التوقعات

في كل تاريخ إسرائيل، كانت زلات الملوك وشرورهم تمنعهم من إتمام واجباتهم نحو الله. حتى القادة الأمناء مثل موسى، ويشوع، وداود، الذين خضعوا لشريعة الله واهتموا بشعبه، لم يكونوا قادرين أن يقوموا بكل ما طلبه الله. وفي أفضل الأحوال، وفّروا السلام والأمان للشعب لوقت قصير. لكن متطلبات الشريعة كانت كبيرة جداً بالنسبة لهم ليلبّوها بشكل مستمر. فالشريعة بكل بساطة صعبة جداً لكي يتمكنوا من تتميمها بشكل يرضي الله. علاوة على ذلك، حتى أفضل القادة كانوا محدودين بالسن والموت. ومشاكل من هذا النوع نجدها في أماكن عدة في الكِتاب المُقدَّس، بما في ذلك زكريا 4: 6، وأعمال 13: 34-39، وعبرانيين 4: 8، ورومية 8: 3-4.

الملوك الذين حكموا شعب الله في العهد القديم لم يحققوا له البتة البركات العظيمة التي أعدّها الله له. لم يتمكنوا من ذلك. فقد كانوا ضعفاء، بشراً ساقطين. لكن إخفاقاتهم ولدّت أملاً بأن الله سوف يُكرِم في نهاية الأمر عهده مع داود ويُرسل ابناً مباركاً لداود ليخلّص شعبه. وهذا الملك سيؤيد بقوة الروح القدس بصورة مميزة بحيث لا تحدّه حدود الضعف البشري العادية. وهو سيكون الشخص الذي يحفظ شريعة الله بالكامل، ويفدي سلالة داود، وشعب إسرائيل، والجنس البشري من كل إخفاقاتهم السابقة. وهذا هو تماماً نوع الملك الذي أرسله الله في يسوع. فمن خلال يسوع، الابن البار لداود، المسيا فعل الله أخيراً للبشر ما لم يتمكنوا أن يقوموا به بأنفسهم.

لننظر إلى الطريقة التي تمّم فيها يسوع توقعات العهد القديم هذه عن طريق التركيز على أربع نواحٍ لملكه. أولا، نرى أن يسوع أعاد سلالة داود الحاكمة. ثانياً، نركز على الحرية والانتصار اللذين أعطاهما لشعبه. ثالثاً، نتأمل بالملكوت الأبدي الذي أتى به يسوع. ورابعاً، نعرض طبيعة انتشار هذا الملكوت في كل العالم. لنبدأ بحقيقة أن يسوع أعاد سلالة داود الحاكمة.

 

سلالة داود الحاكمة

في العديد من المناسبات في العهد الجديد، أشير إلى يسوع بالتحديد كابن داود الذي أُنبئ عنه والذي سيعيد سلالة داود الحاكمة إلى الحكم. فقد أشار كتّاب الوحي إلى هذا الارتباط في مقاطع مثل متى 1: 1، لوقا 3: 31، ورومية 1: 3. وقد أعلن الرسول بولس ذلك في أعمال 13: 22-23. وقد أعلن يسوع نفسه أنه ابن داود المسيحاني في متى 21: 15-16، ورؤيا 3: 7، و22: 16. وهذا الدليل يبرهن أن يسوع هو حقاً ابن داود المتنبأ عنه، الملك المسيحاني المستقبلي الذي سيتمم أهداف ملكوت الله للخليقة كلها.

وكوريث لعرش داود، بدأ يسوع تتميم أهداف ملكوت الله أولا عن طريق ردّ البقية الأمينة في أمة إسرائيل، بالتحديد رسله وتلاميذه الأمناء. ثم، كما أمر يسوع في متى 28: 19-20، وسّع هؤلاء الأتباع صفوفهم بتبشير اليهود والوثنيين في كل الأمم التي بلغوها وتلمذوهم. وقد ذهب أتباعهم أعمق في العالم يربحون المزيد من التلاميذ. وهذه العملية استمرت منذ ذلك الوقت، بحيث بات ملكوت الله الأرضي اليوم يضم نسبة عالية من سكان العالم، وهو موجود في كل قبيلة وبلد على وجه الأرض.

كما وفى يسوع بتحقيق توقعات العهد القديم عن طريق تقديمه الحرية والانتصار لأتباعه الأمناء.

 

الحرية والانتصار

خلال حياته على الأرض، عمل يسوع بصورة حاسمة ليعطي شعبه الحرية من خلال انتصارهم على أعدائهم الروحيين، مثل الخطيّة والموت والأرواح الشريرة. استمع إلى هذه الكلمات من متى 1: 21-23:

فَسَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ. لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ. وَهذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ: هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا. (متى 1: 21-23)

 

في هذا المقطع شبّه متى ولادة يسوع بالطفل عمانوئيل المشار إليه في إشَعياء 7: 14.

في قرينة نبوة إشَعياء، كان الطفل عِمَّانُوئِيل علامة على أن الله هو الملك المحارب الحاضر مع شعبه في المعركة. وهو سيحارب عنهم ويغلب أعداءهم، محققاً لهم الحرية من الظلم بانتصاره في الحرب. وهذا ما جعل من يسوع مميّزاً جداً. فهو الملك المُتنبئ عنه الذي يستخدمه الله ليحارب ويغلب عدو الجميع الأعظم، أي الخطيّة. ونرى هذه الفكرة ذاتها في يوحنا 8: 36، حيث قال يسوع إنه وحده يمكنه أن يعطي حرية حقيقية من الخطيّة.

أعطى يسوع شعبه أيضاً نصرة على الموت. وتحدث بولس عن ذلك في رومية 6: 4-9، و1 كورنثوس 15: 54-57، حيث أكدّ لنا أن قيامة يسوع غلبت الخطيّة والموت من أجلنا. طبعاً إلى حد ما الخطية والموت ما زالا يشكّلان مشكلة في طريقنا، فنحن ما زلنا نخطئ وأجسادنا ما زالت تموت. لكن سبق لنا وحققنا الانتصار على هذين العدوين، فهما لم يعودا يملكان السلطة ليتحكما بنا، أو لإيقاع العقاب بنا.

ويصح أمر مماثل على الأرواح الشريرة. وكملكنا العظيم، انتصر يسوع على الأرواح الشريرة، وأعطانا الانتصار. وهي ما زالت تزعجنا وتجربنا. وقد تؤذينا جسدياً. لكن ليس لها قوة لتستعبدنا أو تدمر أرواحنا. استمع إلى الطريقة التي يصف فيها بولس انتصار يسوع على الأرواح الشريرة في كولوسي 2: 15:

إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَاراً، ظَافِراً بِهِمْ فِيهِ. (طولوسي 2: 15)

 

عندما يعود يسوع سيهزم كل الأعداء الذين يقاومونه ويقاومون شعبه بالكامل. لكنه حتى في هذا الوقت أصدر دينونة أولية ضد أولئك الذين يسببون لنا الأذية الأكبر، وضمن لنا الحرية من سلطتهم.

أما التوقع الثالث في العهد القديم حول المَلك الذي وفى به يسوع وتممه، هو أنه أسس ملكوتاً أبدياً.

الملكوت الأبدي

أنبأ العهد القديم أن الملك الموعود به سيُدشن مملكة ستبقى إلى الأبد. فستكون تلك المملكة السماء على الأرض، وستستمر إلى الأبد تحت حكم ملك من نسل داود. ويؤكد العهد القديم أن حكم يسوع كمَلك سيستمر إلى الأبد في مقاطع مثل متى 19: 28-29، وفي 25: 34، وفي لوقا 1: 33، وعبرانيين 1: 8-13. لكن أين هذه المملكة الآن؟ هل حقق يسوع حقاً هذا التوقع؟ أم أننا ما زلنا ننتظر تحقيقه؟

 

إنّ أحد الأمور التي قام بإنجازها يسوع خلال خدمته الأرضية هو تأسيسه لملكوت الله على الأرض. وبرأيي يبدو أن المقصود بذلك أنّ يسوع اكتسب بقدرة إلهية موطئ قدم على أرضٍ معادية، وبالتالي فإنّ يسوع بذاته هو الذي قاد عمليّة الغزو الأولى لاستعادة الأرض إلى خالقها وصاحبها وملكها الشرعي. وهذا الهجوم الأول على الأرض المعادية قد تجلّى بطرق دراماتيكيّة عديدة: التصدي لنظام الشر، التصدي للأرواح الشريرة، وتبديد التضليل بالنور والحقيقة. وكانت هذه بداية قوية للولاء لمُلك جديد. وهذه الحملة ما زالت دائرة. ما زالت عمليّات المسح والتطهير الكامل مستمرّة حتّى هزم آخر قوّة مقاومة. وآخر عدوٍّ باقٍ ليُقهر هو الموت. فحتىّ ونحن نشارك بقوّة الروح في حملة الملكوت المستمرة هذه، نحن نصلّي ليأتِ ملكوتك، لتكن مشيئتك. ولا نزال نحتاج إلى عون خارق للطبيعة لكي نرى تحقيق هذا الملكوت.

 د. غلِن سكورجي

 

في تحقيق توقّعات العهد القديم، دخلت خطّة الله الخلاصيّة إلى العالم بيسوع المسيح بقوّة، وعرفت أوجها في موته، وفي قيامته، قيامته كانت البرهان على أن الموت قد غُلب؛ وما عاد للخطية سلطانٌ علينا. والموت الذي هو نتيجة الخطية قد هُزم. وليس في القيامة فقط، بل أيضاً في صعوده المجيد، هو الآن جالسٌ عن يمين الآب وفي العنصرة سكب روحه. كلّ هذا جزءٌ من مجيء الملكوت. وما نسميّه "بتدشين الملكوت" هو حاصلٌ الآن. إلّا أنّ ربّنا يسوع المسيح قد أخبرنا أنّ هناك زمنٌ آتٍ. ولا نزال نصلّي. فكّر في الصلاة الربانيّة التي نصلّيها، ليأتِ ملكوتك. في الواقع، لقد أتى الملكوت. وقد حصد النصر. لكنّه ما زال في انتظار أن يُستكمل.

 د. ستيفين وِلَم

 

أحد أصعب الأمور التي على الناس أن يفهموها، وبالأخصّ اليهود، هو العلاقة بين المجيء الأوّل والمجيء الثاني ليسوع، المسيح الموعود. أتفهّم أن يقول الناس، حسناً كيف يكون يسوع هو المسيح الموعود، الذي حقّق كلّ التوقّعات المسيحانية حين لا نرى الذئب يسكن مع الخروف، ولا نرى الشعب يطبع سيوفه سككاً، ولا نرى سلاماً على الأرض ومسرّةً للناس. فكيف يكون المسيح قد أتى؟ هذا ما نسمّيه تدشين الأمور الأخيرية. والمقصود هو أنّ حقائق الأيام الأخيرة ظهرت على ساحة التاريخ مع المجيء الأول ليسوع. إبتدأت هذه وانطلقت بطريقة حاسمة، لكنّها لم تصل بعد إلى نقطة الاكتمال التي ستتحقّق فيها هذه الأماني في النهاية. لقد دعي ذلك بالملكوت المحقَّق والذي لا يزالُ قيد التحقُّق. إنّ الملكوت قد أتى، أتى بمجيء يسوع. وقد سدّد الضربة القاضية في المعركة. لكنّ المعركة ما زالت تحتدم وتنتظر الزمن الآتي إلى التحقيق النهائي بمجيء المسيح.

 د. إريك ثيونيس

 

أسس يسوع ملكوته المسيحاني قبل أن يصعد إلى عرشه في السماء. ونرى ذلك في مقاطع مثل متى 12: 28، حيث قال يسوع إن سلطته على إخراج الأرواح الشريرة تبرهن أنه قد أسس ملكوت الله. فطرد الأرواح الشريرة لم يكن العلامة بأن الملكوت قد اقترب، بل هو البرهان أن الملكوت حاضر بقوة في زمنه، وأن ملكه كان يقضي على أعدائه. وفي الوقت الذي يعترض بعض الدارسين ويعتبرون أن الملكوت لم يأتِ بالطريقة المنظورة التي توقعها الكثيرون، فقد أصرّ يسوع أنه من الخطأ أن ننظر إلى إظهارات الملكوت المادية كقوة سياسية تقليدية. وكما أعلن يسوع للفريسيين في لوقا 17: 20-21:

لاَ يَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ بِمُرَاقَبَةٍ، وَلاَ يَقُولُونَ: هُوَذَا ههُنَا، أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ! لأَنْ هَا مَلَكُوتُ اللهِ بينكم". (لوقا 17: 20-21)

 

أخيراً، التوقع الرابع في العهد القديم للملك الداودي الذي تمّمه يسوع، هو تأسيسه لملكوتٍ ينتشر في كل العالم.

 

ملكوت ينتشر في كل العالم

  عندما يعود يسوع، ستكون كل الأرض الجديدة جزءاً من ملكوته. وستحلّ سلطته المادية وحكمه مكان الحكومات الأرضية. أما الآن، فإن ملكه الشامل هو بالدرجة الأولى روحي، كما نرى في أفسس 1: 21-22. لكن عند عودته سيكون مادياً أيضاً. ويصوّر لنا الفصلان 21 و22 من كتاب الرؤيا صورة مجيدة للسموات الجديدة والأرض الجديدة، حيث يملك يسوع كملك من عاصمته في أورشليم الجديدة.

يوضح العهد الجديد أن يسوع هو الملك المسيحاني الذي طال انتظاره، هو ابن داود الذي جاء ليؤسس ملكوت الله على الأرض. صحيح أنه لم يتمّم كل نبوات العهد القديم وتوقعاته خلال خدمته الأرضية. لكنه تمّم عدداً كبيراً منها مبرهناً أنه الملك الحقيقي. وقد أكد لنا أنه سيعود ثانية ليكمّل ما بدأه. في ذلك اليوم، سيتمّم ملكوته مقاصد الله الأصلية في الخليقة. وسيصبح العالم كله ملكوت الله الأرضي، حيث لا وجود للخطية والألم، وحيث يعمّ السلام والازدهار، وحيث نتمتع بالشركة المباركة مع الله في حضوره.

تناولنا حتى الآن في درسنا حول يسوع المَلك خلفية العهد القديم لوظيفة يسوع الملكية، وتتميم هذه الوظيفة في المسيح. وبتنا الآن مستعدين أن ننتقل إلى موضوعنا الرئيسي الأخير: التطبيق المعاصر لدور يسوع كملك.

لقراءة هذه السلسة من المقالات (الجزء الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع، الثامن، التاسع)

 

هذه المقالة مُصرح بإعادة نشرها من موقع thirdmill.org