هذه السلسلة هي سرد لمناظرة بين د.وليم لين كريج و د.ويلبيرد يتناقشون حول قضية هل الله وهم ؟
و تقسم كالاتي كلمة يقدمها دكتور وليم لين كريج ثم كلمة يقدمها د.ويلبيرد و بعدها تعليق من الأول ثم تعليق من الثاني ثم فتح باب النقاش بينهم 
هذه المناظرة مقسمة لعدة أجزاء هذا هو الجزء الأول منها وهي الكلمة الأفتتاحية لدكتور كريج . 

الكلمة الافتتاحية لدكتور كريج

فيما يتعلق بالسؤال، " هل الله وهم؟"، يتوجب علينا وقبل كل شئ أن نقوم بتعريف المصطلح. ذلك أن تعريف القاموس لكلمة " وهم" هو : اعتقاد أو رأي كاذب.  وبناء عليه، إذا كان بروفيسور "ولبرت" يريد أن يقنعنا بأن الاعتقاد في وجود إله هو مجرد وهم، فعليه أن يثبت لنا أنه اعتقاد كاذب.  لذلك، في مناظرة اليوم، سأدافع عن نقطتين أساسيتين. الأولى، ليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن الإيمان بالله هو اعتقاد كاذب. والنقطة الثانية، هناك أسباب وجيهة تجعل الإيمان بالله اعتقادًا صحيحًا.

وفيما يتعلق بالزعم الأول، أي أنه لايوجد سبب وجيه للاعتقاد في أن الإيمان بالله ماهو إلا اعتقاد كاذب. فإني سأتركه لدكتور ولبرت، وعليه أن يقدم حججة ضد وجود الله، ثم أقوم بتفنيدها في حديثى التالي. ولكن أود أن أشير ببساطة إلى أنه، إذا كان له أن يبرر إجابته على السؤال المطروح أمامنا في هذه الليلة،  فبهذا يصير مدين لنا بهذه الحجج.

ودعنا الآن نذهب للزعم الرئيسي الثاني الذي طرحته، من أن هناك أسباب وجيهة تجعل من الإيمان بالله اعتقادًا صحيحًا. وعلى الرغم من أنها قد تبدو غير عصرية ، إلا أنني أؤمن بأن هناك أسباب وجيهة للاعتقاد بوجود الله. واسمحوا لي أن أطرح أسبابي هذه عليكم باختصار في هذه الليلة.

السبب الأول:

الله هو أفضل تفسير لأصل الكون. فهل تساءلت يومًا من أين جاء العالم؟ ولماذا يوجد شئ بدلًا من اللاشئ؟ يقول الملحدون: إن الكون أبدي وغير مخلوق. ولكن هناك أسباب وجيهة، منها ماهو فلسفي ومنها ماهو علمي، تجعلنا لانوافق على هذا الأمر:

فلسفيًا، تبدو فكرة الماضي اللا متناهي فكرة سخيفة. وإذا لم يكن للكون بداية، فهذا يعني أن عدد الأحداث الماضية في تاريخ الكون لامتناه أيضًا. أما علماء الرياضيات، فيدركون أن وجود عدد لامتناه من الأشياء يؤدي إلى تناقضات ذاتية. وعلى سبيل المثال، مانتيجة حاصل طرح لا متناه من لا متناه؟ حسابيًا، ستحصل على إجابات متناقضة ذاتيًا. وهذا يوضح لنا، أن اللانهاية مجرد فكرة في عقلك وليست شيئًا يوجد في الواقع؟ كتب دافيد هيلبرت David Hilbert أعظم علماء الرياضة في القرن العشرين:

 لاتوجد اللانهاية في أي مكان على أرض الواقع. فلا مكان لها في الطبيعة، ولاتوفر أي أساس حقيقي للتفكير العقلاني...... أما الدور الذي مازالت اللانهاية تلعبه، ماهو إلا مجرد فكرة... 1

وحيث أن أحداث الماضي هي أحداث حقيقية وليست مجرد أفكار، إذن،لابد وأن تكون أحداث الماضي متناهية من جهة العدد. لذلك، لايمكن أن نعود بسلسلة أحداث الماضي إلى الوراء هكذا إلى مالانهاية.  بل وعلى العكس من ذلك، فإنه لابد وأن للكون بداية. وقد تأكد هذا الاستنتاج من خلال الاكتشافات الرائعة في علم الفلك والفيزياء الفلكية. وفي واحدة من أكثر تطورات العلم الحديث إثارة للدهشة، لدينا الآن أدلة قوية على أن الكون ليس أزليًا، بل بدأ قبل حوالي 13 بليون سنة بحادث كارثي يُعرف باسم " الانفجار العظيم  Big Bang"، وترجع أهمية هذه الحادثة إلى أنها تصَوِّر لنا كيف بدأ الكون من لاشئ بالمعنى الحرفي للكلمة. وقد أوضح الفيزيائي " P. C. W. Davies" هذا الأمر قائلًا:

إن بداية وجود الكون، كما ناقشها العلم الحديث.. ليست مجرد مسألة تنظيم لأشياء كانت متنافره قبلًا، بل هي – حرفيًا- وجود للأشياء المادية من العدم. 2

لذلك، فإن الانفجار العظيم يحدد لنا أصل المادة والطاقة في الكون، وليس ذلك فقط، بل الفضاء الفيزيائي والزمن أيضًا.

