
الخلاص >
الكفارة: بعض المُصطلحات والتعريفات (ج3)
كريستين روماني
10/27/24 - ٥ دقيقة قراءة
بعد أن عرضنا بعض الصياغات والنظريات التي تطورت على مدار تاريخ الكنيسة، سنعرض فكرين لهما ثقلهما اللاهوتي في الكنيسة حتى الآن، وهما: فكر اللاهوت الشرقي القبطي، واللاهوت الغربي المُصلِح. ولفهم الفكرين سنعرض بعض المُصطلحات التي تُشكل صياغة كلًا منهما للاهوته عن كفارة المسيح.
بعض المُصطلحات بين اللاهوت الشرقي القبطي واللاهوت الغربي المُصلح:
بالنسبة للاهوت الشرقي القبطي:
الخطية هي رغبة الإنسان في التأله الذاتي[1]، فبحسب مفهوم اللاهوت الشرقي الإنسان مدعو للتأله، ولا سبيل لذلك إلا عن طريق اتحاده بالله، وعليه فقد كانت رغبة الإنسان أن يصير إلهًا بنفسه منفصلًا عن إلهه، وهذا ما أغوته به الحية "تَكُونَانِ كَاللهِ"[2] وبهذا يصبح فِعل التَعدي اختيارًا إنسانيًا ليُكوِّن الإنسان صورته الذاتية بعيدًا عن الصورة الإلهية التي خُلق ليكون عليها[3].
هذا التعدي ليس تعديًا على الذات الإلهية وبالتالي فإن الله لا يتأثر بسبب خطيتنا، وعليه فإن مفهوم "الغضب الإلهي" ليس غضبًا موجه إلينا بسبب تأثر الله بأفعالنا. "الغضب الإلهي" هو: "مقاومة الله للشر الذي يُدمر الخليقة وحدها، فهو دفاعه عن خليقته ضد الشر وليس دفاعًا عن ذاته تجاه الخليقة."[4] كما إنه ليس غضب أقنوم واحد يُسقطه على أخر، بل هو غضب الثالوث المُقدَّس والذي يتوقف بتوسل الإنسان فهو ليس غضبًا انتقاميًا، كما إنه ليس صفة أساسية في الذات الإلهية ككونه قدوس.[5]
- الله لا يتأثر بسبب الخطية، بل الإنسان مَن تأثر على بُعدين:
- الأول، حين انفصل الإنسان عن مصدر حياته وعاد إلى حالة العدم (أي: اللا معني واللاوجود).
بحسب تعريف القديس أثناسيوس الرسولي:
"كل ما هو شر هو عدم، وكل ما هو خير فهو موجود"[6]
وعليه فإن اختيار الإنسان للشر هو اختياره أن يعود للعدم وهذا هو الموت. بحسب تعبير اللاهوت الشرقي فإن "الموت" هو نتيجة اختيار الإنسان، وليس حُكمًا مِن الله عليه، أي أن الموت الروحي عاقبة لا عقوبة فالله لم يكن مصدرًا للموت، ولكن نتيجة لاختيارات الإنسان دخلت الخطية وبالخطية دخل الموت، الإنسان هو مصدر موته.[7]
- الثاني، حيث تشوهت صورة الله في الإنسان، ولكنها لم تفسد كليًا. فقد تشوهت كل جوانبه الإنسانية من ناحية عقلانيته، وإرادته، وقدرته على الابتكار سُخِّرت كلها لفعل الشر.[8] وهذا ما يؤمن به أتباع اللاهوت الشرقي.
بالنسبة للّاهوت الغربي المُصلح:
الخطية هي الفشل في تحقيق ناموس الله الأخلاقي، وهي أكثر مِن مُجرد عمل أو سلوك خاطئ لأنها طبيعة متأصلة فينا[9]، في كتابه "أسس الدين المسيحي" يُعَرِّف جون كالفن الخطية الأصلية قائلًا:
"الخطية الأصليّة هي تشوه وفساد موروثان لطبيعتنا، مُنتشران في كل أجزاء روحنا"[10]
وقد اختلف أتباع اللاهوت الغربي حول فكرة وراثة الخطية من آدم، البعض قال إننا ورثنا الذنب -أي: أن الله يرانا كلنا آثمين في آدم الأول-، والبعض يري أنه من الظُلم أن نرث ذنبًا لم نرتكبه ولكن يُقروا بأننا ورثنا فساد الطبيعة -أي: اعوجاج وميل طبيعتنا ونزعتها إلى الخطية-[11]. وعليه فإن صورة الله تشوهت كليًا في الإنسان، أي أن كل جزء من كياننا أصبح متأثرًا بالخطية بتعبير واين جرودم
"أصبحنا لا نفتقر فقط للصلاح الروحي في أنفسنا، ولكن نفتقر إلى القدرة على عمل أي شئ مُسر."[12]
مع هذا الاختلاف فإن المُتفق عليه أننا سقطنا في آدم، وبشكل ما ورثنا طبيعة تميل لفعل الشر مشوَّهة في كل جوانبها، وهذا ما جعلنا مُعرَّضين لغضب الله.
غضب الله بحسب تعبير جون ستوت هو "فعل الله المُقدَّس" تجاه خطية البشر[13]. ف لكي يكون الله هو الله، يجب أن تكون صفاته مُتَسِقة في ذاته، ولكونه قدوس يلزم أن تُغضبه الخطية -لا يُقصد بكلمة يلزم أن هناك قوة خارج الله تُجبره أن يغضب، ولكن تُعني أن غضبه هو النتيجة الطبيعية لفعله المُقدس-، وعليه فإن غضب الله هو صفة أساسية في الذات الإلهية لكونه الوجه الآخر لقداسته. بعض أتباع اللاهوت الغربي يعتبرون غضب الله غضب لا شخصي -أي: غير مُوجه لنا كأشخاص- تحدث عنه الكتاب كصفة مُطلقة دون تحديد، والبعض الأخر يري أنه غضب شخصي -أي: مُوجَّه تجاه البشر- فلا يُمكن الفصل بين الفعل -أي: الخطية-، والفاعل -أي: الإنسان-، لكنه ليس غضبًا، انتقاميًا، بل هو رد فعل مُتَسِق مع صفاته -كما شرحنا مُسبقًا-.[14]
ومن هنا نري أن الله يتأثر بسبب خطيتنا، وتأثر الله لا يُقصد به حدوث تغيير في جوهر الطبيعة الإلهية. التأثر يُفهم في إطار العلاقة العهديّة على إنه تفاعل لا تغيُّر، بين كل طرف مِن طرفي العلاقة الله والإنسان.
[1]هاني مينا، العدالة الإلهية حياة لا موت مغفرة لا عقوبة، (الطبعة الثالثة، 2010)، 112.
[2] (تك 3:5)
[3] جورج حبيب بيباوي، محاضرات في تجسد الكلمة، (المحاضرة السادسة، 2010)، 2.
[4] هاني مينا، العدالة الإلهية، 184.
[5] جورج حبيب بيباوي، موت المسيح على الصليب حسب تسليم الآباء، (موقع الدراسات القبطية والأرثوذكسية، 2006)، 121، 126.
[6] أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة، ترجمة: جوزيف موريس (عمانوئيل للطباعة، الطبعة الثامنة، 2014)، 11.
[7] جورج حبيب بيباوي، موت المسيح على الصليب حسب تسليم الآباء، 405.
[8] وديد المقاري، قصد الدهور، (باناريون للتراث الآبائي، الطبعة الأولي، 2019)، 15.
[9] واين جرودم، بماذا يفكر الإنجيليون: الجزء الثاني، (مطبوعات إيجلز وبرنامج اللاهوتي بالإمتداد، الطبعة الأولي، 2009)، 75.
[10] جون كالفن، أسس الدين المسيحي، المُجلد الأول، تحرير: جورج صبرا، ترجمة: أديب عوض ووليد هرموش وفيكتور مكاري (دار منهل الحياة، الطبعة الأولي، 2017)، 237.
[11] واين جرودم، بماذا يفكر الإنجيليون، 57-58.
[12] المرجع السابق، 62-63.
[13] جون ستوت، صليب المسيح، ترجمة: نجيب جرجور (دار النشر الأسقفية)، 115.
[14] المرجع السابق، 116.