هذه السلسلة هي سرد لمناظرة بين د.وليم لين كريج و د.ولبرت يتناقشون حول قضية هل الله وهم ؟
و تقسم كالاتي كلمة يقدمها دكتور وليم لين كريج ثم كلمة يقدمها د.ويلبيرد و بعدها تعليق من الأول ثم تعليق من الثاني ثم فتح باب النقاش بينهم 
هذه المناظرة مقسمة لعدة أجزاء هذا هو الجزء الرابع و هو تعليق دكتور كريج على الكلمة الأفتتاحية لدكتور ولبرت

من خلق الله؟

د. وليام لين كريج

تتذكر ياسيدي في حديثي الافتتاحي أني قلت: سأدافع عن فكرتين أساسيتين في نقاش الليلة. الأولى، ليس هناك سبب وجيه يجعل الاعتقاد في وجود الله اعتقاد زائف. والآن، وبينما كنت استمع لحديث البروفيسور "ولبرت"، استطعت أن أميز ثلاث حجج رئيسية، قدمها ليبرهن أن الاعتقاد بالله ماهو إلا وهم.

الحجة الأولى، أن الناس يتدينون لا لشئ إلا لأنهم يشعرون بالراحة من جراء ذلك، أو لأن مفهوم " السببية causality  " هو من يقودهم إلى الإيمان بوجود الله، وأن هذا أمر متأصل في دماغ كل منهم ولايمكن تغييره أو تعديله. والمشكلة في مثل هذه الحجج هي، إن قلت أن الإيمان بالله يحدث لهذا السبب، ولذلك فهو مجرد وهم، تكون قد ارتكبت مغالطة منطقية أولية، معروفة لكل طالب فلسفة باسم " المغالطة الجينية genetic fallacy" وهي مغالطة تحاول أن تضعف وجهة النظر الأخرى، بأن تبين كيف نشأت وجهة النظر هذه.

وحقيقة أن الناس تؤمن لمجرد أنها تشعر بالراحه حيال ذلك، أو لأن مفهوم السببية يقودهم إلى الإيمان، أو لأن عقولهم مبرمجة لتقبل ذلك، أقول، إن كل هذا لايبرهن أن تلك المعتقدات زائفة، وهو مايحاول أن يثبته ليبين أن الإيمان بالله مجرد وهم.  وعلى سبيل المثال، أثبت علماء النفس أن الأطفال لديهم استعداد داخلي للاعتقاد بأنه حين يرون شئ يختفي خلف حاجز ما، ثم يظهر مرة أخرى، أن هذا الشئ لايزال موجودًا رغم اختفائه عن الأنظار. على الرغم من أنها لاتختفي من الوجود ثم تعاود الظهور. إنه اعتقاد راسخ لدى الأطفال، وأعتقد أن أيًا منا لن يقول أن هذا معتقد زائف. والحقيقة هي أن بعض الدراسات النفسية الخاصة بالأطفال أشارت إلى أن لدى الأطفال هذا المعتقد الغريزي في وجود الله، وإني أميل إلى اعتبار هذا تدبير إلهي. أما المتشككون من أمثال د.ولبرت، فيعتقدون أن هذا مجرد وهم. ولكن، إذا كان له أن يبرر موقفه، فهو مدين لنا ببعض الحجج ليبين لنا أن هذا المعتقد زائف. وإلا يكون قد ارتكب مغالطة جينية. لذا، فإن القضية التي أمامنا في مناظرة الليلة ليست في كيفية نشأة المعتقد الديني، ولكن قضيتنا هي ،ما إذا كانت هذه المعتقدات صحيحة أم خاطئة.

كما يعطينا د. ولبرت حجة تهدف إلى إثبات أن الله غير موجود،  ولايوجد دليل على وجوده. حسنًا، وبكل صراحة، تلك حجة واهية، لأنه وبحسب تعبير أحد علماء الطب الشرعي، والذي قابلته ذات مرة في استراليا، إن غياب الدليل، ليس دليلًا على عدم وجوده.  ذلك أن عدم وجود دليل على أن الخادم هو القاتل، ليس معناه أن الخادم ليس هو القاتل. أو لنعطي مثالًا علميًا، حتى الآن، ليس لدينا دليل على عصر تضخم مبكر في أصل الكون، ولكن لنتذكر ماقاله عالم الكوزمولوجيا " علم الكون" : فعدم وجود أي دليل على ذلك لايعني أنه غير موجود. كما أن غياب الدليل، ليس دليل على عدم وجوده. كم يحتاج د. ولبرت أن يقدم حجة إيجابية ضد وجود الله.

والآن لنذهب إلى حجته الثالثة التي قدمها لنا، وكانت تدور حول السؤال البسيط: " من خلق الله؟ " حسنًا، وليس من الصعوبة بمكان أن نجيب على هذا التساؤل. ذلك أنه لايمكن أن توجد علة لوجود أبدي سرمدي. كما أشار كيث وارد Keith Ward في كتابه  " الله، الصدفة والضرورة God, Chance, and Necessityحيث قال:

 إذا سأل أحدهم، ما علة وجود الله، فإن الإجابة هي، لايمكن لشئ أن يكون علة وجود حقيقة متسامية تمامًا ومتجاوزة للزمكان " الزمان والمكان "، والتي هي موجودة بذاتها.... وعدم فهم هذه الفكرة يعنى عدم فهم ماهو الله 1

وعلاوة على ماتقدم،قدمت حجة تثبت أن هناك مثل هذا الوجود، أقصد، حجتي الأولى والتي ارتكزت على بداية الكون. وهي تقودنا إلى التسليم بأن هناك وجودًا أبديًا أزليًا، غير معلول، لا مادي، غير محدود. لذا، فكل حججه التي قدمها لنفي وجود الله هي حجج واهية. فإذا تمسك برأيه مؤكدًا أن الاعتقاد بوجود الله ماهو إلا وهم ، إذن، علينا أن نرى حججًا أفضل لصالح هذا الرأي.

وماذا عن الحجة التي قدمتها؟ لقد ارتكزت حجتي على أصل الكون بغض النظر عن السؤال: " من خلق الله؟ " ولم أتلق أي رد على هذه الحجة في حديثه الأول. وماذا عن الحجة المبنية على الضبط الدقيق للكون؟ ومرة أخرى لم أتلق إجابة على هذه الحجة أيضًا، لكن، دعوني أعزز هذه الحجة والتعامل مع اعتراض محتمل كثيرًا ماينهض. وكثيرًا ما سيقول الناس، ربما كان كوننا مجرد واحد من عددٍ لامتناه من أكوانٍ موازية – نوع من مجموعة عالمية – وقد وجِدنا بمحض الصدفة في مكان ما من هذه المجموعة، ولذلك، لاينبغي أن نتعجب من الضبط الدقيق للكون. وقد أشار روجربينروسRoger Penrose من جامعة أكسفورد إلى أن هذا الاعتراض ضعيف . فلو كان كوننا مجرد جزء عشوائي من مجموعة عالمية من العوالم العشوائية، إذن، هو بعيد، وربما بعيد جدًا، حتى أننا نلاحظ كونًا مختلفًا اختلافًا كبيرًا عما نراه.

وعلى سبيل المثال، إن فرص تشكيل نظامنا الشمسي بشكلٍ آني عن طريق اصطدام عشوائي للجسيمات هو 1 من (60)10 .  وهذا رقم كبير لايمكن تصوره. ولكن، بينروس يرى أنه صغيرحتى أنه لايمكن فهمه، وأنه أصغر من لا احتماليةأن المستوى المنخفض  لمعدل التعادل الحراري" الانتروبيا entropy " لهذا الكون، والذي هو في حد ذاته مضبوطًا ضبطًا دقيقًا من أجل وجودنا، يجب أن يوجد بالمصادفة. 2 لذلك، لو كنا مجرد جزء من مجموعة كونية عشوائية، لكان علينا ملاحظة أن هذا الكون متناه في الصغر. وحقيقة أننا لسنا كذلك، تضحد فرضية "المجموعة العالمية" بقوة، والتي تفترض أننا  لسنا موجودين هنا بالمصادفة، بل كما قلت، وفقًا لتصميم دقيق.

أما حجتي الثالثة،فترتكز على القيم الأخلاقية في العالم. تتذكر أني ناقشت فكرة أنه إذا لم يكن هناك إله، فلاوجود لقيم أخلاقية موضوعية. وكثيرون من الملحدين يوافقون على هذا الرأي. وعلى سبيل المثال، ريتشارد داوكنز، والذي اقتبس د.ولبرت من كتابه الحديث متفقًا معه في قوله:

 في واقع الأمر، لايوجد هناك تصميم أو غاية ، ولا خير أو شر، لايوجد إلا اللامبالاة العديمة الجدوى... نحن آلات لصنع الحمض النووي...  وهذا هو السبب الوحيد لوجود أي كائن حي. 3

والمشكلة تكمن في أن هناك تناقضات في أقوال د. ولبرت بشأن القيم الأخلاقية، وعلى سبيل االمثال قوله،

على الدين ألا يتدخل في حياة الآخرين

، وهذا حكم أخلاقي من جانبه. لذا يبدو لي أنه وقع في تناقض. من جهة، أنكر وجود قيم أخلاقية موضوعية، وذلك من منظور تطوري إلحادي، لكنه، من جهة أخرى، اتفق معي وأعتقد مع الكثيرين منا، أن هناك قيم أخلاقية موضوعية.فتعذيب طفلٍ من أجل المتعة، هو خطأ أخلاقي موضوعي. وإن وافقت على ذلك، أعتقد أن هذا يعني، أنك ستتفق معي على وجود الله.

رابعًا،تحدثت عن برهان قيامة المسيح من بين الأموات. وكان رد د. ولبرت على برهاني، أن أثار موضوع القبر الفارغ، ظهورات المسيح بعد القيامة وأصل الإيمان المسيحي، وذلك بقوله: إن الأناجيل كُتبت في وقت متأخر، ولا تستند على شهادة شهود العيان. أخشى أن يكون قد اختلط عليه الأمر. وقد استعرضت مجلة "الأكاديمية الدينية الأمريكية" كتاب نشأة المسيحية      The Birth of Christianityحيثكتب المعلق:

على الأرجح، ومن وجهة نظري، أن ماكُتب بخصوص آلام المسيح، كُتب في وقت مبكر، وبناء على شهود عيان. 4

في كتابه قيامة ابن الله Resurrection of the Son of God وصل ن.ت. رايت إلى نتيجة مفادها، أنه فيما يتعلق بالقبر الفارغ وظهورات المسيح بعد القيامة، فإن احتمالات حدوث هذه الأحداث تاريخيًا كانت عالية جدًا، بل هي" أحداث مؤكدة الحدوث "، مثلها مثل أحداث أخرى كموت أغسطس قيصر عام 14 م، أو خراب أورشليم عام 70 م" 5 وتلك هي الحقائق.أما السؤال الحقيقي فهو: كيف يمكنك تفسيرها بشكل أفضل؟ ولم أعرف قط تفسيرات واقعية لتلك الحقائق أكثر احتمالًا وقبولًا من قيامة يسوع.

أخيرًا،ماذا عن حجتي التي طرحتها بشأن الاختبار الشخصي لوجود الله. والتي رد عليها د. ولبرت بقوله، حسنًا، هناك أنواع مختلفة من الخبرات الدينية. وهو محق في ذلك. وأود أن أقول: إن الشخص له ما يبرر به اعتقاده في  صدق خبراته الدينية مالم يكن لديه سببًا للاعتقاد أن تلك الخبرات مجرد وهم. ومشكلتنا في مناظرة الليلة، أننا لم نسمع أية أسباب وجيهة تدل على أن ذلك الاعتقاد مجرد وهم.

لذا يبدو لي أني أؤمن بوجود الله إيمانًا متعقلًا بناءً على اختباري الشخصي معه، إلا إذا كان بإمكان د. ولبرت أن يعطيني أسبابًا وجيهة تثبت أن اختباري لوجود الله مجرد وهم. لي اختباري مع الله، ولا أجد سببًا يدعوني أن أتشكك في حقيقة هذا الاختبار. لذلك، الاعتقاد في وجود الله، اعتقاد منطقي مثله مثل الاعتقاد في وجود العالم الخارجي، أو الاعتقاد في حقيقة أحداث الماضي، وذلك إلى أن يقدم لنا أحدهم حججًا دامغة ضد هذا الاعتقاد.

وهكذا فإني أعتقد أننا في مناظرة الليلة لم نحصل على أسباب وجيهة تجعلنا نفكر أن الاعتقاد في وجود الله مجرد وهم. ولم نسمع سوى " مغالطة جينية genetic fallacy"،وأمورًا  أخرى مضللة وحججًا واهية. ومن جهة أخرى، أعتقد أننا حصلنا على خمسة أسباب وجيهة، تشير كلها إلى وجود خالق متعال، ومصمم للكون، والذي هو مركز القيمة المطلقة، والذي أعلن نفسه في شخص يسوع الناصري، والذي يمكنك أن تتعَّرف عليه وتختبره في حياتك.

لقراءة الجزء: الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع،  الثامن

 

المراجع
  • 1Keith Ward, God, Chance and Necessity (Oxford: Oneworld Publications, 1996), p. 59.
  • 2Penrose calls it “utter chicken feed” by comparison. See Roger Penrose, The Road to Reality (New York: Alfred A. Knopf, 2005), pp. 762-765.
  • 3Richard Dawkins, Unweaving the Rainbow (London: Allen Lane, 1998), cited in Lewis Wolpert, Six Impossible Things before Breakfast (London: Faber and Faber, 2006), p. 215.
  • 4Powell, Mark Allen. Critical notice of The Birth of Christianity, by John Dominic Crossan, Journal of the American Academy of Religion 68 (2000), pp. 169-171.
  • 5N. T. Wright, Christian Origins and the Question of God, III: The Resurrection of the Son of God (Minneapolis: Fortress Press, 2003), p. 710.