وبطبيعة الحال، وعلى مر السنين، وضعت نظريات بديلة، في محاولة لتجنب وجود بداية للكون، تلك التي تنبأت عنها نظرية النموذج المعياري*. ولكن أيًا منها لم تستطع أن تفرض نفسها على المجتمع العلمي كنظرية جديرة بالثقة بديلًا عن الانفجار الكبير.  وفي حقيقة الأمر، في العام 2003، تمكن كل من، أرفيندبورد، آلانغوثوألكسندرفيلنكين من إثبات أن

أي كونٍ، كان في حالة توسع كوني ، لايمكن أن يكون أزليًا، بل لابد وأن له بداية مطلقة 3 .

وبنبرة جادة يقول فيلينكن Vilenkin،" قيل أن الحُجة هي مايقتنع بها الرجال المنطقيون، أما الدليل، فهو مايلزم لإقناع حتى غير المنطقيين، ولم يعد لعلماء الكوزمولوجي " علم الكون" أن يختبؤا خلف احتمالية أن يكون الكون أزليًا. وأين المفر؟ فلامهرب من ذلك، وعليهم أن يواجهوا مشكلة بداية الكون. 4

وقد عالج انتوني كيني Anthony Kenny من جامعة أكسفورد هذه القضية بشكل رائع، كتب يقول:

على كل من يؤيد نظرية الانفجار العظيم، وعلى الأقل لو كان ملحدًا، أن يعلم تمام العلم، أن الكون جاء من العدم، ووجد من لاشئ. 5

وبالتأكيد، لامعنى لهذا، فلا يأتي شئ من لاشئ. وهذه النتيجة بحسب قول فيلسوف العلم برنولفكانيتشيدر BernulfKanitscheider: تتعارض بشكل مباشر مع أقصى الإبداعات التي توصل إليها  علم الوجود ontology " الناجحة في تاريخ العلم" 6 أقصد المبدأ القائل :

إنه لايمكن لشئ أن يخرج من لاشئ

، لذلك، لماذا يوجد الكون بدلًا من لاشئ فحسب؟ ومن أين جاء؟ لابد وأن للكون علة وجود متعاليه ومتسامية. ويمكننا أن نلخص حجتنا حتى الآن على النحوالتالي:

1- كل  مايبدأ في الوجود له علة وجود.

2- هناك بداية للكون

3- إذن، للكون علة وجود.

وبوصفه علة وجود الزمان والمكان، فلابد أن يكون هو ذاته العلة غير المعلولة، أي أن هذا الكائن " علة الوجود" لابد وأن يكون غير مخلوق، أزلي، غير محدود، لا مادي وهو قدرة لايمكن سبر أغوارها. وعلاوة على ذلك، لابد وأن تكون تلك القوة قوة شخصية أيضًا. لماذا؟

أولًا وقبل كل شيء، لأن هذا الحدث يجب أن يكون خارج المكان والزمان. ولذلك، لايمكن أن يكون علة الوجود مادة أو جسد. وهكذا، لايوجد إلا نوعان من الأشياء التي تناسب هذا الوصف: إما أشياء مجردة مثل ، الأرقام والعقل الذكي. ولكن الأشياء المجردة لايمكنها أن تكون علة وجود شئ. لذلك، يتبع هذا، أن علة وجود الكون هي علة شخصية، عقل متجاوز " متسامي".

 ثانيًا: كيف يمكن لعلة أزلية أن تمنح الوجود لشئ زماني زائل مثل الكون؟ وإذا كانت علة الوجود مجموعة غير شخصية من الشروط الضرورية والكافية ، فلايمكن للعلة أن توجد دون تأثيرها. وإن كانت علة الوجود حاضرة على الدوام، فلابد وأن يكون تأثيرها حاضرًا على الدوام أيضًا. والسبيل الوحيد لأن تكون علة الوجود أزلية، وأن يبدأ تأثيرها في الوقت المناسب هو، أن تكون العلة قوة شخصية، لها مطلق الحرية أن تختار أن تُنشئ حدثًا في الوقت المناسب دون أية شروط مسبقة. لذلك، لانتحدث عن علة وجود للكون متجاوزة " متسامية" فحسب، بل نتحدث عن خالق شخصي للكون.

السبب الثاني :

الله هو أفضل تفسير للضبط الدقيق للكون، من أجل حياة ذكية. وفي العقود الأخيرة، دُهِش العلماء حين أكتشفوا أن الشروط الأولية لحدوث الانفجار العظيم كانت مضبوطة ضبطًا دقيقًا بحيث ينتج عنه وجود حياة ذكية،وكم يعجز الإنسان عن فهمها. وهناك نوعان من الضبط الدقيق للكون، الأول، حين تُعَّبر نواميس الطبيعة عن نفسها تعبيرًا رياضيًا  mathematical ، فأنت تجد فيها ثوابت بعينها، وعلى سبيل المثال، ثابت الجاذبيةgravitational constant، وهذه الثوابت لاتحددها نواميس الطبيعة والتي بدورها تتناغم مع مجموعة هائلة من القيم التي لتلك الثوابت. أما النوع الثاني، وبالإضافة إلى تلك الثوابت،  هناك مقادير معينة، تقديرية، وهي بمثابة ظروف أولية، تعمل من خلالها نواميس الطبيعة، وعلى سبيل المثال، درجة التعادل الحراري " الإنتروبيا" entropy ، أو درجة التوازن مابين المادة وماضد المادة في الكون.
كل هذه الثوابت والمقادير تقع في نطاق ضيق بما يسمح بوجود الحياة. ولو حدث أدنى تغيير في هذه الثوابت والمقادير ولو قيد أنملة، سيؤدي ذلك إلى انهيار التوازن اللازم لاستمرار الحياة، بل ربما يؤدي ذلك إلى عدم وجود الحياة.  وعلى سبيل المثال، إذا حدث تغير في القوى الذرية الضعيفة أو قوة الجاذبية بمقدار أقل من جزء من 10100 ، فلن تكون هناك حياة في الكون. كما أن هناك ثلاثة تفاسير محتملة لهذا الضبط الفائق الدقة: الضرورة الفيزيائية، الصدفة أو التصميم.  ولايمكن تفسير هذا الضبط الدقيق بالضرورة الفيزيائية، لأنه، وكما سبق ورأينا، فإن الثوابت والمقادير مستقلة عن قوانين الطبيعة.

وواقع الأمر، و بناء على نظرية الأوتارstring theory (نظرية كونية تقوم على وجود السلاسل الكونية- تعريف قاموس أكسفورد – المترجم).، هناك حوالي 10500 من الأكوان المختلفة، لكنها تتناغم مع قوانين الطبيعة.  فهل يمكن بعد ذلك أن ندعي بأن الضبط الدقيق للكون محض صدفة؟ المشكلة هنا هي أن الاحتمالات ضد الضبط الدقيق، والتي تحدث بالمصادفة، تحدث بطريقة مبهمة، حتى أنه يتعسر أن نواجهها بعقلانية. كما أن احتمال أن جميع  الثوابت والمقادير سوف تقع في النطاق الضيق الذي يسمح بالحياة، وذلك عن طريق الصدفة، لهو احتمال ضئيل للغاية يكاد ألا يوجد. وهكذا، نحن ندرك الآن أن الحياة التي لاتسمح بوجود أكوان، هي أكثر احتمالًا من حياة تسمح بوجود كون مثل الذي نحيا فيه. لذلك، إذا كان الكون وليد الصدفة، ستتعاظم احتمالات أن ذلك الكون سيكون عائقًا للحياة. دعنا نلخص حجتنا كالآتي:

1- الضبط الدقيق للكون يعود إلى أحد الأسباب الثلاثة: الحتمية الفيزيائية، الصدفة أو التصميم.

2- ثبت أنه ليس للحتمية الفيزيائية أو الصدفة دورًا في تحقيق الضبط الدقيق للكون

3- وبناء عليه، فإن علة الضبط الدقيق هي التصميم Design

لذلك، فإن الضبط الدقيق للكون من أجل حياة ذكية، يستلزم وجود مصمم للكون.

لقراءة الجزء: الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع،  الثامن

المراجع
  • 1David Hilbert, “On the Infinite,” in Philosophy of Mathematics, ed. with an Introduction by Paul Benacerraf and Hillary Putnam(Englewood Cliffs, N.J.: Prentice-Hall, 1964), pp. 139, 141 *(بحسب قاموسmerriam-webster  هي نظريةفيالفيزياءتصفالمكوناتالأساسيةللمادةوالقوىالتيتحكمتفاعلاتها- المترجم)
  • 2مقابلة لبول دافيد مع فيليب آدم تحت عنوان " السؤال الكبير : في البدء" ABC Science Online, January 7, 2002www.abc.net.au/science/bigquestions/s460625.htm
  • 3http://arxiv.org/abs/gr-qc/0110012
  • 4Alexander Vilenkin, Many Worlds in One: The Search for Other Universes (New York: Hill and Wang, 2006), p. 176.
  • 5Anthony Kenny, The Five Ways: St. Thomas Aquinas Proofs of God’s Existence (New York: Schocken Books, 1969), p. 66.
  • 6BernulfKanitscheider, “Does Physical Cosmology Transcend the Limits of Naturalistic Reasoning?” in Studies on Mario Bunge’s “Treatise,” ed. P. Weingartner and G. J. W. Dorn (Amsterdam: Rodopi, 1990), p. 344.