قيامة المسيح من بين الأموات هي الرجاء الذي أشرق على البشرية بعد أن خيم الظلام والخوف والموت سنون هذا عددها. فالأبطال يموتون والكلمات تفقد معناها بموت من يقولها، لأن الموت يضع نهاية لكل معاني الكلمات، لكن حدث أن هناك من غلب الموت وأماته، وهكذا كان هتاف المسيحيين منذ القديم: المسيح قام وانتصر على الموت.

حديث هذا المقال سوف يدور حول "هل يمكن إثبات قيامة المسيح تاريخياً؟ وما تأثيرها لاهوتيا؟"، فقد ُطرحت في السنوات القلية الماضية أبحاث كثيرة منها المؤكد ومنها الذي ينفي إمكانية أن يكون مسيح الإيمان هو نفسه مسيح التاريخ. لذا سوف نتحدث في هذا البحث عن خلفية حدث القيامة في اليهودية، كذلك عن نبؤات العهد القديم عن القيامة والتي إستند عليها المبشرون الأوائل في كرازتهم، الشهادات التاريخية التي تؤكد حدث القيامة، ثم سوف نعرض أهم النظريات التي تنقد حدث القيامة مع الرد عليها، ثم نتقدم قليلاً إلى فكر بولس عن القيامة وأخيراً سوف نبحث عن القيمة اللاهوتية المستنبطة من القيامة ومدى تأثيرها على المؤمن والكنيسة والموت.

أولاً: مفهوم القيامة قبل مجيء المسيح:

 الفكر اليهودي

قيامة الأجساد من الموت مرة أخرى، دخلت إلى الفكر اليهودي في الكتابات المتأخرة مثل (دا12: 1-4)، فلم يكون هذا المفهوم واضحاً 1 بهذا المقدار من قبل في اليهودية. 2 توجد عدة عوامل ساعدت على تطور مفهوم القيامة منها:
1- زيادة وعي اليهود بسلطان الله الذي يُنزل إلى الهاوية (عا9: 2-3) وله السلطان بان يُصعد منها ( 1صم2: 6)، فالله له السلطان على إرجاع الإنسان للحياة من المكان الذي لا يمكن أن يرجع منه أحد 3
2- اضطهاد اليهود في فترة الميكابين وموت عدد كبير من الأتقياء في هذه الحرب، سّرع في تطور مفهوم قيامة أجساد هؤلاء الذين ماتوا، إذ لا يمكن اعتبار موتهم نتيجة خطيئة (2ميكابين7: 1-41). 4 وإلى يومنا هذا يصلي اليهود في الصلوات الصباحية "أؤمن إيماناً كاملاً بأنه سوف تكون هناك قيامة للأموات بحسب الوقت الذي يرضي الخالق تبارك اسمه." 5

القيامة في الفكر اليهودي كان له شكلان هما: القيامة العامة: هي انتظار تجديد إسرائيل كأمة كاملة (هو6: 1-2)، بعد كل الصراعات والسبي والحروب والجراح نتيجة بعدهم عن وصايا الرب، كان لدى الشعب اليهودي رجاء بتجديد أمتهم من جديد. القيامة الفردية: هي الإيمان بالقيامة الطبيعية الفردية (دا12: 1-2)، غير أن القيامة في هذه الحالة مازالت محدودة لأنه استخدم " من الراقدين في التراب" وليس "كل الراقدين" وأيضاً استخدامه لكلمة "كثيرين" أي ليس الجميع سوف يقوم من التراب. إذاً ليست القيامة هنا لإعادة بناء وطن، بل هي أجر وتعويض فردي. 6

فترة الهيكل الثاني:

الترجمة السبعينية للعهد القديم العبري إلى اللغة اليونانية في مصر، ليست مجرد ترجمة لكنها نقلت لنا اعتقاد اليهود في تلك الفترة. ومن أهم المعتقدات التي نقلوها والتي كانت غامضة في الكتابات العبرية هي فكرة القيامة، فعلى الرغم من (دا12: 3،2) تتحدث عن قيامة الأجساد إلا أن في الترجمة السبعينية جاءت التصريح بذلك أعلى وأوضح من النص العبري. 7 يوجد أمثلة كثيرة على وضوح هذا المعتقد في أفكار اليهود الذين ترجموا العهد القديم إلى اللغة اليونانية، أذكر مثل يوضح هذا المعتقد وهو موجود في نهاية سفر أيوب (أي42: 17) الذي ينتهي :" ثُمَّ ماتَ أَيُّوبُ شَيخًا كَبيرًا قد شَبِعَ مِنَ الأَيَّام." إلا أن الترجمة السبعينية أضافت :" γέγραπται δὲ αὐτὸν πάλιν ἀναστήσεσθαι μεθ᾿ ὧν ὁ κύριος ἀνίστησιν." أي " كما هو مكتوب عنه بأنه سوف يقوم مع أولئك الذين سوف يقيمهم الرب." 8

"سفر الحكمة" أيضاً من الكتب التي كُتبت في هذه الفترة، حيث يستنتج الفغالي إلى إنه كتب في القرن الأول ق.م 9   وهو يصرح أيضاً بعقيدة قيامة الأجساد من الموت: " أَمَّا نُفوسُ الأَبْرارِ فهي بِيَدِ الله فلا يَمَسَّها أَيّ عَذاب. 2 في أَعيُنِ الأَغْبِياءِ يَبْدو أَنَّهم ماتوا وحُسِبَ ذَهابُهم مُصيبَةً 3 ورَحيلُهم عنَّا كارِثَةً لكِنَّهم في سَلام 4 وإِذا كانوا في عُيونِ النَّاسِ قد عوقِبوا فرَجاؤُهم كانَ مَمْلوءًا خُلودًا. 5 وبَعدَ تأديبٍ يَسير سيَكونُ لَهم إِحْساناتٌ عَظيمة لأَنَّ اللهَ اْمتَحَنَهم فوَجَدَهم أَهْلاً لَه. 6 كالذَّهَبِ في البوتَقَةِ مَحَّصَهم وكذَبيحةٍ قُرَبَت مُحرَقةً قَبلَهم. 7 في وَقتِ اْفتِقادِهم يَتَلألأون وكالشَّرَرِ بَينَ القَشِّ يَركُضون. 8 يَدينونَ الأُمَمَ ويتسَلَّطونَ على الشُّعوب ويَملِكُ الرَّبّ علَيهم لِلأَبَد. 9 المُتَوَكِّلونَ علَيه سيُدرِكونَ الحَقّ والأُمَنَاءُ في المَحبَةِ سيُلازِمونَه لأَنَّ النِّعمةَ والرَّحمَةَ لِمُختاريه. 10 أَمَّا الكافِرون فسَيَنالُهمُ العِقابُ المُناسِبُ لأَفْكارهم فهُمُ الَّذينَ لم يبالوا بِالبارِّ واْرتَدّوا عنِ الرَّبّ." (حك3: 1-10)

الفلسفة اليونانية:

الفلاسفة اليونانيين كانوا يقولون بخلود النفس، وهذا يعني أن النفس لا تموت ولذلك فهي لا تقوم من الموت. 10 كان هناك تقليد قوى في الفلسفة اليونانية ينكر قيامة الأموات، من أهم المعتقدات التي كنت موجودة في الفلسفة اليونانية قبل مجيء المسيح هي " خلود النفس" عن طريق " تناسخ الأرواح"، فالنفس تظل مستمرة من خلال اتخاذها لشكل كائن جديد تعيش به على الأرض. 11

الصدوقيين:

أولاً: الصدوقيين هم حزب يهودي كان يتزعم مناصب رئيسية مثل رئاسة الكهنوت، كانوا قلة في مجمع السنهدريم إلا إنه من خلال مكرهم استطاعوا التمسك بالسلطة وكان لديهم نفوذ قوي في المجتمع اليهودي. 12 كانوا يجنون الكثير من المال من خلال تجارة الذبائح في الهيكل وتغيير العملة الأجنبية إلى الشاقل اليهودي المقدس المقبول فقط في التعامل به في إسرائيل. 13 ويؤمنون بأن الهيكل هو محور الديانة اليهودية عكس الفرسيين الذي كانوا يؤمنون بأن الناموس هو محور اليهودية. كذلك هم ينكرون قيامة الأموات لأنهم يؤمنون بأسفار موسى الخمسة في العهد القديم، ولا يؤمنون بالأرواح أو الملائكة 14

لقراءة الجزء: الأول، الثانية، الثالث، الرابع، الخامس

المراجع
  • 1كانوا اليهود يربطون الحياة بعد الموت بالظلمة والنسيان في مثوى الأموات حيث لا عودة من هناك (أي7: 9)، وموضع الراحة الأخير لكل حي (أي30: 23)، وكانوا يستخدمون ألفاظ تعبر نوعاً ما عن الخلود مثل " أنضم إلى أبائه" (تك25: 8)
  • 2عيسى دياب، مدخل إلى تاريخ اليهودية وتعاليمها (بيروت: دار المشرق،2013)، 130.
  • 3بولس الفغالي، المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم (بيروت: المكتبة البولسية، 2009)، 986.
  • 4عيسى دياب، مدخل إلى تاريخ اليهودية وتعاليمها،130.
  • 5ريستو سانتالا، المسيا في الفكر اليهودي (القاهرة: Key Media، 2004)، 15.
  • 6بولس الفغالي،، المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم، 987، 988.
  • 7N. T. Wright, the Resurrection of the Son Of God (Minneapolis: Fortress Press, 2003),  , 147.
  • 8Ibid, 148.
  • 9بولس الفغالي، المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم، 473.
  • 10أغناطيوس الرابع: مواقف وأقوال (بيروت: جامعة البلمند، 2002)، 309.
  • 11فيرلين د. فيربروج، القاموس الموسوعي للعهد الجديد (القاهرة: دار الكلمة، 2007)، 54.
  • 12فهيم عزيز، المدخل إلى العهد الجديد (القاهرة: دار الثقافة، 1980)، 37.
  • 13المرجع السابق، المدخل إلى العهد الجديد، 38
  • 14فهيم عزيز، المدخل إلى العهد الجديد، 39.