ثانياً: طبيعة الإنسان

  1. الإنسان بحسب قصة التكوين "خلق مجانا" وليس" لسد حاجة الآلهه" بحسب الأساطير. الإنسان بحسب الأسطورة قد خُلق ليكون خادما وعبداً للآلهة وليحمل الأشغال الشاقة عن الآلهة ليريحهم من اتعابهم. بينما القصة الكتابية فأن الإنسان مخلوق سيداً ذو سلطان" ليتسلط على الخليقة " وليس عبداً. 1

  2. عمل الإنسان هو شيء مرتبط بالجنة وليس " سخرة " لخدمة للإله.

  3. الإنسان مصنوع من تراب الأرض ونفخة الإله وليس من دم ولحم إله مذبوح. فهو كائن " مختلف " عن الإله وليس مزيج بين الآلهة والبشر.

  4. خلق حراً وليس تحت هوى الآلهة أو تسليم القدر. 2

  5. يوم السبت هو تفويض إلهي للإنسان:(يوم الراحة) موجود في كلا القصتين؛ فبينما تقدم الأسطورة " يوم الراحة " على إنه يوم انتصار الإله على الآلهة الشريرة وانسحاب الإله المنتصر من عالم دنيا الناس والخليقة إلى السماء الأعلى مبتعداً وغير مبالي بشؤون الناس. نجد القصة الكتاب تعلن عن " يوم الراحة " ولكنه ليس "انسحاب" بنفس المعنى الأسطوري وإنما " تفويض إلهي للإنسان لإدارة شؤون الخليقة " مع استمرارية نشاط " الإله المخلص في العالم" 3

ثالثاً: طبيعة الخليقة

 

  1. عدم ذكر لإسمي " الشمس والقمر" يعتبر هجوم على الأساطير لأن في عرف الأساطير فإن (الشمس والقمر)هما اسما إلهين وكذلك الكواكب والنجوم التي كانت تعتبر آلهة تحدد مصائر العالم والبشر. 4
  2. المياه مخلوقة وليست إلهة " تبدأ الأسطورة بوجود "المياه" التي هي (ألهة أزلية ) فالخلق بحسب الأسطورة يتم عن طريق " الفصل وتعارك الآلهة) بينما في القصة الكتابية فأن المياه هي " جزء من مخلوقات الله الواحد " حيث يبدأ القصة الكتابية بخلق الله للسموات والأرض" والمياه هي جزء من مخلوقات الله وليست مادة أزلية. 4
  3. أرتبطت عملية "الفصل" في الأساطير " بالمعارك " بين الآلهة؛ بينما أحلت القصة الكتابية مبدأ " التزيين: المقصود هنا هو خلق عناصر جمالية للخليقة مثل الكواكب والنجوم والحيونات والنباتات والطيور " محل " عراك الآلهة " لينزع عن القصة الكتابية النزعة الأسطورية." 3
  4. الحيتان البحرية تعتبر في الاساطير كائنات شريرة لكن بحسب القصة الكتابية هي جزء من خليقة الله الجميلة والصالحة.
  5. ذكر مصطلحات تدل على الزمن مثل " 7 أيام " تدل على أن الخلق حدث تاريخي أي حدث في الزمن وليس خارج الزمن بحسب الاساطير.
  6. صلاح الخليقة: فكل خليقة الله صالحة وليس فيها شيء شرير وهذا عكس الاساطير التي تصف بعض المخلوقات بالشر.
  • علاقة الله بالإنسان

     
    1. مخلوق على صورة الله
    2. الله شارك الإنسان في سلطانه
      1.  فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ». (تك1: 26).
    3. الجانب الأخلاقي واضح في رواية سفر التكوين مثل شجرة معرفة الخير والشر، الطاعة والعصيان العقاب والفداء

ثالثاً: صور ميثولوجية في الكتاب المقدس

أما في حديث الكتاب المقدس في مواضع أخرى عن "معارك الله مع رهب أو لويثان أو الحية أو البهيموث " كما في (أش51: 9-10 ؛ مز89: 10- 15 ؛ مز74: 12- 17 ؛ أي3: 8 ؛ أش27: 1-2 ؛ مز104: 25- 27 ؛ أي40: 25 ؛ أش51: 10) فهي تأتي في سياق الحديث عن (الخلاص وليس الخلق) أي إنها تصور حدوث معركة رمزية بين الله وهذه المخلوقات الشريرة  - خاصة وأن هذه النصوص تأتي في الكتابات الشعرية فهي تحمل طابع رمزي تصوري-  لتأكيد قدرة الله وسيادته على كل مخلوقاته وانقاذه للمسكين من أعداءه" 7

يقدم الباحث لويس خليفة ملحوظتين بخصوص وجود صور ميثولوجية في العهد القديم

1- ينطلق الكتاب المقدس من الرمز الأسطوري (لوياثان) لتوضيح ثلاث أحداث أساسية في "تاريخ الخلاص" وهي

  1. بداية التاريخ (الخلق)
  2. المرحل الوسطى (الخروج)
  3. النهاية " الازمنة الأخيرة" (انتصار الله على الشيطان)

2- الكاتب استعان بالقصص الأسطورية كوسائل أدبية ليشرح بطريقة شعرية أحداثا تاريخية لاهوتية تتعلق بالخلاص

