
طبيعة المسيح >
كيف مارس يسوع وظيفة الملك؟ (ج8)
خدمة الألفية الثالثة
2/7/21 - ٥ دقيقة قراءة
التطبيق المعاصر
في الوقت الذي توجد طرق عدة تصف النتائج العصرية لمُلك يسوع، فقد يساعدنا النموذج في سؤال وجواب كتاب التعليم الديني الوستمنستري القصير وفي الإجابة رقم 26 عن السؤال:
كيف مارس يسوع وظيفة الملك؟
يجيب كتاب التعليم الديني:
يمارس المسيح وظيفة الملك، عن طريق إخضاعنا لذاته، في مُلكه علينا ودفاعه عنا، وعن طريق قمعه أعداءنا وأعداءه وغلبتهم.
وهذه الإجابة تصف الطرق التي من خلالها يؤثر مُلك يسوع في حياتنا، من خلال ثلاثة مجالات تقليدية من اللاهوت النظامي. ِأولاً، يسوع يخُضعنا لنفسه، أي أنه يدخلنا ملكوته، بحيث لا نعود أعداءه بل مواطنيه المحبوبين. ثانياً، هو يوجّه ملكوته من خلال مُلكه علينا ودفاعه عنا. وثالثاً هو يقمع وينتصر على كل أعدائه وأعدائنا في النهاية.
متبعين تشديد كتاب التعليم الديني الوستمنستري القصير، سنبحث في التطبيق المعاصر لوظيفة المسيح كملك على ثلاثة أقسام:
أولاً، في أن يسوع بنى ملكوته.
ثانياً، في أنه يحكم شعبه.
وثالثاً، في الطريقة التي غلب بها أعداءه.
بنى ملكوته
نتأمل الآن في كيف بنى يسوع ملكوته من ثلاث زوايا: الأولى، الهدف من عمله؛ الثانية، ظهور ملكوته في العالم؛ الثالثة، الطرق التي يستخدمها يسوع ليبني ملكوته. لنبدأ بالهدف من عمل يسوع.
الهدف
يعلّم الكِتاب المُقدَّس أن الله خطط أن يحوّل العالم كله إلى ملكوته الأرضي، بحيث يعكس حكمه على الأرض حكمه في السماء. ونرى هذا في مواضع مثل متى 6: 10، حيث علّمنا يسوع أن نصلي ليأتي ملكوت الله، ولتكن مشيئته على الأرض بالطريقة ذاتها التي هي في السماء. ونرى ذلك في صورة السماء الجديدة والأرض الجديدة الموصوفتين في رؤيا 21: 22. من هنا كان هدف بناء ملكوت يسوع على نطاق واسع هو تحويل العالم إلى ملكوت الله الأرضي، ليكون ملائماً ليسكنه ويعيش فيه الموالون له تماماً.
لكن إن كان الهدف بالنسبة لله أن يكون له ملكوت أرضي، فما هو الدور الذي يلعبه يسوع؟ في الحقيقة، على الرغم من كون الله هو الملك الأعلى على كل الخليقة، فقد عيّن يسوع ليحكمه بطريقة أكثر مباشرة، بحيث يمكن أن ندعو ملكوت الله بحق ملكوت يسوع. والله بهذا الشأن هو مثل ملك سيد في الشرق الأدنى القديم، ويسوع هو الملك الخادم. ولأن يسوع يريد أن يرضي سيده، كرّس نفسه لإتمام هدف الله. استمع إلى الطريقة التي يصف بها بولس خضوع يسوع لله الاب في 1 كورنثوس 15: 24 و28:
وَبَعْدَ ذلِكَ النِّهَايَةُ، مَتَى سَلَّمَ الْمُلْكَ للهِ الآبِ، مَتَى أَبْطَلَ كُلَّ رِيَاسَةٍ وَكُلَّ سُلْطَانٍ وَكُلَّ قُوَّةٍ ... وَمَتَى أُخْضِعَ لَهُ الْكُلُّ، فَحِينَئِذٍ الابْنُ نَفْسُهُ أَيْضاً سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ، كَيْ يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ. (1 كورنثوس 15: 24 و28)
وكالملك الأعلى الخاضع لله، ليسوع السلطان على كل مملكة الله، وحتى على الخليقة. وهو يستخدم هذا السلطان ليُخضع كل من يقاوم الله، وليُخضع كل شيء لله، ليتمّم مقاصد الله لخليقته.
لكن ما الذي يعنيه هذا الهدف بالنسبة لنا؟ كيف يجب أن يتجاوب المسيحيون في عصرنا مع هذه الفكرة بأن هدف يسوع هو أن يتحوّل العالم كله إلى ملكوت الله؟ ببساطة نُجيب أنه يجب أن نجعل ملكوت الله الهدف الرئيسي لحياتنا، أيضاً. أياً تكن أهدافنا الأخرى، تأمين معيشتنا، سد حاجات عائلاتنا، الاهتمام بصحتنا، تحصيل العلم، يجب أن نسعى وراء هذه كلها بطريقة تدعم ملكوت الله. كما علم يسوع في متى 6: 33:
لكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ. (متى 6: 33)
الظهور
لاحظ العديد من اللاهوتيين عبر العصور أنه عندما يتحدث العهد الجديد عن الظهور الحالي لملكوت يسوع، فهو غالباً ما يربط الملكوت بالكنيسة. وهذه العلاقة بين الملكوت والكنيسة موصوفة في عدة أماكن في الكتاب المقدس، بما فيها مقاطع مثل أفسس 1: 19-2: 20؛ ورؤيا 1: 4-6. كمثل واحد، استمع إلى هذا الحديث بين بطرس ويسوع في متى 16: 16-19:
فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ! فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْماً وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضاً: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، فَكُلُّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطاً فِي السَّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلُّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السَّمَاوَاتِ. (متى 16: 16-19)
هذا المقطع يشير على الأقل إلى ثلاثة أمور تربط ملكوت الله بالكنيسة. أولاً قال يسوع: أبني كنيستي. ثم أتبع هذا التصريح بقوله إنه سيعطي بطرس مفاتيح ملكوت السماوات" لاحظ الارتباط هنا: بطرس رسول وجزء من أساس الكنيسة، سيكون له سلطان على ملكوت السماوات.
تفصيل ثان يلقي الضوء على العلاقة بين الملكوت والكنيسة هو حقيقة تطبيق بطرس للقب المسيح على يسوع. فكلمة المسيح تعني الممسوح، وهي إشارة محدّدة إلى حقيقة أن الملوك كانوا يُمسحون بالزيت كعلامة لحقهم بالعرش. من هنا، عن طريق مناداة يسوع بالمسيح، كان بطرس يُعَرِّف عن يسوع بأنه الملك الداودي المتنبئ عنه. ومن خلال دوره كملك كان على يسوع أن يبني كنيسة.
أما التفصيل الثالث في متى 16: 16-19 والذي يشير إلى وجود ارتباط بين الملكوت والكنيسة، هو أن يسوع أراد أن تشترك الكنيسة في الحرب بين الهادِس أو الجحيم وملكوت السماوات.
وكل هذه التفاصيل تشير إلى حقيقة أن كلا من يسوع وبطرس فكرا بالكنيسة والملكوت كمفهومَين مرتبطَين بقوة. لكن على الرغم من الارتباط الوثيق بين الكنيسة والملكوت، فهما ليسا الأمر نفسه تماماً في العهد الجديد. فأكثرية الدارسين يتفقون على أن الملكوت أوسع بكثير من مفهوم الكنيسة.
إنّ العلاقة بين الكنيسة وملكوت الله هي علاقة مثيرة للاهتمام. إنّ ملكوت الله هو الرؤية الأشمل لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه في خضوعٍ طوعي لإرادة الله الكاملة. هي رؤية تمتدّ لتشمل الكون بكامله، وطبعاً كوكبنا والحياة البشرية. إنّه خضوعٌ للملك الذي سيجعل في حياتنا سلاماً لا يوصف يقود إلى تمجيد الله ولفرحنا العظيم. فالكنيسة هي إحدى الأدوات الرئيسية التي اختارها الله مسبقاً لهذه الرؤية الشاملة. ومن المهمّ ألّا نساوي الكنيسة وبالطبع الأنظمة الدينيّة الكنسيّة بالملكوت، فهما ليسا واحداً في الجوهر. لكنّ الأولى هي السبيل إلى الأخير. وينبغي على الكنيسة كذلك، كما المدينة على جبل، أن تتجلّى من خلال حياتها الداخلية وتحرّكاتها الاجتماعيّة، بالأخص التحرّكات التي ستميّز في المستقبل خليقة الله بكاملها في كل الكون. فنحن مدعوون لنكون صورة مصغّرة عن الملكوت ووكلاء للملكوت على حدّ سواء.
د. غلِن سكورجي
إنّ مفهومَ ملكوت الله والكنيسة هما أساسيان لفهم مسيحي كامل للطريقة التي يجب أن نحيا بها في كلّ مراحل حياتنا. واعتقد أنّه من المهمّ أن نميّز بين الاثنين. أعتقد أن الكثير من المسيحيين، بمن فيهم أنا، ظنّوا لسنوات، أنّ الكنيسة هي ذروة الملكوت، وأنّنا نوعاً ما أهمّ ما يحدث في العالم. لكنّ مفهوم الملكوت في كل الكتاب المقدّس هو أوسع من الكنيسة. إذاً الطريقة التي أرى بها هذا هي أنّ الكنيسة جزء المقدمة من الملكوت والقسمٌ التمهيدي منه فقط، إنها المرحلة الآنية من عمل الملكوت الآتي. ولطالما كان ملكوت الله ومُلكه هما الواقع الأساس. الله هو الرب المالك على الكون، على الخليقة كلّها، وعلينا نحن أيضاً. هو ربّ كلّ الشعوب، كلّ الأمم، كلّ الملوك وكلّ القبائل. وهذا ما لا يَعْلَمه الجميع، لكنّه واقعٌ حاصل. إذاً ملكوت الله، مُلك الله، هو موضوعٌ رئيسي في الكتاب المقدّس بكامله. والكنيسة، كما أرجو، هم أولئك الذين يخضعون لربوبية المسيح، الذين اعترفوا بربوبيّته المطلقة وسلّموا أنفسهم له ليكونوا وكلاءه في العالم.
د. بِل يوري
يعلم العهد الجديد أن المرحلة النهائية المجيدة لمُلك الله على الخليقة بدأت مع المجيء الأول ليسوع. ومنذ ذلك الوقت وملكوت الله على الأرض مستمر في النمو وبجعل الكثير من مظاهر الحضارة البشرية يخضع لله. وعندما يعود المسيح، لن تكون هناك أي مقاومة لملكوت الله وسيظهر بالكامل في كل ناحية في الطبيعة والحضارة البشرية.
لكن أين هو دور الكنيسة في مخطط التاريخ هذا؟ في الجوهر، الكنيسة هي قلب ملكوت الله على الأرض في العصر الحالي. ونحن ننذر نفوسنا لندعم نمو ملكوت الله الآن. وعندما يعود يسوع، سنرث بركات الملكوت الكاملة. وحتى ذلك الحين، ننشر إنجيل المسيح عن طريق تعليمنا كل ما أمر به لنتمكن من أن نوصل ملك الله الجلي بأقصى درجة ممكنة إلى كل مجالات المجتمع البشري، قبل رجوع المسيح.
من المهمّ جدّاً أن تعي الكنيسة مكانتها في الملكوت. عندما نذهب لنكون معه في الدهر الآتي، عندما يأتي من جديد، لا أعتقد أنّه سيشار إلينا ككنيسة. أعتقد أنّ ذلك سيكون الملكوت؛ ستزفّ العروس إلى عريسها، هذه الصورة الأخرى المهمّة التي يصفها لنا الكتاب المقدّس. أعتقد لأنّنا ككنيسة ننظر أحياناً إلى أنفسنا نظرة تباهٍ وتعالٍ. نظنّ أنّنا الجواب الوحيد، أو غاية الله الوحيدة. نعم، نحن مهمّون جدّاً. فهو مات من أجل الكنيسة. مات ليقدّم نفسه. لكن مات أيضاً عن العالم. وأنا كعضوٍ في كنيسة يسوع المسيح، أفضّل أن أقول لديّ غاية واحدة وهي أن أكون جسد المسيح. أنا مدعو لأكون يديه، قدميه، ذراعيه، لأكون للعالم تماماً ما كان هو ليكون لو أنّه هنا. هذا أمر الملك لي ولنا ككنيسة. الأمر المحزن هو أنّي أعتقد أنّ الكنيسة تقول أحياناً، حسناً نحن أعلى قمّة في الملكوت، وبالتالي نحن غاية ما أتى ليتمّمه، ولذلك نجلس دون أن نقوم بأي أمرٍ، أو نستمتع بوجوده فحسب إلى أن يأتي مرة أخرى. أظنّ أنّ هذه نظرة خاطئة ويجب أن نعود إلى المسار الصحيح، إلى العمل على جعل أهداف الكنيسة مترابطة مع أهداف ملكوت ربّنا ومخلّصنا.
د. بِل يوري
الطرق
يبني يسوع ملكوته بطريقتين رئيسيتين، وكلتاهما مرتبطتان بالكنيسة: فهو يضم أناساً جدداً إلى الكنيسة ويوسع حدودها الجغرافية. في العهد الجديد بدأ يسوع يجمع أفرادا حوله من شعب إسرائيل بالدرجة الأولى. لكن عند صعوده أوصى الكنيسة أن تبسط ملكوته من اليهودية، إلى السامرة، ثم إلى أقصى الأرض، كما نقرأ في أعمال 1: 6-8. ويسوع يبني ملكوته عن طريق بسط كنيسته لتتضمن الجنس البشري وتغطي العالم بأسره. لكن كيف نحن الكنيسة نتجاوب ونشترك في عمله؟ بصورة عامة، نجد الإجابة في هذه الكلمات من المأمورية العظمى في متى 28: 19-20:
فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. (متى 28: 19-20)
يمكننا أن نرى هنا أن الأساليب الأساسية التي استخدمها يسوع في بناء ملكوته هي التبشير، والمعمودية والتعليم الكتابي. وبدلاً من تنفيذ هذه الأساليب بمفرده، كلّف يسوع الكنيسة للقيام بذلك نيابة عنه. فالتبشير يجلب الناس إلى الإيمان. وبالمعمودية ينضمون الى الكنيسة. والتعليم يساعدهم على النمو بطرق تقوّي الكنيسة وتؤدي إلى المزيد من التوسع.
إنّ التحدي الذي يرد في نهاية الأناجيل هو أنّه ينبغي أن نذهب إلى الأرض كلّها، ونعلن البشارة ونعدّ تلاميذاً. فلغة التلمذة تقتضي أن تكون أكثر من مجرّد متعلّم، أكثر من مجرّد مؤمن، بل إنّها تستلزم أن تكون لك علاقة مع الله. نعم، الله سيعلّمنا. نعم، الله سيقودنا. لكن التحدي الذي نواجهه لإعداد تلاميذ هو أن نحظى بأشخاص يعيشون مدى العمر في حياة تلمذةٍ وعلاقةٍ بالله. ولذلك هم بحاجة ليكونوا مثالاً حسناً، وبالتالي اعتقد أنّ هؤلاء بحاجة لأن يكونوا على علاقة بمؤمنين آخرين بإمكانهم أن يظهروا لهم كيف يحيون حياةً مسيحية فاضلة. ومن الواضح أنّ الأمر يحتاج تعليماً أيضاً. هؤلاء المتتلمذون بحاجة أن يعرفوا ما يطلبه الله من خدّامه وتلاميذه. لكن أظنّ أيضاً أنّهم بحاجة لأن يكونوا جزءاً لا يتجزّأ من الكنيسة، لأنّ هناك وضع الله أنظمة لنمو المؤمنين كمسيحيين، ليستقوا من تعاليم الكنيسة على الدوام، ويستحقّوا أن يكونوا تلاميذه.
د. سايمن فايبرت
بعد أن نظرنا في التطبيقات المعاصرة لفكرة بناء يسوع لملكوته، لننتقل إلى حقيقة أنه يحكم شعبه داخل ذلك الملكوت.
لقراءة هذه السلسة من المقالات (الجزء الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع، الثامن، التاسع)
هذه المقالة مُصرح بإعادة نشرها من موقع thirdmill.org