ملخص الموضوع

هل من المنطقي القول: إن ميلاد المسيح هو ميلاد الله؟ هذا السؤال يستدعي الجدال اللاهوتي في القرنين الرابع والخامس – إذ كيف ننظر إلى المسيح بكونه إنسانًا وإلهًا. وسيعرض علينا د. كريج مفهومه  حول اتحاد الطبيعتين اللاهوتية والناسوتية في شخص واحد هو يسوع المسيح، وكيف أن أوجه ضعفه وتجاربة الإنسانية كانت عميقة ولها مغذاها. وكيف يمكن أن يحتفل الإنسان "بميلاد الرب" بشكل لائق وإيمان ثابت.  

طُلب مني أن أتحدث الليلة عن "ميلاد الرب". وياله من عنوان صادم، وياله من تعبير غامض. كيف لله، غير المخلوق، خالق كل شئ ، أن يولد؟ وكيف لكائنٍ موجود بذاته، أزلي أبدي، خالق الزمان والمكان، أن يولد؟ نعم، لايبدو ذلك أمرًا منطقيًا.

ولكن، وبطريقة ما، هذا مايؤمن به المسيحيون عندما يحتفلون بميلاد الرب. ذلك أنهم يؤمنون أن يسوع المسيح هو الله الظاهر في الجسد. أي أن يسوع إله حق وإنسان حق، وهو قد ولِد من العذراء مريم، وبعبارة أخرى، حُبِلَ بيسوع بشكل إعجازي، لكن ، كان ميلاده طبيعيًا تمامًا. وحيث إن يسوع كان هو  الله الظاهر في الجسد، لذا كانت الكنيسة الأولى تؤمن أن العذراء مريم تُدعى " أم الله" أو " حاملة الإله". وهذا ليس بسبب أن الله، بطريقة ما،  تجسد كنتيجة لحمل مريم به، أو أنه ولِدَ منها. بل لأن الذي حبلت به مريم في بطنها وولد منها، هو الله. وبهذا المعنى يكون ميلاد يسوع هو ميلاد الرب.  

ولكن هذا يدفع بالقضية خطوة للوراء، ويظل السؤال يطرح نفسه:كيف يكون يسوع إله وإنسان، كما يؤمن بذلك المسيحيون؟ وإن كان شئ يبدو متناقضًا، فهو هذا الأمر! ذلك أن الخصائص الإلهية تتعارض مع الخصائص الإنسانية. الله كائن بذاته، وهو كلي القدرة وأزلي بالضرورة، كما أنه كلي المعرفة وموجود في كل مكان. فكيف يمكن لشخص أن يكون إلهًا وإنسانًا في نفس الوقت؟ 

ميلاد الرب – يقدم لنا الكتاب المقدس يسوع بوصفه إله وإنسان.

وفي حال أراد المسيحيون تجنب هذه المعضلة، وذلك بإنكار حقيقة ألوهية المسيح أو إنسانيته، دعني أقول لك، إن الكتاب المقدس لم يترك لنا خيارًا في هذا الأمر.  

إذ يؤكد العهد الجديد ألوهية السيد المسيح وإنسانيته، وبالتالي يفرض علينا هذا الأمر. وعلى سبيل المثال، الأصحاح الأول من إنجيل يوحنا. أما إنجيلي متى ولوقا، فيستهلان حديثهما عن يسوع بحبله وميلاده المعجزي من العذراء مريم،  ولكن إنجيل يوحنا يعرض منظورًا أكثر كونية، حيث يصف تجسد كلمة الله، ووجوده قبل تجسده، حيث قال:

1 فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ. 2 هذَا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللهِ. 3 كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. 4 فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، 5وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ.6 كَانَ إِنْسَانٌ مُرْسَلٌ مِنَ اللهِ اسْمُهُ يُوحَنَّا. 7 هذَا جَاءَ لِلشَّهَادَةِ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ، لِكَيْ يُؤْمِنَ الْكُلُّ بِوَاسِطَتِهِ. 8 لَمْ يَكُنْ هُوَ النُّورَ، بَلْ لِيَشْهَدَ لِلنُّورِ. 9 كَانَ النُّورُ الْحَقِيقِيُّ الَّذِي يُنِيرُ كُلَّ إِنْسَانٍ آتِيًا إِلَى الْعَالَمِ. 10 كَانَ فِي الْعَالَمِ، وَكُوِّنَ الْعَالَمُ بِهِ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ. 11 إِلَى خَاصَّتِهِ جَاءَ، وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ. 12 وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. 13اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ.14 وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا. 15يُوحَنَّا شَهِدَ لَهُ وَنَادَى قِائِلاً:«هذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ: إِنَّ الَّذِي يَأْتِي بَعْدِي صَارَ قُدَّامِي، لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي». 16 وَمِنْ مِلْئِهِ نَحْنُ جَمِيعًا أَخَذْنَا، وَنِعْمَةً فَوْقَ نِعْمَةٍ. 17 لأَنَّ النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ، أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا. 18 اَللهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ هُوَ خَبَّرَ.

وهكذا يتحدث يوحنا عن يسوع بوصفه "الله" خالق كل شئ، والذي صار جسدًا، واقتحم التاريخ الإنساني منذ ألفي عام في أرض اليهودية. لذلك، لايمكننا التغاضي عن دلالة هذا الكلام: أي أن يسوع إله وإنسان.  

وفي زمن الكنيسة الأولى، كافحت أجيال متعاقبة لفهم عقيدة التجسد، البعض وجد حلًا لهذا التناقض الظاهري، وذلك بإنكار أحد تعاليم الكتاب المقدس. وفرق أخرى مثل الغنوسية Gnostics والدوسيتية  Docetists، على سبيل المثال، أنكرت أن للمسيح جسدًا حقيقيًا. لكنه بدا وكأنه اتخذ شكل إنساني، أي أن جسد المسيح كان محض وهم أو خيال، وما كان واضحًا منه هو معاناته المفترضة. وعلى الجانب الآخر، نجد فرقًا أخرى مثل التبنّويين Adoptionists  أو الأوطاخيين Eutychians أنكرت حقيقة ألوهية المسيح . وأن يسوع المسيح كان مجرد إنسانٍ نال التبني من الآب فصار ابنًا له، ويُفترض أنه الآن في السماء. وعلى النقيض من هذه الجماعات، أدانت الكنيسة الأولى مرارًا وتكرارًا مثل هذه الجماعات واعتبرتهم هراطقة، أي كل من ينكر ألوهية يسوع أو إنسانيته. وقد وقف اللاهوتيون بالمرصاد إلى جانب إعلان الكتاب المقدس عن شخص يسوع، حيث يؤكد أنه إله وإنسان، على الرغم مما يبدو في ذلك من تناقض.   

لقراءة الجزء: الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس.