هذه السلسلة هي سرد لمناظرة بين د.وليم لين كريج و د.ولبرت يتناقشون حول قضية هل الله وهم ؟
و تقسم كالاتي كلمة يقدمها دكتور وليم لين كريج ثم كلمة يقدمها د.ويلبيرد و بعدها تعليق من الأول ثم تعليق من الثاني ثم فتح باب النقاش بينهم 
هذه المناظرة مقسمة لعدة أجزاء هذا هو الجزء الثالث و هي الكلمة الأفتتاحية لدكتور ولبرت 

كلمة د. ولبرت 

شكرًا جزيلًا. ولكني لست متأكدًا من أني أريد أن أوجه الشكر لمنظم اللقاء من أجل أنه طلب مني أن أقوم بذلك. ويالها من قضية معقدة تعقيدًا شديدًا، ولكن دعوني أفسر لكم لماذا هي بهذا التعقيد. فالغالبية العظمى منكم يؤمنون بوجود الله ومتدينون. وإني لست ضد من يتدينون. بل على العكس من ذلك، اعتقد أن في هذا عون كبير لكم.  ولكني ضد الدين الذي يتطفل على حياة الآخرين. لكني سعيد أنني سأناقش هذا الموضوع، وبعبارة أخرى، وعلى سبيل المثال، إن آمنت أن البويضة المخصبة هي كائن بشري – كما يعتقد في ذلك الكثيرون ممن يعملون في منظماتكم الدينية – هنا سأختلف معكم بشدة، لأن هذا الكلام مجرد لغو لاقيمة له. وهذا أحد موضوعاتي التي أتخصص فيها– البيولوجيا التطورية developmental biology . أو ، كمثال، إذا كنت ممن يعارضون " منع الحمل" لأسباب دينية، ومن ثم،  قد يصير الإيدز أكثر انتشارًا، كما كان من قبل، فسأختلف معك أيضًا.

إذن، أنا لست ضد من يؤمنون بالله. ولكني أعتقد أن هذا الإيمان زائف، وإني لجد حزين، لأني متيقن أنه مهما كانت الحجج التي أسوقها لكم، فليس لدي وهم، بأنه يمكنني أن أقنعكم بتغيير عقولكم.  ذلك أن الإيمان مثله مثل الممتلكات الشخصية لك،  وإني أطرح عليكم سؤالًا: متى تخليت أنت أو زوجتك أو طفلك أو أحد والديك عن اعتقادك الأساسي؟ إنه لمن الصعوبة بمكان أن تفعل ذلك.

ودعني أذَّكرك بقول رائع لريتشارد داوكينز Richard Dawkins والذي سبق ذكره. فقد أشار إلى أنه فيما يتعلق بالحديث عن الله،

فإنه يوجد ذكاء خارق للطبيعة،يفوق البشر، صمم عمدًا هذا الكون وخلقه، وهو خالق كل شئ بما في ذلك نحن. فإن آمنت بذلك - أعرف أن الكثيرين منكم يؤمنون بذلك - ستشعر براحة.

ولذلك، يؤسفني أن أقول لك، أن هذا هو مايفسر إيمانك به، وهذا هو بالحقيقة أصل الدين.ذلك أن أصحاب المعتقدات الدينية يتمتعون بصحة جيدة، لكنهم ليسوا أكثر صحة، فلاتغالي في هذا الأمر. ولكن، وعلى وجه العموم، عليك أن تفعل الأفضل. ولاشك أن الانتماء إلى مجتمع ديني يمنحك مزايا عظيمة. ولا أريد أن أعتبر الدين شيئًا حسنًا دائمًا – ولا أريد أن أنخرط في معارك دينية أو أيٍ من هذا القبيل.
أما النقطة الهامة فهي: أن الدين يقدم لنا تفسيرات لقضايا عميقة جدًا، وهذا هو السبب الرئيسي لوجودنا هنا. 

أما المشكلة فيما يتعلق بالإيمان بالله فهي: أننا نبحث عن دليل على وجوده. ويؤسفني أن أقول لكم، أننا لن نتناقش معكم لاحقًا ( مشيرًا إلى الجمهور)، ولكني سأتناقش معك أنت ( مشيرًا للدكتور كريج)، فلايوجد دليل واحد على وجود الله. وإني لآسف حيال هذا الأمر. والآن، وقبل كل شئ، دعني أذَّكرك بأن كل ثقافة في العالم – مئات منها – لها ألهتها أيًا كانت تلك الآلهة.  أما أنت فترَّكِز على الإله المسيحي، ودعني أتساءل، ما الخطأ في آلهتهم؟ ولماذا تعتقدون أن الهكم – وإني أفترض أنكم جميعًا مسيحيون- أفضل من آلهتهم؟ هناك قصة لطيفة رواها باسكال بوير Pascal Boyer، وهو يعمل في مجالي الدين والأنثربولوجيا. كان يتناول طعام الغداء في جامعة أوكسفورد – أو ربما كامبريدج، وكان مكانًا انجليزيًا أنيقًا -  وأخبرهم عن مجموعة من البشر كان يقوم بدراستهم في أفريقيا الجنوبية، كانوا يؤمنون بأن هناك سحرة يطيرون فوق مقاطعتهم، ويقتلون مواشيهم. فقال رئيس الكلية،

 كيف يعتنق البشر مثل هذه الأفكار الحمقاء؟ أليسهذا أمرًا سخيفًا؟

ولم يكن لدى باسكال الشجاعة أن يخبرهم، أن أولئك الناس كانوا يعلمون الكثير عن المسيحية، ولطالما سألوه،

لماذا يظل المسيحيون يعانون بسبب أن أبويهم الأولين " أدم وحواء" أكلوا بعض الفاكهة؟

لذلك، أرجوكم ألا تعتقدوا أن أفكاركم عن طبيعة الألم والمعاناة تختلف عن أفكار ديانات أخرى في أجزاء مختلفة من العالم.

أما المشكلة الأخرى فتتعلق بالبحث عن أدلة حقيقية تثبت وجود الله- وهنا تثار عدة قضايا: القضية الأولى ، لو كان الله موجودًا، فمن خلقه؟ ولماذا اتخذ الله شكل إنسان؟ أعتقد أنه لو كان هناك إله، فلابد أن يكون أكثر ابتكارًا من أن يكون كواحد مثلنا.

وهل سيعاني الإله الصالح من آلام الظهر؟ وذلك حتى يكون اتخاذه شكل إنساني أمر طبيعي من وجهة نظرنا التاريخية – وسأشرح ذلك بعد هنيهة- أما الاعتقاد بأن الله الذي عمل كل هذه الأشياء كان بشريًا، فهذا يبدو لي أمرًا غريبًا إلى أقصى الحدود. وبالطبع، لاتوجد أدلة على ذلك.

دعني أحاول أن أفسر لك سبب إيمانك بوجود الله ،وأنت لن تحب ذلك على الإطلاق.

أولًا، هذا الإيمان يجعلك تشعر بارتياح، ذلك أن لديك من تصلي له. والأصل التاريخي لهذا يعود حقًا إلى أسلافك القدامى،قبل بضعة ملايين من السنين.حيث بدأ أسلافنا في صناعة الأدوات. وأعتقد أن جميعكم رأيتم تلك الحجارة الصغيرة. لقد صنعوا مالاتقدر الحيوانات أن تعمل مثله. من فضلك، لاتخبرني كم كانت كلابك وقططك ذكية، فهي ليست ذكية بالقدر الذي تظنه. أعلم أن هناك مقالات عديدة تتحدث عن كيف كانت القردة العليا والشمبانزي صانعة أدوات رائعة. نعم كانت قادرة على أخذ عصا والتقاط بعض النمل من على الأشجار. ولكن هذا كان على نطاق محدود جدًا. أما الجنس البشري، فقد بدأ في صناعة الآلة ، ولكي يقوم بهذا، كان ينبغي أن يكون على دراية بمفهوم السبب المادي والنتيجة. أما أنت أيها الإنسان، فلم يجعلك الله إنسانًا بل معتقداتك السببية الخاصة بك هي من فعلت ذلك.فلأن لديك مفهوم السبب والنتيجة، فهذا قادك إلى الآلات والتكنولوجيا ، وهذا ما أدى إلى تطور الجنس البشري. كما قال أحدهم، لكي تعرف الفرق بينك وبين الحيوانات، تخيل أنك ترى الرياح تهب على شجرة ما، ورأيت الفاكهة تتساقط منها. بهذا تكون قد عرفت، أنك لكي تحصل على الفاكهة، كل ماعليك هو أن تهز الشجرة. ونحن نعتقد، أن الحيوان ليس لديه علم بهذا المفهوم، أي أنه لو هز شجرة ستتساقط الفاكهة. ربما تعلم ذلك بالمصادفة، لكنه لن يقوم بذلك بالبداهة. أعلم أنه أمر مثير للجدل، ولكن الحقيقة هي:  مايجعلك إنسانًا هو مفهوم السبب والنتيجة فقط.

وهكذا، عندما حدث ذلك، وليس عليَّ أن أخبركم بفائدة امتلاك الإنسان للآلة، صار كل البشر يعتقدون أن التطور يقوم حقًا على فهم البشر لبعضهم البعض – وإني أعتقد أن الشمبانزي والبابون يفهمون جيدًا مايجري. وإنها بالفعل مجتمع عاقل. وإن كنت تعتقد في أهمية العلاقات الاجتماعية، دعني أطرح سؤالًا عليك: لو كان عليك أن تذهب إلى الأدغال، فماذا تفضل أن تصطحب معك، صديقًا أم فأسًا؟لو كنت مكانك، لأخذت فأسًا. ومع ذلك، فما أن أدرك البشر مفهوم السبب والنتيجة، حتى سعوا لأن يفهموا أشياء أخرى. أرادوا أن يفهموا لماذا تدور الشمس حول الأرض- بالطبع هي ليست كذلك- ولماذا يصيبنا المرض، كما أرادوا أن يفهموا بشكل خاص، لماذا نموت، وواقع الأمر، أرادوا أن يفهموا كل شئ. والسبب الوحيد الذي كانوا يقبلونه قبولًا تامًا، هو السبب الذي يعود إلى إنسان آخر. وهذا هو السبب في أنهم اخترعوا آلهة ذات سمات بشرية. لذا، يؤسفني أن أقول لكم- ولن ينال هذا استحسانكم- إن أصل الدين يأتي من الآلة التي صنعها الإنسان. يأتي من مفهوم السبب والنتيجة.

وأولئك الذين لهم هذا الاعتقاد في الدين، لديهم ميزات عظيمة. وأول ميزة، أنهم لم يعد لديهم قلق تجاه تلك القضايا، مثلهم مثلكم ، ذلك أنكم تعرفون لماذا نحن هنا- فأنتم تؤمنون بأن الله هو من خلقنا هنا. كما أن هذا الإيمان بالله يقدم تفسيرات لسوء الصحة، الموت، وماذا بعد الموت، وكل شئ آخر. كما أن له ميزة أخرى- أنه بإمكانك أن تصلي إلى هذا الإله وتدعوه. كما أن الصلاة تريح الإنسان حتى لو لم تؤدي إلى أية نتيجة، فهي تمنحك شيئًا ما لتقوم به، وبرغم ذلك، اعتقد أن المؤمنين بالله يحيون حياة أفضل. وكم أود أن أناقش بجدية وبشكل مقنع، أنه ليس لديكم "جين إلهي god-gene " في عقولكم، ولكن الميل إلى الإيمان بالله مغروس في الدوائر العصبية للدماغ فينا، وتتحكم فيها جيناتنا.  لذلك، فأن أولئك المتدينون يحيون حياة أفضل.

ودليلي على ذلك مايلي. أولًا: أريد أن أُذَّكركم بأن هناك الكثيرين ممن اجتازوا تجارب دينية روحية بالفعل. وقد كتب رائع لويليام جيمس William James كتاب رائع بعنوانThe Varieties of Religious Experience أشار فيه إلى هذه الحقيقة، وهي حقيقية بالنسبة لهم، مثلها مثل أي شئ حقيقي آخر في حياتهم.هذه بالطبع مجرد أوهام، وهي تكمن في عقل ذلك الإنسان،  ومع ذلك، هي حقيقية بالنسبة له. واسمحوا لي أن أفسر لكم سبب اعتقادي هذا. إن كان لديك- على سبيل المثال- العنصر النشط من الفطر السحري magic mushrooms”“ وقد تم عزله مؤخرًا،ثم أعطيت هذا العنصر النشط لمجموعة من الناس، وخاصة أولئك الذين لديهم ميول دينية، سيختبر الكثيرين منهم فيما بعد بعض الخبرات الدينية وشبه الدينية. وإني أوجه حديثي لكل من اجتاز خبرة باطنية. لن أطلب منكم أن ترفعوا أيايدكم – وسأكون مندهشًا لو أن حوالي 10% منكم لم يمر بتجربة غريبة خارج العالم الحقيقي خلال العام الماضي. وهذا ماتظهره معظم الدراسات الاستقصائية. أرجو أن تسأل نفسك، لو أنك تعاطيت المخدرات المهلوسة ( LSD)، وسمعت ماقاله تيموثي لاري Timothy Leary وآخرين، الذين يدَّعون أن كل منهم يعتقد أنه الله، وأنه الكون ذاته. فلايمكن أن يكون هذا الجُزَيء الخامل هو من أثار هذه المشاعر. بل لابد وأنهم يُنَّشطون هذه الدوائر في دماغك. ويؤسفني أن أخبركم، أن كل البشر لديهم مجموعة قوية من الدوائر الباطنية في الدماغ، وأود أن أجادل، بأن هذا يأتي من حقيقة أن أولئك الذين يؤمنون باللهوالحياة الباطنية، يحيون حياة أفضل من أسلافنا الذين لم يكن لديهم هذا الإيمان.

لذلك أعتقد أن هنا كطريقة واحدة للتفكير في أصل الدين. والأمر ليس سهلًا، أعني، أني لايمكنني أن أضمن لكم كل ما أقوله، ذلك أني أتحدث عن أشياء حدثت قبل عشرات الألاف، بل مئات الألاف من السنين، أو ربما قبل مليون سنة، ولكن على أقل تقدير، أعتقد أنه يجعل القصة معقولة. ذلك اني أعتقد، أنه حين نتحدث عن وجود الله، علينا أن نتساءل مرة ثانية، من الذي خلق الله؟ وهكذا ترى أننا نسعى وراءالنتائج والأسباب– فإن قلت لك :هناك إله، عليك أن تقول: عفوًا، من أين أتى الله؟ وغالبًا مالا أجد إجابة على هذا السؤال: يا الله، من أين أتيت؟ كما أن الله لم يجاوب. ومن الغريب أن يكون الله شبه الإنسان، ليس لديه علة لخلقه.

وحين نأتي إلى الكتاب المقدس أتساءل، هل ينبغي أن أصدق أن هناك امرأة وجِدَت من ضلع آدم؟  كم أنا آسف للغاية،فانا بوصفي متخصص في علم الأحياء التطوري developmental biologist، أريد أن أخبركم بشئ:  مما لاشك فيه أن المرأة كائن فريد، ولكنها لم تأتي من ضلع آدم. ومع ذلك، لاتأتي فرادتها من كونها تشبه ضلع الأصل الذي أتت منه – وهذا مايمكن أن أقوله لكم. وأظن أن عليكم أن تتذكروا-  وهذه نقطة حساسة إلى حد ما – أن مارواه الإنجيل عن يسوع، كُتب بعد موته بحوالي 30- 50 عامًا.  ولايوجد واحد من كتبة الأناجيل، كان شاهدًا بالفعل على الأحداث التي كتبها. وتلك قرائتي لروايات الإنجيل،  من الناحية الأدبية.

وليس عليكم أن تهتموا كثيرًا بشأن الأخلاق. فأنتم ترون كيف أن أفراد الشمبانزي يتسمون بالشفقة تجاه بعضهم البعض.  وهم متعاونون فيما بينهم، وكذا الغوريلا أيضًا. وأنت لست في حاجة أن تمتلك حاسة خلقية كالتي لدى الكائنات الخارقة، والتي لانفهم كيف خُلقت.

وقد لاحظ التطوريون هذا الأمر بوضوح تام، أناس مثل تريفرز وهاملتونTrivers and Hamilton، وأشاروا إلى أن برنامج الجينات الخاص بنا، يعمل بشكل جيد ، وبشكل خاص في أولئك الذين لهم مثل جيناتنا. وهذا بدوره دليل على أن الجنس البشري يسلك سلوكًا جيدًا. وإن أحسنت لي أحسنت لك وإن أسأت لي فسأكون ضدك. وهذا ببساطة يقود إلى موقف أخلاقي معقول جدًا. فإن تأملت في كل التعقيدات المحيطة بالحياة، وإني أعني أن أصل الحياة لهو قضية دقيقة ومعقدة، ولكن، هل كانت نظرية التطور بارعة جدًا في سبر أغوار أصل الحياة- لا ، لم تكن كذلك، بل كانت غامضة ، حتى أنها لم تستطع أن تفسر الأمر بشكل واضح، ولكنها حققت نتائج بارزة. وإن المصادفة والاختيار يمكنها أن تقودك إلى مواقف استثنائية. والوقت غير مناسب لكي أقدم لكم محاضرة عن التطور. ولكن عليكم أن تتذكروا أن التطور يحدث ببطئ شديد.  أعتقد أن أي شخص يعتقد أن الله هو من خلقكم، فماذا عن كل هذا التطور؟ وأنتم لاتعتقدون أنكم انحدرتم من القردة؟ فقط إلق نظرة على أصدقائك، ألا يشبهون القردة إلى حد ما؟ وأنتم بالطبع تعلمون ما أقصده. عليك أن تكون غبي أو أبله لكي تفكر هكذا.

أما الآن، دعوني ألخص الأمر مرة أخرى:

ببساطة، أعتقد أنه لايوجد دليل على وجود الله. نعم، يوجد بعض البراهين على وجود الله في الكتاب المقدس ،  فهل يمكنك أن تخبرني بما فعله الله في الألفي عامًا الأخيرة؟ كان البعض يتمتم، والبعض يتلعثم، لكنني لم أحصل على إجابة على وجه الإطلاق.

لقراءة الجزء: الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع،  الثامن