تتميم وظيفة الملك في يسوع.

لقراءة هذه السلسة من المقالات (الجزء الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع، الثامن، التاسع)

 

هذه المقالة مُصرح بإعادة نشرها من موقع thirdmill.org