 

ثانياً: قصة الطوفان الكتابية وأسطورة جلجامش

أسطورة جلجامش

ملحمة "جلجامش" هي ملحمة سومرية، تطورت في بلاد أشور وبابل وكانت معروفة لدى الحثيين وتم نسخها لديها في فلسطين، وهي مؤلفة من 12 نشيد. تحكي الأسطورة عن " جلجامش " وهو بطل من سومر الذي تمرد على الآلهة التي بدورها خلقت له منافس " انكيدوا " وهو انساني وحشي يعيش في الغابات. أصبح صديقا لجلجامش، وفي ذات يوم مات إنكيدوا فشعر جلجامش بفظاعة الموت وعجز الإنسان في الحياة واصر أن يبحث عن طريقة " للخلود ". قابل البطل الذي نجى من الطوفان والذي اطلعه على سر الخلود من خلال ايجاد نبته في أعماق البحار التي إن أكل منها صار خالداً. بعد أن حصل " جلجامش " على النبته، سرقتها منه " الحية " وعاد إلى مد\ينته خائب الأمل إلى أن رأى سور مدينته العظيمة فأدرك بأن أعماله هي التي تخلده. 8

هذه الأسطورة التي تحكي عن طوفان اجتاح الأرض وقتل الناس والخلائق موجودة في العديد من الحضارات من حول العالم ولهذا السبب فأن الكثير من العلماء يؤيدون وقوعها تاريخيا. يصرح جوش ماكدويل بأن قصة الطوفان هي قصة تاريخية بدليل وجودها بتفاصيل مختلفة في حضارات عديدة (الأغريق- الهنود الحمر – سكان المكسيك – الصينيين – سكان هاواي)  وهذا وإن دل فأنه يدل على وقوع القصة تاريخيا وتناقلتها الحضارات بصور وأسماء وأساليب مختلفة. 9

 مرت ألف ومائتا سنة. فإمتدت الأرض وتكاثر البشر، أخذت الأرض تعج مثل الثيران. فأنزعج الإله بهذا الضجيج. سمع أنيليل الصراخ فقال للآلهه الكبار: " صراخ البشر يزعجني وضجيجهم يحرمني من النوم 10

 

  • أهمل البشر واجباتهم وتمردوا على الآلهة وعصوا أوامرهم مثل " خطيئة الفضول "
  • كان عقاب الآلهة هو محوهم من الأرض وجلب بشر آخرين لخدمتهم وتنفذ أوامرهم. وهذا الشخص الذي سوف يستثنى من العقاب هو " أوم نابيشي " الذي كان مستقيماً.
  • فتح الإله " بل " (إله الأرض) جميع مصاريع السماء على الأرض خفية (بدون علم الآلهة).
  • كان الطوفان مدمراً إلى الدرجة التي خافت فيه الآلهة من الغرق "فانطوت على نفسها مثل الكلاب" في أعالي السماء.
  • عادت المياه إلى مجاريها، وخرج " أوم نابيشي " وزوجته من السفينة وقدم قربان إلى الآلهة التي استنشقت رائحة القربان " فتجمعت مثل الذباب حول الآلهة".
  • باركهم الآله " بل " وأعطاهم الخلود. 11
  • بطل قصة الطوفان في ملحة " كلكامش " هو "أوتا – نابشتيم" (سيد الحياة) وهو يقص على الملك كلكاميش كيف نجا من الطوفان بفضل السفينة التي بناها من "إيا إله الحكمة"

لقراءة الجزء: الأول، الثاني، الثالث، الرابع

 

المراجع
  • 1روبير بندكتي، التراث الإنساني في التراث الكتابي (بيروت: دار المشرق، 1990)، 61.
  • 2 روبير بندكتي، التراث الإنساني في التراث الكتابي (بيروت: دار المشرق، 1990)، 61.
  • 3روبير بندكتي، التراث الإنساني في التراث الكتابي (بيروت: دار المشرق، 1990)،  47.
  • 4ديفيد اتكنسون،  الكتاب المقدس يتحدث اليوم: سفر التكوين، الجزء الأول، ترجمة: نكلس نسيم (القاهرة: دار الثقافة، 1999)، 20.
  • 5ديفيد اتكنسون،  الكتاب المقدس يتحدث اليوم: سفر التكوين، الجزء الأول، ترجمة: نكلس نسيم (القاهرة: دار الثقافة، 1999)، 20.
  • 6روبير بندكتي، التراث الإنساني في التراث الكتابي (بيروت: دار المشرق، 1990)،  47.
  • 7روبير بندكتي، التراث الإنساني في التراث الكتابي (بيروت: دار المشرق، 1990)،  35.
  • 8 استيفان شربنتييه ، تعرف إلى الكتاب المقدس (بيروت: دار المشرق، 1989)، 23.
  • 9عزت شاكر، أصعب الأيات في سفر التكوين (القاهرة: الكنيسة الإنجيلية بمدينة نصر، 2014)، 193.
  • 10بولس الفغالي، سفر التكوين وتاريخ الخلاص (بيروت: المكتبة البولسية)، 15، 16.
  • 11شارل فيروللو، كتاب اساطير بابل وكنعان، ترجمة : ماجد خير بك ص 27، 28.