
طبيعة المسيح >
التحقيق الملوكي في يسوع (ج5)
خدمة الألفية الثالثة
1/17/21 - ٥ دقيقة قراءة
التحقيق في يسوع
يعلّم العهد الجديد بوضوح أن يسوع هو الملك من نسل داود الذي وعد به في العهد القديم. على سبيل المثال، وصفه المجوس بأنه ملك اليهود في متى 2: 2. وقد عزا تلاميذ يسوع إليه ألقاباً مَلكية مثل المسيا أي المسيح في مواضع مثل مَرقس 8: 27-29. وقد دُعي ملك إسرائيل في يوحنا 1: 49. وما هو أهم من كل ذلك، أعلن يسوع مباشرة قبل موته، أنه الملك المسيحاني الذي وُعد به في العهد القديم. استمع إلى حديثه مع بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ في متى 27: 11:
فَوَقَفَ يَسُوعُ أَمَامَ الْوَالِي. فَسَأَلَهُ الْوَالِي قِائِلاً: "أَأَنْتَ مَلِكُ الْيَهُودِ؟" فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: "أَنْتَ تَقُولُ". (متى 27: 11)
ونرى تقارير مماثلة في مَرقُس 15: 2، ولوقا 23: 1-3، ويوحنا 18: 33-37. على الرغم من أن يسوع لم يعتلِ عرش إسرائيل خلال خدمته الأرضية، فالعهد الجديد يعلّم بوضوح أنه حقاً الملك الداودي الموعود. وأنه سوف يعود في المستقبل ليتمّم كل توقعات العهد القديم من جهة عرش داود.
نفحص الآن تتميم وظيفة الملك في شخص يسوع بطرق تتطابق مع النظرة الشاملة لخلفية العهد القديم لهذه الوظيفة. أولاً، سنرى أن يسوع تمّم مؤهلات وظيفة الملك. ثانياً، سنلاحظ أن يسوع كان مثالاً لوظيفة الملوك. وثالثاً، سنستكشف الطرق التي من خلالها وفى يسوع بالتوقعات التي رسمها العهد القديم لمستقبل الخدمة المَلكية. لنبدأ بمؤهلات يسوع المَلَكية.
المؤهلات
سبق ورأينا في هذه السلسة أن شريعة موسى أدرجت أربع مؤهلات لوظيفة الملك.
أولا، يجب أن يكون الملك مختاراً من الله.
ثانياً، يجب أن يكون من بني إسرائيل.
ثالثاً، يجب أن يعتمد على الله في نجاحه وأمنه.
ورابعاً، يجب أن يحافظ على الوفاء للعهد في حكمه، وفي حياته الشخصية.
وعلاوة على هذه المؤهلات، حدّد العهد مع داود أنه يجب أن يكون الملك ابناً لداود. دعونا في هذه النقطة في درسنا، ننظر كيف وفّى يسوع كل تلك المؤهلات، بَدءاً بكونه مختاراً من الله.
مختار من الله
كما سبق ورأينا، فإن الله هو الإمبراطور الأعلى أو الملك السيد على كل الخليقة. ومَلك إسرائيل هو المَلك الخادم أو التابع على أمة إسرائيل المقدّسة المميّزة. ولما كان الله وحده يمكنه أن يفوّض الملوك بسلطانه الخاص، يجب أن يختار هو بنفسه كل الملوك الشرعيين الذين يجب أن ينالوا مقياساً من سلطان الله ويمارسوه على الأمة.
وقد وفّى يسوع بهذا المؤهِل لأن الله اختاره وعيّنه ملكاً على إسرائيل. ونرى ذلك في سلالة نسب يسوع في متى 1: 1-17، وفي بشارة الملاك جبرائيل لمريم بولادة يسوع. استمع إلى كلمات جبرائيل إلى مريم في لوقا 1: 31-33:
وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. هذَا يَكُونُ عَظِيماً، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ". (لوقا 1: 31-33)
فقد أوضح الله أنه اختار يسوع ليكون ملكاً على شعبه. المؤهِل الثاني للمَلك كان في أن يكون من بني إسرائيل.
من بني إسرائيل
من الواضح أن يسوع وفّى بمؤهِل أن يكون من بني إسرائيل لأنه ولد من عائلة يهودية، من شعب اسرائيل. وتجسده المعجزي في رحم العذراء مريم جعل من ولادته غير عادية. لكنه ما زال الابن الشرعي ليوسف ومريم، وعضواً كاملاً في جماعة عهد الله مع إسرائيل. وهذا ما تؤكده سلسلة نسب يسوع في متى 1 وفي لوقا 3، وكذلك في مقاطع مثل رومية 9: 5 التي تتحدث عن سلالة يسوع اليهودية.
أما المؤهِل الثالث في العهد القديم، فهو ضرورة أن يعتمد الملك على الله بدل اعتماده على الخطط البشرية لضمان السلام والازدهار.
يعتمد على الله
وفى يسوع هذا المؤهِل لأنه اعتمد بالكامل على قوة الله ليوطد الأمان والازدهار لشعبه. وهو لم يحاول أن يعقد اتفاقات مع هيرودس وبيلاطس، أو مع أي حكومة بشرية؛ بل على العكس، اعتمد على سلطان الله وقوته ليؤسّس ملكوته ويصونه، كما نرى في مقاطع مثل يوحنا 13: 3، و19: 10-11.
المؤهِل الرابع في العهد القديم لوظيفة الملك الذي وفي به يسوع، فهو برهانه عن وفائه للعهد مع الله من خلال علاقته مع شريعة عهد الله.
وفيّ للعهد
يظهر وفاء يسوع لشريعة الله بطرق عدة، لكن بصورة خاصة بتقيّده بالقصد الأصلي منها وبالتزامه بتتميم كل ما تطلبه الشريعة. على سبيل المثال، في الموعظة على الجبل في متى الفصول الخامس إلى السابع، شدّد يسوع تكراراً على المعنى الأصلي لما هو مكتوب في الشريعة، بالتباين مع التعاليم الشفوية لمعلمي الشريعة. بالإضافة إلى ذلك فقد أعلن بوضوح أنه جاء ليتمّم كل تفصيل في الشريعة. استمع إلى ما قاله في متى 25: 17-18:
لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ. فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ. (متى 25: 17-18)
ويكرّر الرسول بولس هذه الفكرة في رومية 8: 3-4 حيث يقول إنّ يسوع تمّم في الواقع كلّ الشريعة ليس عن نفسه فقط بل عنّا أيضاً.
يقول الكتاب المقدس إنّ الشريعة هي المؤدِّب الذي يرشدنا إلى المسيح، فيأتي بنا إليه، ويهيّئنا له. الشريعة قد أعطيت لنا وهي مرآةٌ تعكس صفات الله، غير أنّنا فشلنا في حفظها. وهكذا عندما أتى يسوع أظهر لنا إنسانيّة كاملة محقّقاً غاية البشرية وهي علاقة مع الله متمثّلة بالالتزام والأمانة لأوامر الله. أتى يسوع وبرهن عن إنسانيّة حقيقية كما ينبغي أن تكون. لكنّه تمّم ايضاً تلك الشريعة عنا. تمّم يسوع الشريعة بأمانته المستمرّة في حفظ العهد، وسلوكه المطيع للشريعة. حتّى صار هو برّنا. يقول الكاتب إنّ الله هو البارّ والمبرّر في آنٍ. وهكذا، جاءنا الله بشريعته، ثمّ جاءنا بابنه ليحفظ الشريعة عنّا. فهو إذاً البار وهو أيضاً مبرّرنا في يسوع المسيح.
د. إريك ثيونيس
من المهمّ التشديد على أنّ يسوع كان أميناً للعهد، ليكون ذلك أساسَ حقّه في المُلك علينا. وهذا يجعلنا نستعيد مواضيع عديدة تعود بنا إلى آدم. آدم كالرأس وممثّل الجنس البشري بكامله، كان مدعواً كسائر مخلوقات الله، ليطيع الله ويكون أميناً له. نحن خلائقه. وعلينا أن نطيع خالقنا، علينا أن نخدمه ونطيعه ونحبّه في كلّ جانب من جوانب حياتنا. وآدم بعصيانه، جلب علينا الخطية والموت والدينونة. والسبيل الوحيد لنعكس مفعول الخطية هو بجعل الله يأتينا بالحلّ من خلال إنسان آخر. ولذا لدينا هذا التأكيد الشديد على أن" الله سيقيمُ واحداً كآدم" من خلال مختلف الأنبياء والكهنة والملوك وصولاً في النهاية إلى ذروة الإعلان مع ربّنا يسوع المسيح، الذي، بحسب ما نقرأ في الأناجيل، جاء ليعمل مشيئة الله. جاء ليطيع. ونقرأ في غلاطية 4 أنّه جاء مولوداً من امرأة وعاش تحت الشريعة، ليطيع كلّ ما جاء في الشريعة. لكن، لماذا كان ذلك ضرورياً؟ لأنّه كان عليه أن يبطل ما فعل آدم. ومن خلال طاعته، ونحن لا ننظر إلى الأمر من ناحية حياته فقط، مع أن حياته مهمّة أيضاً. فمن خلال طاعته، التي نسمّيها أحياناً "عمل الطاعة"، تمّم عنّا كلّ ما أمرت به الشريعة. ففي طاعته التي بلغت ذروتها في موته، إذ نقرأ في فيلبي 2 أنّه أطاع حتّى الموت، موت الصليب. هو إذاً بفضل عمله هذا، بفضل طاعته كملكنا، ككاهننا، قد ارتفع إلى يمين الآب. وهذا لا يعني أنّه لم يكن من قبل ملكاً وربّاً، فهو لطالما كان ابن الله. لكنّه ابن الله المتجسّد في عمله، وعليه في طبيعته البشرية أن يكون مطيعاً وأميناً، وأن يقوم بذلك نيابة عنا حتّى يحرز لنا الخلاص. لا يستطيع أن يكون هو الذي أعطي له أن يكون ملك الملوك، ورب الأرباب في ذلك العمل المسيحاني، في ذلك العمل الملكي، دون طاعته الكاملة وأمانته للآب.
د. ستيفين وِلَم
ابن داود
عهد الله مع داود ثبّت سلالة داود كسلالة إسرائيل الدائمة على العرش. من هنا ورثة داود وحدهم لهم الحق الشرعي بالمُلك على إسرائيل. وانتماء يسوع إلى بيت داود مُعلَّم بوضوح في أماكن عدة في الكتاب المقدس. لكن نشير إلى القليل منها فقط مثل: متى 1: 1-25، ورومية 1: 1-3، ورؤيا 5: 5، و22: 16.
الآن وقد نظرنا إلى مؤهلات يسوع للمُلك. لننتقل إلى الطرق التي من خلالها تمّم يسوع وظيفة الخدمة المَلَكية.
لقراءة هذه السلسة من المقالات (الجزء الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع، الثامن، التاسع)
هذه المقالة مُصرح بإعادة نشرها من موقع thirdmill.org