ميلاد المسيح - نقاش حول طبيعة المسيح

 وفي الكنيسة الأولى، كانت هناك مدرستان تبنيا النقاش حول تجسد المسيح، الأولى في مدينة الأسكندرية بمصر، والآخرى في أنطاكية بسوريا. وقد اتفقت المدرستان على أن يسوع المسيح كان إلهًا وإنسانًا، ولكن، اتخذ كل منهما نهجًا مختلفًا في سبيل فهم هذه العقيدة.  ودعني أحاول شرح هذين النهجين، لأن ذلك سيكون بمثابة نقطة الانطلاق لما سأعرضه عليكم من شرح.  

انطلق اللاهوتيون من الجانبين الاسكندري والانطاكي من افتراض مسبق مفاده:  إن لكل شئ طبيعته الخاصة، وتلك الطبيعة هي التي تحدد إلى أي الأنواع ينتمي ذلك الشئ. وعلى سبيل المثال، للحصان طبيعة خاصة تختلف عن طبيعة الخنزير، وكلاهما يختلفان عن طبيعة الإنسان. ووفقًا لفيلسوف اليونان العظيم " أرسطو"، فإن الكائن البشري من حيث طبيعته، هو حيوان عاقل. مما يعني أن الإنسان يتألف من روح عاقلة وجسد مادي. وقد قَبِل اللاهوتيون في كل من الأسكندرية وأنطاكية على حد سواء هذا الشرح الأرسطي عن طبيعة الإنسان. وعلاوة على ذلك، فإن الله، ووفقًا لوجهة النظر هذه، له طبيعته الخاصة أيضًا، والتي تشمل صفات مثل الوجود الذاتي، الأزلية، وأنه كلي الوجود، كلي المعرفة، وما إلى ذلك.

أما الجدال بين الكنيستين الأنطاكية والأسكندرية فيتلخص في الآتي: هل كان للمسيح طبيعة واحدة أم طبيعتين؟ كانت حجة كنيسة الأسكندرية تقول، كان للمسيح المتجسد طبيعة واحدة، وتلك الطبيعة لها الخصائص الإلهية والإنسانية معًا. وإحدى تلك الأطروحات المبدعة التي صدرت عن مدرسة الأسكندرية، كانت لأسقف يدعى أبوليناريوس Apollinarius والذي تنيح عام 390 م.  قال أبوليناريوس: إن الابن هو من تجسد، وهو الأقنوم الثاني في الثالوث الأقدس، وقد اتخذ جسدًا بشريًا، لذلك، فإن ليسوع جسدًا بشريًا ولكن له عقلًا أو روحًا إلهية. ومن ثم، فقد اختبر الله العالم من خلال جسده البشري، والذي به ذاق الألم، ومع ذلك ظل بلا خطيئة. وهكذا كان ليسوع طبيعة بشرية – إلهية ، ومن ثم فهو إله وإنسان.  

وقد هاجم اللاهوتيون الأنطاكيون وجهة نظر أبوليناريوس لسببين. الأول، أنه بحسب رؤية أبوليناريوس، ليس للمسيح طبيعة بشرية كاملة، بل له جسد بشري فقط. ولكن روحه كانت روحًا إلهيًا. أما البشرية الحقة، فهي تتألف من جسد بشري ونفس بشرية. ويمتاز الإنسان عن الحيوانات بنفسه العاقلة وليس بجسده  المادي.  كما اتهم اللاهوتيون الأنطاكيون أبولليناريوس بأن رؤيته تؤدي إلى أن التجسد يجعل من الله حيوانًا وليس إنسانًا.
 وأما اعتراضهم  الثاني  فله علاقة بالأول. وحيث إن الهدف من التجسد هو خلاص البشرية، فلو لم يصر المسيح إنسانًا حقًا ، لما تم الخلاص.وإن الأساس المنطقي الذي يكمن خلف التجسد هو، أنه باتحاد الرب بنا ومشابهته لنا، يمكنه أن يقدم حياته البارة إلى الله كذبيحة بالنيابة عنا. وعلى الصليب كان المسيح بديلًا عنا، إذ حَمَل عقوبة خطايانا.لذلك، فهو المخلص لكل من يضع ثقته فيه.  ولكن، إن لم يكن المسيح إنسانًا بالحقيقة، ماكان له أن يمثلنا أمام الله، ولكانت آلامه باطلة وبلا فعالية، ومن ثم لايقدر أن يخلصنا.  وهكذا، فبإنكاره إنسانية المسيح، يكون أبولليناريوس قد قوض الخلاص بالمسيح. ولذلك، اعتُبر أبولليناريوس هرطوقي، وذلك في عام 377م. ويبقي السؤال، أكانت رؤية أبولليناريوس فقيرة تمامًا؟ أو هل كانت أفكارة خالية من أية قيمة حقيقة يمكن الاستفادة منها؟  

إذن، ما البديل الذي يمكن أن يقدمه لنا اللاهوتيون الأنطاكيون؟ وعلى النقيض من الأسكندرية، فإن لاهوتي إنطاكية قد أكدوا على أنه في التجسد كان للمسيح طبيعتان كاملتان، طبيعة إنسانية وأخرى إلهية. لقد آمنوا أن الله الابن، الأقنوم الثاني في الثالوث الأقدس، حل في الإنسان يسوع المسيح، وذلك منذ لحظة الحبل به في بطن مريم العذراء.  ولذلك، أعلن أحد الأساقفة البارزين من المدرسة الأنطاكية، وهو نسطور، اعتراضه على اعتبار مريم العذراء " والدة الإله" ، ذلك لأن ماحبلت به مريم هو الطبيعة الإنسانية للمسيح، وليس الله. وتتضمن الطبيعة الإنسانية للمسيح، جسدًا ونفسًا إنسانية، تلك التي اتحد بها أقنوم الابن.  

إن مشكلة الفكر الأنطاكي من وجهة نظر مدرسة الأسكندرية المعارضة لها كانت، أن مدرسة الأنطاكية تبدو وكأنها تقول: هناك شخصان في المسيح ، الأول إلهي ، أي الأقنوم الثاني في الثالوث الأقدس، والذي هو كائن قبل الحبل المعجزي لمريم. والثاني إنساني، وهو الذي حبلت به مريم وولِدَ منها.  إذن، يبدو وكأن لدينا شخصين أحدهما إلهي والثاني إنساني! فكر في الأمر هكذا: إنسان يتكون من جسد ونفس. إذن، لو كان للمسيح طبيعة إنسانية كاملة، تشتمل على جسد بشري ونفس إنسانية، لماذا لم يوجد إنسان بدأ وجوده لحظة الحبل به، والذي حل فيه الله الابن؟ ولكن، في هذه الحالة، لايكون هناك تجسد حقيقي، بل مجرد إنسان حل فيه الله. لذلك، قال معارضو نسطور، أنه دمر وحدة شخص المسيح، ومن ثم أدانوا أفكاره بوصفها هرطقة، وذلك في عام 431.

لمتابعة سلسلة المقالات من هذا المقال الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس.