في أي يومٍ قام يسوع من بين الأموات ؟

من الشائع أن يسوع قد قام في اليوم الثالث من دفنه. وقد أشار كل من متى ولوقا الإنجيليين إلى نبوة يسوع عن قيامته في اليوم الثالث ( مت 17:23، لو 9: 22). وقد كتب بولس الرسول في رسالته الثانية إلى كورنثوس، أن يسوع قام من القبر في اليوم الثالث كما في الكتب ( 1كو 15: 4). وأثناء الكرازة لكرينيليوس وأهل بيته، قال بطرس، إن الله أقام يسوع في اليوم الثالث ( أع 10: 40) .وبرغم ذلك، يسارع المتشككون فيجادلون بحجة مفادها، أن ماجاء في تلك " الكتب" يتعارض مع فقرات أخرى من الأسفار المقدسة. وعلى سبيل المثال، تنبأ يسوع أنه سوف " يُقْتَلَ، وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُومُ"( مر 8: 31" ، وفي موقف آخر، أخبر يسوع تلاميذه كيف أن أعداءه سوف " يَهْزَأُونَ بِهِ وَيَجْلِدُونَهُ وَيَتْفُلُونَ عَلَيْهِ وَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ" ( مر 10: 34)، كما أنه قال للفريسيين، إنه سوف يكون في باطن الأرض مثلما كان يونان في بطن الحوت" ثلاثة أيام وثلاثة ليالٍ" ( مت 12: 40). كيف يتوقع الشخص أن يصدق أن يسوع قام من القبر، إذا كان يسوع وكتاب الإناجيل لا يستطيعون حتى تقرير ما إذا كان قد قام من القبر في اليوم الثالث أم في اليوم الرابع؟

 وفي محاولة لحل هذه المعضلة، تبنى البعض – عن حسن نية – فكرة أن يسوع لابد وأنه صُلب يوم الأربعاء أو يوم الخميس، وليس يوم الجمعة (eg., Scroggie, 1948, pp. 569-577; Rusk, 1974, pp. 4-6) ولأنه من غير الممكن أن يسوع كان في القبر لمدة ثلاثة أيام إن كان قد مات في يوم الجمعة وقام يوم الأحد، اعتقد البعض أنه ربما مات قبل هذا الموعد بيوم أو اثنين. ومع ذلك، فهذا أمر بعيد الاحتمال. أولًا: يخبرنا إنجيل مرقس أن عشية صلب المسيح  " كَانَ الاسْتِعْدَادُ، أَيْ مَا قَبْلَ السَّبْتِ"  وأن كل من الأسفار المقدسة ( مت 27: 62، مر 15: 42، لو 23: 54، يو 19: 14، 31، 42) ويوسيفوس، قد أشاروا إلى أن يوم الاستعداد هو اليوم السابق للسبت، أي، يوم الجمعة" انظر (Hoehner, 1974, 131:245; cf. Josephus, 16:6:2). ثانيًا: لو كان يسوع قد مات يوم الأربعاء وقام يوم الأحد، فمعنى ذلك أنه قام في من القبر في اليوم الرابع وليس الثالث. وأكثر من ذلك، تستند جميع المحاولات لجعل صلب المسيح ودفنه يوم الأربعاء أو الخميس بدلاً من يوم الجمعة على سوء فهم لعبارات عبريّة حول الزمن مقارنة بالأدلة الفعلية.

بينما عبارات مثل " في اليوم الثالث"، " بعد ثلاثة أيام" و " ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ" تبدو متناقضة للوهلة الأولى، ولكن، إن فهم الإنسان أكثر طرق القدماء ليبرالية في حساب الزمن، سيجد أن كل هذه الأقوال متناغمة مع بعضها البعض.  ففي القرن الأول، كان الجزء من اليوم، يُحسب يومًا كاملًا مع الليلة التي تليه، انظر cf. Lightfoot, 1979, pp. 210-211). ويقتبس التلمود الأورشليمي من رابي العازر بن عزاريا الذي عاش حوالي عام 100 م:  "إن الليل والنهار هما عبارة عن" جزء من الوقت "، والجزء من الوقت ككل الوقت"، انظر (Shabbath ix. 3, as quoted in Hoehner, 1974, 131:248-249, bracketed comment in orig.).، وقد أشار عازاريا إلى أن جزءًا من فترة 24 ساعة هي ككل الفترة. وهكذا، في زمن المسيح، كان من الممكن أن يكون المرء على صواب في تعليمه أن دفن يسوع سوف يدوم "ثلاثة أيام وثلاث ليال" ، على الرغم من أنه لم يدم ثلاثة أيام كاملة على مدار 24 ساعة. والأسفار المقدسة مليئة بإشاراتٍ إلى أن جزءًا من يوم كان في كثير من الأحيان مكافئًا ليوم كامل.

  • ووفقًا لما جاء في تك 7: 12، " كَانَ الْمَطَرُ عَلَى الأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً". أما في العدد 17، فيقول، إن الأمطار ظلت على الأرض لمدة " أربعين يومًا". من الواضح أن "أربعين يومًا" و "أربعين يومًا وأربعين ليلة" تشير إلى الفترة الزمنية نفسها في هذا السياق.
  • وفي عهد الملك آخاب، قيل عن الإسرائيليين و السوريين: " نَزَلَ هؤُلاَءِ مُقَابِلَ أُولئِكَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ"( 1 مل 20: 29). ومع ذلك، " فِي الْيَوْمِ السَّابعِ اشْتَبَكَتِ الْحَرْبُ، فَضَرَبَ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنَ الأَرَامِيِّينَ مِئَةَ أَلْفِ رَاجِل فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ" ( 20: 29). ومن الواضح أن الجيشين لم يظلوا في مخيماتهم لمدة سبعة أيام كاملة، فقط بل ستة أيام وجزء من اليوم السابع فقط. أما المعركة فقامت في ما تبقى من اليوم السابع.
  • وحين جاء اخوة يوسف ليزوروه للمرة الأولى منذ أن بيع إلى المصريين كعبد منذ أكثر من عقدٍ من الزمان( تك 37: 12- 36)، قام يوسف بسجنهم لمدة "ثلاثة أيام" ( تك 42: 17). ثم يقول النص: إنه تحدث معهم في " اليوم الثالث". كما أن الفقرة 42 : 18- 24 تقول إنه قد أُطلق صراحهم في نفس اليوم، أي اليوم الثالث. ولو كان اخوة يوسف " عدا شمعون ، 42: 24" قد أُطلق سراحهم في اليوم الثالث، فمعنى ذلك أن" الثلاثة أيام" الذين قضوها في السجن ( 42: 17) ليست ثلاثة أيام حيث كل يوم يتألف من 24 ساعة، بل المقصود جزءًا من الأيام الثلاثة.  
  • وحين قام الإسرائيليون بزيارة الملك رحبعام وسألوه قائلين :" خَفِّفْ مِنْ عُبُودِيَّةِ أَبِيكَ الْقَاسِيَةِ وَمِنْ نِيرِهِ الثَّقِيلِ الَّذِي جَعَلَهُ عَلَيْنَا فَنَخْدِمَكَ"( 2 أخ 10: 3- 4)، طلب منهم أن يمهلوه بعض الوقت لتلبية رغبتهم، ومن ثم أصدر تعليماته أن يعود يربعام وشعب اسرائيل " بعد ثلاثة أيام ( 10: 5) . وفي العدد 12 من هذا الأصحاح، نجد إشارة إلى أن يربعام وشعب إسرائيل عادوا إلى رحبعام " في اليوم الثالث"، كما أمرهم الملك قائلًا: " ارْجِعُوا إِلَيَّ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ". وعلى الرغم من أن رحبعام أمرهم أن يرجعوا إليه " بعد ثلاثة أيام"، إلا أنهم فهموا أنه يقصد " في اليوم الثالث" ( 1 مل 12: 5، 12).  
  • عندما كانت الملكة إستر على وشك المخاطرة بحياتها عن طريق الذهاب إلى الملك أحشويروش دون دعوة،طلبت من رفقائها من اليهود أن يحذوا حذوها قائلة:" لاَ تَأْكُلُوا وَلاَ تَشْرَبُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لَيْلاً وَنَهَارًا" ( استير 4: 16). وبرغم ذلك، يخبرنا النص، إن استير ذهبت إلى الملك" في اليوم الثالث" ( 5: 1) .

ومن دراسة هذه الفقرات وغيرها، يمكننا أن نرى بوضوح أن الكتاب يسخدم تعبيرات مثل " ثلاثة أيام"، " في اليوم الثالث" ، " بعد ثلاثة أيام" و " ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ"  للدلالة على نفس الفترة الزمنية. ومرة أخرى، "حسب الطريقة الشرقية للحساب ، تم حساب ثلاثة أجزاء متتالية من الأيام على أنها ثلاثة أيام كاملة"، انظر . (Jamieson, et. Al., 1997, emp. Added).

ومن الأصحاح العاشر من سفر الأعمال، يمكننا أن نحصل على رؤية أكثر عمقًا للممارسة القديمة المتمثلة في عدد الأيام المتتالية (جزئيًا أو كليًا) بكونها أيامًا كاملة. ونقرأ في (لو 10: 3)، كيف أن ملاكًا ظهر لكرنيليوس في حوالي " الساعة التاسعة من النهار" (أي حوالي الثالثة عصرًا). " ثُمَّ فِي الْغَدِ"( 10: 9) تلقى بطرس رؤية من الرب ، فرحب بالزوار الذين أرسلهم كورنيليوس. " ثُمَّ فِي الْغَدِ خَرَجَ بُطْرُسُ مَعَهُمْ" ( 10: 23) في طريقهم إلى قيصرية. " وَفِي الْغَدِ دَخَلُوا قَيْصَرِيَّةَ" حيث كرز بطرس بالإنجيل لكرنيليوس وأهل بيته ( 10: 24). وفي مرحلة ما من زيارة بطرس، تحدث كرنيليوس عن مقابلته مع ملاك الرب.  لاحظ بعناية كيف بدأ في إعادة سرد الحدث،" فَقَالَ كَرْنِيلِيُوسُ: "مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ إِلَى هذِهِ السَّاعَةِ كُنْتُ صَائِمًا. وَفِي السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ كُنْتُ أُصَلِّي فِي بَيْتِي...." (10: 30). فعلى الرغم من أن الحدث قد وقع بالفعل قبل 72 ساعة ( أو ثلاثة أيام حرفيًا)، إلا أن كرنيليوس تحدث عنه كأنه حدث (مُنْذُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ إِلَى هذِهِ السَّاعَةِ). فلماذا قال أربعة أيام ولم يقل ثلاثة؟ ذلك لأنه وفقًا لطريقة حساب الزمن في القرن الأول، فإن جزء من اليوم الأول وجزء من اليوم الرابع حُسبا كأيام كاملة. وهكذا، يمكن للمرء أن يتأكد كيف أن هذه المعلومات تتماشى مع دفن يسوع الذي تم يوم الجمعة وقيامته التي حدثت يوم الأحد. جزء من يوم الجمعة، يوم السبت كله وجزء من يوم الأحد، هذه تحسب ثلاثة أيام في الأزمنة القديمة، وليست يومأ أو اثنين؟

وعلى الرغم من أنه في القرن الواحد والعشرين في أمريكا ، قد يجد البعض أن هذا المنطق مربكًا بعض الشيء،  إلا أنه يتم استخدام تعبيرات اصطلاحية مماثلة بشكل متكرر اليوم.  وعلى سبيل المثال، نحن نعتبر لعبة البيسبول التي تنتهي بعد 8 دورات ونصف أنها انتهت بعد 9 دورات. وعلى الرغم من أن الرامي الخاسر من الفريق الزائر قد رمى 8 دورات( وليس 9 مثل الرامي الفائز من الفريق صاحب الأرض)، إلا أننا نقول إنه لعب لعبة كاملة.  فكر في الطالب الجامعي الذي شرح لأستاذه أنه عمل في مشروع بحثه "ليلاً ونهارًا لمدة أربعة أسابيع". من الواضح أنه لا يعني أنه عمل لمدة 672 ساعة متواصلة(24 ساعة × 7 أيام × 4 أسابيع) دون نوم. بل ربما كان يعني أنه عمل في مشروعه من الساعة السادسة صباحًا حتى الثانية عشر صباحًا لمدة أربعة أسابيع. فلو كان قد استسلم للنوم لخمس أو ست ساعات ليلًا، وعمل في المشروع كل ساعة كان مستيقظًا فيها، سننظر إلى هذا الشخص باعتباره الشخص الذي عمل حقًا "ليلاً ونهارًا لمدة أربعة أسابيع". أخيرًا ، خذ بعين الاعتبار نزيل الفندق ، إذ يقوم بتسجيل الوصول في الساعة 5:00 مساءً يوم الأربعاء، وتسجيل المغادرة الساعة 3:30 مساءً الخميس – أي بعد أقل من 24 ساعة. فهل مكث الرجل يومًا أم يومين في الفندق؟ من المفترض أنه مكث أقل من يومٍ كامل( 24 ساعة)، ومع ذلك ، فإن الفندق قانونيًا يمكن أن يتقاضى منه حساب يومين لأنه لم يغادر قبل الساعة 11:00 صباحًا. انظر كم نتحلى بالمرونة عند تعاملنا مع الزمن، فلايجب أن نندهش من طريقة حساب الأقدمين للزمن.  

ودليل آخر يثبت أن تصريحات يسوع بشأن دفنه لم تكن متناقضة، وهذا الدليل يتمحور حول حقيقة أنه حتى أعداء المسيح لم يتهموه بأنه كان مناقضًا لنفسه. ولا شك أن هذا يرجع إلى معرفتهم واستخدامهم للطريقة المرنة المعتادة في تحديد الوقت. وفي حقيقة الأمر، قال رؤساء الكهنة والفريسيون بعد يومٍ من صلب المسيح: "يَا سَيِّدُ، قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ. 64 فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ" ( مت 27: 63-64). يجب أن تكون عبارة "بعد ثلاثة أيام" مساوية لـعبارة "اليوم الثالث" ، وإلا لكان الفريسيون قد طلبوا حراسة الجنود حتى اليوم الرابع. والمثير للانتباه، أن المتشككين الجدد يتهمون يسوع بالتناقض مع نفسه، مع أن الفريسيين المتعنتين في أيام يسوع لم يتهموه بذلك.  

إن التعبيرات الاصطلاحية التي استخدمها يسوع وكتَّاب الأسفار المقدسة للدلالة على مدة بقاء يسوع في القبر لا تعني أنه تم دفنه حرفياً لمدة 72 ساعة. و إذا فسرنا ما قيل عن صلب يسوع، دفنه وقيامته في ضوء ثقافة القرن الأول، وليس بحسب سوء فهم المتشككين في أيامنا هذه، لا نجد أي أخطاء في أي من التعبيرات التي استخدمها يسوع وكتَّاب الإنجيل.

لقراءة الجزء: الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس