هذه السلسلة هي سرد لمناظرة بين د.وليم لين كريج و د.ولبرت يتناقشون حول قضية هل الله وهم ؟
و تقسم كالاتي كلمة يقدمها دكتور وليم لين كريج ثم كلمة يقدمها د.ويلبيرد و بعدها تعليق من الأول ثم تعليق من الثاني ثم فتح باب النقاش بينهم 
هذه المناظرة مقسمة لعدة أجزاء هذا هو الجزء الثاني منها وهي تكملة للكلمة الأفتتاحية لدكتور كريج

السبب الثالث:

الله هو أفضل تفسير للقيم الأخلاقية الموضوعية في العالم. فإن لم يكن الله موجودًا، فلاوجود لتلك القيم الأخلاقية الموضوعية. وأعني بالقيم الموضوعية، القيم الصالحة والملزمة للأشخاص سواءً آمنوا بها أم لا.  وكثير من المؤمنين وغير المؤمنين يتفقون على أنه، إن لم يوجد إله فلن تكون القيم الأخلاقية موضوعية بهذا المعنى. وعلى سبيل المثال، كتب الفيلسوف العلمي المعروف، مايكل روس Michael Ruse: 

يرى التطوريون " الذين يؤمنون بنظرية التطور"، أن الأخلاق ماهي إلا تكيف بيولوجي مثلها مثل اليد والقدم والأسنان... وماهي إلا مجموعة من المزاعم المبررة منطقيًا حول شئ موضوعي، فالأخلاق مجرد وهم. وإني أُدرك أنه عندما يقول البعض" أحبب قريب كنفسك"، فهم يعتقدون أنهم يشيرون إلى أبعد من أنفسهم... ومع ذلك، فهذا ليس له أساس .  فالأخلاق مجرد عامل مساعد على البقاء والتكاثر، ... وأي معنى آخر لها لهو ضرب من الوهم. 1 "

وإني أتفق مع دكتور بروس، فلا أرى أي سبب لهذا الاعتقاد، أي أن القيم الأخلاقية التي طورها الجنس البشريhomo sapiens  لهي قيم موضوعية. أما من وجهة نظر الإلحاد،فإن بعض الأعمال – الاغتصاب على سبيل المثال – قد لاتكون لها فائدة اجتماعية، لذا، وبتطور الإنسان، أصبحت من المحرَّمات.  ولكن هذا ليس دليلًا على أن الاغتصاب خطأً أخلاقيًا. ومن وجهة نظر الإلحاد، فإن الاغتصاب ليس خطأ على الإطلاق. ولكن المشكلة تكمن في أن القيم الموضوعية موجودة بالفعل وتضرب بجذورها في أعماق نفوسنا، وكلنا نعرفها. وليس هناك مايدعونا إلى إنكار الواقع الموضوعي للقيم الأخلاقية أكثر من الواقع الموضوعي للعالم المادي. فثمة أعمال مثل الاغتصاب، البطش بالآخرين وإساءة استغلال الأطفال، وهي ليست مجرد سلوكيات مرفوضة اجتماعيًا فقط، بل تُعد اخلاق قبيحة وسلوكيات شنيعة.

وقد اعترف "روس" نفسه :

الإنسان الذي يقول، إن اغتصاب الأطفال لهو أمر مقبول أخلاقيًا، هو على خطأ كبير، مثله مثل من يقول أن  2+ 2 = 5 2  

وعلى الأقل هناك شئ ما خطأ بالفعل. وبالمثل، فإن الحب والمساواة و بذل الذات، لهي أمور حسنة بالفعل. لذلك، فإن حجتنا يمكن تلخيصها كالآتي.

1- إذا لم يوجد الله، فلاوجود للقيم الأخلاقية الموضوعية.

2 – ولكن القيم الأخلاقية الموضوعية موجودة بالفعل.

3- وبناء عليه، فالنتيجة المنطقية والحتمية هي ، أن الله موجود.

السبب الرابع:

إن الحقائق التاريخية المتعلقة بحياة السيد المسيح وموته وقيامته، تؤكد وجود الله . ذلك أن يسوع الناصري التاريخي كان رائعًا واستثنائيًا. وقد أجمع نقاد العهد الجديد على أن يسوع المسيح التاريخي جاء بمعنى جديد للسلطان الإلهي –بهذا السلطان يقف في مكان الله ويتحدث باسمه. وقد أعلن أن فيه قد جاء ملكوت الله إلى العالم، وأن علامة ذلك، كان يصنع المعجزات ويُخرج الشياطين. أما أهم تأكيد قدمه على صحة ذلك، فهو قيامته من بين الأموات. وإن كان ذلك كذلك، فنحن أمام معجزة إلهية، وهذا دليل على وجود الله.  وقد يعتقد البعض أن قيامة يسوع ماهي إلا شئ يمكنك أن تؤمن به أو لاتؤمن. وواقع الأمر، أن هناك ثلاث حقائق راسخة أقر بها مؤرخي العهد الجديد المعاصرين، وأعتقد أن قيامة المسيح هي خير مفسر لها.

الحقيقة الأولى:

 في يوم الأحد التالي للصلب، ذهبت بعض النسوة اللواتي كن يتبعنه الي قبر يسوع فوجدنه فارغًا. ووفقًا لجاكوب كريمر Jacob Kremer الذي تخصص في دراسة قيامة المسيح: " إلى حد بعيد، يعتقد معظم الدارسين اعتقادًا راسخًا في صحة ماورد في الأناجيل عن القبر الفارغ. 3

الحقيقة الثانية:

في مناسبات مختلفة، شاهد العديد من الناس يسوع حيًا بعد مماته. ووفقًا لأحد أبرز نقاد العهد الجديد، جيرد لوديمان GerdLüdemann :

إنها حقيقة مؤكدة تاريخيًا، أن التلاميذ اختبروا ظهورات عدة للمسيح بوصفه القائم من بين الأموات.  4

، وهذه الظهورات شاهدها، ليس فقط المؤمنون، ولكن غير المؤمنين، الشكاكون، وحتى الأعداء أيضًا.

الحقيقة الثالثة:

لقد آمن التلاميذ بشكل مفاجئ بقيامة المسيح، على الرغم من وجود استعداد مسبق بالإيمان بعكس ذلك. كما أن اليهود لايعتقدون في مسيا يموت، فمابالك بقائم من بين الأموات. هذا إلى جانب أن معتقدات اليهود عن الحياة الأخرى تنكر إمكانية قيام إنسان من بين الأموات ونواله للمجد والخلود قبل نهاية العالم. ومع ذلك، آمن التلاميذ إيمانًا قويًا بأن الله أقام يسوع من بين الأموات، حتى أنهم كانوا على استعداد أن يموتوا في سبيل حقيقة هذا الإيمان. توصل  ن. ت . رايت  N. T. Wright أحد علماء العهد الجديد البارزين إلى نتيجة مفادها:

ذلك هو السبب في أنني – بوصفي مؤرخ – لا أستطيع تفسير الانتشار المبكر للمسيحية، إلا بحقيقة قيامة المسيح من بين اموات تاركًا وراءه قبرًا فارغًا. 5

وقد جرت محاولات لتفسير هذه الحقائق العظيمة مثل:  أن التلاميذ سرقوا الجسد، أو أن يسوع لم يمت بالفعل، ولكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل، إذ رفضها العلماء المعاصرون. وواقع الأمر، لاتوجد تفسيرات منطقية معقولة لهذه المزاعم. لذا، يبدو لي أن المسيحي مُحِق في اعتقاده بأن يسوع قام من بين الأموات وكان صادقًا فيما قاله عن نفسه. ولكن ذلك يستوجب وجود الله.

وأخيرًا، السبب الخامس

، يُمكن أن نعرف الله ونختبره في حياتنا. فحجتي لاتدور حول وجود الله فقط، بل بالأحرى، أزعم أنه يمكنك أن تعرف أن الله موجود بغض النظر عن الحجج التي نسوقها، ذلك انه يمكنك اختباره في حياتك اختبارًا مباشرًا. وتلك هي الطريقة التي بها تَعَّرف رجال الله في الكتاب المقدس على الله.  كما أوضح البروفيسور جون هيك John Hick هذا الأمر بقوله:

لقد عرفوه كإله فعَّال، يتفاعل مع إرادتهم، وإنه لواقع لايمكن التغاضي عنه مثله مثل الرياح العاصفة والشمس المانحة للحياة...  فبالنسبة لهم، لم يكن الله مجرد فكرة قبلتها عقولهم، بل حقيقة وواقع اختبروه في حياتهم، فأعطى قيمة لها. 6

والآن، إن كان الأمر كذلك، فإن الحجج التي تساق عن وجود الله، قد تصرفنا عن الله نفسه. فإن كنت تطلب الله بإخلاص، فسيجعل وجوده واضحًا لك . وإن وعده لك

اِقْتَرِبُوا إِلَى اللهِ فَيَقْتَرِبَ إِلَيْكُمْ– يع 4: 8 7

لذلك ، نعتقد أننا نقف على أرض صلبة حين نؤمن أن الله موجود ، وأنه ليس وهمًا. 

لقراءة الجزء: الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس، السادس، السابع،  الثامن

المراجع
  • 1Michael Ruse, “Evolutionary Theory and Christian Ethics,” in The Darwinian Paradigm (London: Routledge, 1989), pp. 262, 268-9.
  • 2Michael Ruse, Darwinism Defended (London: Addison-Wesley, 1982), p. 275.
  • 3Jacob Kremer, Die Osterevangelien--Geschichten um Geschichte (Stuttgart: KatholischesBibelwerk, 1977), pp. 49-50.
  • 4GerdLüdemann, What Really Happened to Jesus?, trans. John Bowden (Louisville, Kent.: Westminster John Knox Press, 1995), p. 8.
  • 5N. T. Wright, “The New Unimproved Jesus,” Christianity Today (September 13, 1993), p. 26.
  • 6John Hick, “Introduction,” in The Existence of God, ed. with an Introduction by John Hick, Problems of Philosophy Series (New York: Macmillan Publishing Co., 1964), pp. 13-1
  • 7رسالة يعقوب الرسول 4: 8