ميلاد المسيح – طبيعتان في شخص واحد

فما الذي حدث؟ من أجل حسم الجدال بين لاهوتيي أنطاكية والأسكندرية، عُقِدَ مجمع مسكوني في مدينة خلقدونية عام 451 م.  وقد أصدر المجمع بيانًا اتسم بالعمق والدقة الشديدة في تحديد العقيدة الأرثوذكسية بشأن التجسد.  

وقد سعى المجمع إلى تأكيد ماهو صحيح في وجهة نظر كل مدرسة من المدرستين الأسكندرية والأنطاكية، مع إدانة ماهو خطأ. وقد اتفق البيان بشكل أساسي مع لاهوت أنطاكية بشأن التنوع في طبيعة المسيح، ومع مدرسة الأسكندرية بشأن وحدة شخص المسيح: شخص واحد من طبيعتين. ودعني أقرأ لك بيان المجمع:    

نعترف نحن المجتمعون في خلقدونية ..... أننا نؤمن بابن واحد، يسوع المسيح إلهنا، الكامل في ألوهيته، والكامل في إنسانيته أيضًا، إله حق وإنسان حق، ذو جسد ونفس عاقلة، واحد مع الآب في الطبيعة الإلهية، وواحد معنا في الطبيعة الإنسانية،  شابهنا في كل شئ ماخلا الخطية وحدها، مولود من الآب قبل كل الدهور بحسب اللاهوت، وفي هذه الأيام الأخيرة،  ومن أجلنا ومن أجل خلاصنا، ولِدَ من العذراء مريم والدة الإله بحسب الناسوت، وهو المسيح الواحد، الابن الوحيد الإله، مولود غير مخلوق، ونعترف بطبيعتين متحدتين فيه دون اختلاط أو امتزاج أو تغيير أو انفصال،  ولا ننكر الاختلاف بين الطبيعتين بأي حال من الأحوال بسبب الاتحاد، بل تحتفظ كل طبيعة منهما بخصائصها المتميزة في شخص واحد وجوهر واحد، غير منقسمتين أو منفصلتين إلى شخصين، بل هو شخص واحد، هو المسيح نفسه، المولود من الآب قبل كل الدهور، وهو الكلمة الإله، يسوع المسيح.  

ووفقًا لهذا البيان، فإن المسيح شخص واحد ذو طبيعتين، إلهية وإنسانية. وعلينا أن نتجنب خطأين، تقسيم الشخص الواحد والخلط بين الطبيعتين.  ذلك أن كلا الطبيعتين متميزتان وكاملتان، أما الشخص فواحد من جهة العدد.  

لاحظ أن بيان المجمع لم يوضح كيف لشخص واحد أن يكون لديه طبيعتان، إلهية وإنسانية. فقد تُرِكَ هذا الأمر لنقاش آخر. ولكن ما أكد عليه المجمع، إذا أردنا أن تكون عقيدتنا عن التجسد كتابية، علينا ألا نقسم شخص المسيح إلى شخصين، أو أن نمزج الطبيعتين في طبيعة واحدة.

ومن ثم يكون السؤال هو: هل يمكن أن يحدث هذا؟ هل يمكن أن يكون لدينا بيان إيمان عن عقيدة التجسد يتفق مع ماجاء بالكتاب المقدس ويتسم بالدقة المنطقية؟ قد يرى البعض أن ذلك أمرًا مستحيلًا. ذلك أن التجسد عقيدة، إما أن ترفضها باعتبارها عقيدة متناقضة، أو أن تقبلها بوصفها سر. وإني أرفض هذا الطرح، وأعتقد أنه بالإمكان إنشاء بيان إيمان عن عقيدة التجسد يتفق مع ماجاء بالكتاب المقدس ويتسم بالدقة المنطقية. وهذا ما أعتزم أن أفعله الآن، من خلال طرح ثلاث نقاط.  

ميلاد الرب- تتشارك الطبيعتان في ذات العقل.

 الخطوة 1: نؤكد مع مجمع خلقدونية، أن المسيح هو شخص واحد له طبيعتين. ولاينبغي أن نفكر في التجسد كما لو أن الله تحول إلى إنسان.  كما أن التجسد يختلف تمامًا عن قصص الميثولوجيا القديمة والتي فيها نرى الآلهة تحول نفسها إلى بشر أو حيوانات لزمن ما، ثم تعود وتصير آلهة مرة ثانية.  لم يكن المسيح إلهًا أول الأمر، ثم صار إنسانًا، وأخيرًا عاد ليكون إلهًا. بل بالحري كان إلهًا وإنسانًا في آن واحد. لذلك، التجسد ليس مجرد عملية اختزال -  إذ لم يتنازل الله عن صفات معينة من أجل أن يصير إنسان. بل التجسد عملية إضافة- أي أن الله ، إلى جانب طبيعته الإلهية، اتخذ طبيعة أخرى متميزة أيضًا، أي طبيعة إنسانية، لذلك، صار لله الابن طبيعتان في التجسد، إحداهما إلهية، والتي كانت له منذ الأزل، وأخرى إنسانية، والتي بدأت منذ لحظة الحبل به في بطن مريم العذراء. وهكذا، كانت له كل سمات الألوهية. وكل سمات الإنسانية في آن واحد.

والسؤل الذي يطرح نفسه: كيف لشخص واحد أن تكون له طبيعتان؟ وهذا ينقلنا إلى الخطوة الثانية. 
الخطوة الثانية و الثالثة في الجزء الرابع.

لمتابعة سلسلة المقالات من هذا المقال الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس.