
طبيعة المسيح >
كيف مارس يسوع وظيفة الملك؟ (ج9)
خدمة الألفية الثالثة
2/15/21 - ٥ دقيقة قراءة
التطبيق المعاصر
يحكم شعبه
سندرس جانبين من الطريقة التي يحكم فيها يسوع شعبه. أولاً، سنركز على حقيقة أنه يحكم عليهم لخيرهم. وثانياً، سنرى أنه يدافع عنهم ضد أعدائهم. لننظر أولاً في كيفية حكم يسوع لشعبه.
يحكم
يركّز حكم يسوع على تأمين خيرنا الأبدي، وتلك البركات التي سنتمتع بها معه إلى الأبد. جميع الذين يأتون إليه ينالون الرحمة والمغفرة، كما نرى في مقاطع مثل يوحنا 6: 35-37، و7: 37، و10: 28-29، وأعمال الرسل 5: 31. وهو يتخذنا كورثة لله، ويشاركنا كل بركات العهد التي نالها من خلال طاعته الكاملة. ونقرأ عن هذه الجوانب من حكم يسوع في أعمال الرسل 13: 34-39، وفي رومية 8: 17 و32، وعبرانيين 2: 13. علاوة على ذلك، هو يمنحنا كل هذه البركات هبات من نعمته، كما نقرأ في إنجيل يوحنا 1: 16، وأفسس 2: 8-9، وأماكن أخرى كثيرة.
كما يوفّر حكم المسيح المحب لنا أيضاً الخير الدنيوي في العالم الحاضر. كما يمنحنا حضوره من خلال الروح القدس، كما نرى في أعمال الرسل 2: 33، غلاطية 4: 6، وفيلبي 1: 19. وهو يعطينا إرشاداً واضحاً في الكتاب المقدس، لنتمكن من أن نخدمه بإخلاص، كما نرى في 1 كورنثوس 9: 21، غلاطية 6: 2، وكولوسي 3: 16. وهو يعيّن قادة في الكنيسة، ويفوّض لهم السلطة والقوة ليخدموا شعبه، كما نقرأ في 1 كورنثوس 12: 28، وأفسس 4: 11-12.
الملك يسوع ليس دكتاتوراً قاسياً؛ هو ملك محب يهتم بنا ويسدّ احتياجاتنا. وحكمه بعيد كل البعد عن أن يكون مصدر إزعاج أو قلق، بل هو بركة مجانية نستفيد منها الآن وتستمر الى الأبد. وتجاوبنا مع هذا الحكم يجب أن يكون واضحاً. فبغرض أن ننال البركات التي أعدّها ملكنا لنا، يجب ان نخضع لحكمه. ويجب أن نكون مطيعين لشريعته، ونثق برحمته وسلطانه، لكي ننتصر على إخفاقاتنا وتحدياتنا. وبالطبع، يجب أن نكون شاكرين له على قيادته ونسبحه على جوده من نحونا.
بعد أن تحدثنا عن نتائج حُكم يسوع على شعبه، لننتقل إلى فكرة أنه يدافع عنهم.
يدافع
هناك طرق عديدة يدافع فيها يسوع عن المؤمنين، لكن من اجل أهدافنا في هذا الدرس سنتناول ثلاثاً منها فقط. أولاً، يدافع يسوع عنا عندما نجرّب لنخطئ.
كملكنا يدافع يسوع عنا في وجه التجربة. على سبيل المثال، هو يحذرنا من التجارب قبل الوقت، كما نقرأ في متى 6: 13، وهو يقوينا لنقاوم الخطيّة، كما نقرأ في عبرانيين 2: 16. وهو يحفظنا من ظروف يمكن أن تسحقنا أو توقعنا في شركها، ضامناً لنا باستمرار طريقة لتجنب التجربة، كما نقرأ في 1 كورنثوس 10: 13 وفي 2 تيموثاوس 4: 18.
ثانياً، عندما نستسلم للتجربة، يحفظنا يسوع من فساد الخطية. إحدى الطرق التي يحفظنا فيها يسوع من فساد الخطية هي عن طريق تأديبنا وتصحيحنا عندما نخطئ، كي لا نصبح عبيدأ للخطيّة. ونجد ذلك في إرميا 46: 28، وعبرانيين 12: 5-11، ورؤيا 3: 19، والعديد من المقاطع الأخرى. وطريقة أخرى يحفظنا فيها من الفساد هي عن طريق ضمان الغفران لنا وتطهيرنا من خطيّتنا عندما نتوب، كما نرى في يوحنا الأولى 1: 9.
ثالثاً، يحفظنا يسوع أيضاً من تُهم الخطيّة. كل المسيحيين معرضون أن يُخطئوا. وعندما يفعلوا الخطيئة، يحاول الشيطان أن يقنع الله أن يدينهم، كما نقرأ في أماكن مثل رؤيا 12: 10. لكن يسوع يدافع عنا ضد تلك التهم، بحيث يحسبنا الله أبراراً بالتمام. ورغم أن الكتاب المقدس يشير غالباً إلى شفاعة المسيح لأجلنا بعلاقتها بوظيفته الكهنوتية، تشير رومية 8: 34 إلى تلك الشفاعة كوجه من أوجه ملكه. وكالملك العظيم الخادم، يدافع يسوع عن شعبه ضد التهم عن طريق تشفعه لأجلهم أمام الله الملك السيد.
ولأن يسوع يدافع عنا بهذه القوة، يمكن أن تكون لنا ثقة عظيمة في معاركنا مع الخطيّة. ونحن إن اعتمدنا على قدرته على مقاومة التجربة، وعلى غفرانه ليطهّرنا من نتائج الخطية، وعلى محاماته عنا ليحفظنا من نتائج الخطية، لا يقدر شيء أن يؤذينا. فيسوع هو الملك المحارب العظيم الذي يقودنا في معركتنا ضد الخطيّة. وحتى إن لم نحارب جيداً، لا يمكننا أن نخسر لأنه لن يدعنا نخسر. وهو سيحفظنا باستمرار ويحمينا، يغفر لنا ويطهّرنا، يدافع عنا ويبرئنا. وفي النهاية، سيجعلنا نختبر بركاته الثابتة في ملكوته الأبدي.
والآن بعد ان نظرنا إلى الطرق التي من خلالها يحكم يسوع على شعبه، غدونا مستعدين أن ننتقل إلى حقيقة أنه يغلب أعداءه أيضاً.
غلب أعداءه
عندما تُنتهك شريعة الله، يتأذى الكثيرون. ونرى ذلك كل يوم تقترف فيه جرائم. فهناك ضحايا تعرضوا للسلب، أو الخداع، أو الاحتيال، أو الضرب، أو الخيانة أو حتى للقتل. وفي لغة الكتاب المقدس، المجرمون الذين ارتكبوا هذه الجرائم جعلوا أنفسهم أعداء لضحاياهم ولله. والردّ الطبيعي للحكومة هي أن تُلقي القبض عليهم وتعاقبهم كمجرمين. فدينونتهم يجب أن تكون عقاباً مناسباً على جرائمهم، وطريقة لحماية ضحاياهم وبقية أفراد المجتمع من المزيد من الجرائم. ويتحدث الكتاب المقدس عن ذلك في مواضع عدة مثل أمثال 20: 8 و25: 5.
وهناك أمر مماثل ينطبق على الدينونة التي يُجريها يسوع. فهو يعاقب أعداءه وأعداءنا بعدالة، ويجعلهم يدفعون عقوبة جرائمهم. لكنه يعاقبهم أيضاً كعمل بركة وإحسان من نحونا، لكي يحمينا من خطيّتهم وعنفهم، ولكي يطهّر العالم الذي صنعه ويحميه من أجلنا. لهذا السبب، إن دينونة الخطاة وهلاكهم هو جزء حاسم من مهمة يسوع في تحويل العالم إلى ملكوت الله الأرضي. ولكي يرضى الله عن العالم ويكون مناسباً لسكناه، ولكي نتمتع نحن ببركاته الأبدية، لا بد أن ينزع فساد الخطيّة بالكامل منه.
كما رأينا سابقاً في هذا الدرس، بدأ يسوع بإنزال الدينونة على العديد من أعدائه وأعدائنا خلال خدمته الأرضية. ومن بين هؤلاء الأعداء الخطيّة، والموت والأرواح الشريرة. وانتصار يسوع على هؤلاء الأعداء مضمون، لكنه لم ينته بعد من معاقبتهم. من هنا، يستمر يسوع في هذا الجيل الحالي بإنزال الدينونة عليهم، وسيتمّم هذه الدينونة فقط عند عودته. وهذه الحقيقة معلنة في بطرس الثانية 2: 4، وفي يهوذا 6، وفي رؤيا 20: 10 و14.
لكن ثمة أعداء ليسوع وكنيسته أيضاً. فكل خاطئ لم يعطِ حياته بعد للمسيح هو مواطن في مملكة إبليس وعدو لله. ويوضح الكِتاب المُقدَّس ذلك في متى 13: 37-43، ولوقا 19: 27، وأفسس 2: 1-3.
في الوقت الحاضر، أنزل يسوع دينونة جزئية ضد بعض هؤلاء الأعداء خلال حياتهم الأرضية، كما حصل لهيرودس عندما ضربه الله بالموت في أعمال 12: 23 لأنه سمح للشعب أن يعاملوه كإله. لكن في القسم الأكبر، يحجم يسوع عن إنزال دينونته ويؤجلها إلى حين عودته.
من الملفت أنّه غالباً ما يُعبَر عن الدينونة المستقبلية كجزء من الأخبار السارة التي يقدّمها العهد الجديد. قد يبدو هذا الأمر كعنصر غريبٍ على هذه الأخبار السارّة. لكن في الحقيقة هو جزءٌ من الأخبار السارة. والسبب لكونه معدوداً ضمن الأخبار السارة، هو أنّه كما أنّ الألم لن يلازمنا إلى الأبد لكنّه سيتحول إلى شفاء، كذلك لن يُسمح للظلم بأن يستمرّ إلى ما لا نهاية، بل الخطأ سوف يصحّح. ثمّة أمر لطالما تاقت إليه قلوبنا جميعاً، هو أنّ الظلم لن يسود، ولن يُغضّ النظر عنه مع مرور الوقت، بل هذا وعد مضمون من الله للذين يتألمون أنّه لن يسمح بذلك. لديهم وكيل للدفاع عنهم، وهم لا يحتاجون لأن يعاقبوا غيرهم تنفيذا للعدالة، أو العمل على تحصيلها بأنفسهم، بل أن يضعوا ثقتهم بقاضٍ أمين سوف ينصفهم. ويجب أن يكونوا واثقين كلّ الثقة.
د. غلِن سكورجي
كان الرسل واضحين بان حكم يسوع كملك يتضمن يوم دينونة مستقبلي، عندما سيقف الجميع ليعطوا حساباً عن موقفهم من حكمه وشريعته. وعقيدة الدينونة في اليوم الأخير مذكورة في أماكن مثل أعمال 17: 31، ورومية 14: 10-12، وعبرانيين 10: 26-31. ويوم الدينونة الآتي هو جزء رئيسي من عمل المسيح كملك لأنه سيحقّق به عدالته على الأشرار، ورحمته نحو المؤمنين، وأمانته نحو الآب وهو يطهّر ملكوته.
على الرغم من أن عقيدة الدينونة الاخيرة قد تكون مرعبة بالنسبة للذين لم يقبلوا المسيح كرب، فهذا ليس أمراً سيئاً. فهذه التحذيرات توفر فرصة بالنسبة لغير المؤمنين ليتوبوا عن خطاياهم وينالوا الغفران والرحمة والنعمة من ملكنا يسوع المسيح. صحيح أنه معبّر عنها بكلمات قاسية، لكنها في جوهرها عروض بالبركة لأولئك الذين يتوبون. في الواقع، هذا هو السبب وراء تضمن الإنجيل تحذيراً بدينونة مستقبلية. على سبيل المثال، نجد ذلك في متى 21: 32-44، وأعمال 17: 30-31.
أعتقد أنّ عدداً كبيراً من المسيحيين يقعون أحياناً في حيرة عندما يتعلّق الأمر بوصف الأخبار السارّة وعرضها في الكتاب المقدّس، والتي تتضمّن أيضاً رسالة واضحة عن العقاب الأبدي المدمّر لغير التائبين، أولئك الذين ليسوا في المسيح، الذين ماتوا في خطاياهم. أظنّ أنّي تفهّمت الأمر أكثر عندما نظر طبيبٌ إلى وجهي وقال، "لقد وجدنا ورماً عندك". في الواقع لا يبدو ذلك خبراً سارّاً، لكنكان ذلك فعلاً خبراً سارّاً. كان خبراً سارّاً لأنّه وجده. وكان خبراً سارّاً لأنّه أعلمني بالأمر. ماذا لو ظنّ أنّه ليس من الجيّد أن يطلعني على الورم الذي وجده عندي؟ ما كان ذلك ليكون عربوناً عن حبّه لي. ولم يكن ذلك لطيفاً. لقد وجد ورماً، وأعلمني بوجوده، "هذه هي الحقيقة، لديك ورمٌ، ومن الممكن أن يكون فتّاكاً. لكن نستطيع أن نفعل شيئاً حيال ذلك". فها هي الأخبار السارّة. إنّ الكتاب، كما تعلم، يعرض بوضوح يوم الحساب الذي سيأتي ويعرض لنا ما ستكون عاقبة الخطيّة. إنّها لأخبار سارّة أن نكون على يقين بالذي سيحصل. أخبارٌ سارّة أيضاً لأنّها تُظهر مجد الله. فلم يقل لنا ثمّة دينونة آتية، وبالمناسبة، لا يستطيع الله شيئاً حيال هذا الأمر، بل قال لنا إن ذلك فيضٌ من برّ الله وعدالته وقداسته. إذاً من الجيّد أنّنا نعلم ذلك لكي نسرع إلى المسيح حتّى نهرب من الهلاك الآتي، من الدينونة الآتية. إنّ الكتاب المقدّس صريحٌ جدّاً حين تأتي إلى الفصول الختاميّة من العهد الجديد في كتاب الرؤيا: حيث نقرأ إنّ مجد الله هو بخلاص المفديين وبالدينونة التي ستأتي على غير التائبين. فحين ننظر في ذلك، يجب أن ندرك أنّ مجد الله يُرى بشكلٍ أساسي وغير محدود عندما يظهر برّه سواء لأولئك الذين في المسيح وقد غفرت خطاياهم في المسيح بالنعمة، دون أي استحقاق، أو للذين ظلّوا حتّى النهاية رافضين له بشدّة. الواقع هو أنّنا بحاجة لندرك ذلك. الإنجيل هو الأخبار السارّة لأنّه أوّلاً يخبرنا عن كيفية الهروب من الهلاك الآتي، وكيف نثق في المسيح ونوجد فيه فتكون لنا الحياة الأبدية. لكنّه أيضاً أخبارٌ سارّة لأنّه ينبغي أن نعلم بقيّة القصّة. ذلك جزءٌ من الإنجيل أيضاً.
د. ألبرت مولر
في الواقع يجب أن يكون تعليم الكتاب المقدس حول الدينونة الأخيرة مشجّعاً للمؤمنين. فهو يؤكد لنا أن ألمنا ليس باطلاً. فكل خطأ سوف يصحح، كما نقرأ في يعقوب 5: 7-8، وفي تسالونيكي الثانية 1: 4-10. فدينونة المسيح هي من دواعي حمدنا، لأنها ستدمّر كل شكل من أشكال الشر، وينتج عنها عالماً طاهراً وكاملاً سنرثه ونعيش فيه إلى الأبد. وكما أعلن الملاك في رؤيا 14: 8:
خَافُوا اللهَ وَأَعْطُوهُ مَجْداً، لأَنَّهُ قَدْ جَاءَتْ سَاعَةُ دَيْنُونَتِهِ، وَاسْجُدُوا لِصَانِعِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَالْبَحْرِ وَيَنَابِيعِ الْمِيَاهِ. (رؤيا 14: 8)
الخاتمة
ناقشنا في هذه السلسلة، وظيفة يسوع كملك. ونظرنا في خلفية العهد القديم لوظيفته من جهة مؤهلاتها ووظائفها، والتوقعات لمستقبلها. كما نظرنا في تتميم كل من هذه النواحي لوظيفة الملك في يسوع. واستكشفنا التطبيق المعاصر لمُلك يسوع من جهة بناء ملكوته، وحكمه على شعبه وانتصاره على أعدائه.
ألقينا في هذه السلسلة نظرة على غنى عقيدة المسيح. ورأينا يسوع كفادٍ عبر التاريخ؛ وتناولنا حياته وخدمته؛ واستكشفنا وظائفه كنبي وكاهن وملك. لكن يجب ألا تبقى معرفتنا بيسوع معرفة نظرية فحسب. بل إذ نتعرف إلى شخصه ونفهم ما أعلنه عن نفسه، يجب أن نحبه ونتبعه طوال عمرنا، ونقتدي به في كل ما نفعله، في بيوتنا وعملنا وكنائسنا.
لقراءة هذه السلسة من المقالات (الجزء الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع، الثامن، التاسع)
هذه المقالة مُصرح بإعادة نشرها من موقع thirdmill.org