ثالثًا، تعتبر قيامة يسوع أكثر أهمية من قيامة أي شخص آخر، ذلك لأنه تنبأ مرات عديدة أنه سيقوم من بين الأموات، بل وحدد يوم قيامته. وقد تحدث يسوع في مناسبة ما إلى الكتبة والفريسيين معًا قائلًا " لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ فِي بَطْنِ الْحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال، هكَذَا يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي قَلْب الأَرْضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَثَلاَثَ لَيَال."( مت 12: 40)، وقد سجل كل من متى ومرقس ولوقا كيف أن يسوع " ابْتَدَأ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ."( مت 16: 21، مر 8: 31- 32، لو 9: 22)، وبينما كان يسوع وتلاميذه في الجليل ، ذكَّرهم يسوع قائلًا: " ابْنُ الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ" ( مت 17: 22- 23)

وقبيل دخوله إلى أورشليم منتصرًا، قال يسوع لتلاميذه:" «هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ، 19 وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ»( مت 20: 18- 19). كانت نبوءات يسوع المتعلقة بقيامته واليوم المحدد الذي ستحدث فيه معروفين على نطاق واسع لدرجة أنه، وبعد موت يسوع ، طلب أعداؤه أن يضع بيلاطس حارسًا على القبر ، قَائِلِينَ:«يَا سَيِّدُ، قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذلِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ.  فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِئَلاَّ يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ: إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى!» ( مت 27: 63-64)، كانوا يعرفون تمام المعرفة أن ماقاله يسوع سيتحقق، وقد بذلوا مافي وسعهم من قوة ليوقفوا هذا الأمر.   

وأين هي نبوات ابن أرملة صرفة؟ هل تنبأ عن قيامته قبل موته؟ وماذا عن ابن المرأة الشونمية الذي أقامه إليشع؟ أين هي نبواته عن نفسه؟  وحقيقة الأمر، مامن أحد ممن قاموا من بين الأموات تنبأ عن قيامته سوى يسوع. وبالطبع، لم يتنبأ أحد على وجه الإطلاق عن يوم قيامته تحديدًا، عدا يسوع المسيح. هذه المعرفة، وتلك النبوءة المسبقة، تجعل من قيامته حدثًا فريدًا له أهميته القصوى، ذلك لأنه قهر الموت، تمامًا كما تنبأ. لقد حقق بالفعل ماقال أنه سيفعله، في نفس اليوم الذي أخبر به. 

رابعًا، يُنظر إلى تفرد قيامة يسوع في ضوء حقيقة أنه الوحيد الذي قام ولم يكن قد ارتكب خطيئة واحدة خلال حياته. لقد كان هو " الطاهر"و " البار" ( 1يو 3: 3، 2: 1)، وهو «الَّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيَّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ»( 1 بط 2: 22). كان يسوع " حَمَل بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ" ( 1 بط 1: 19)، كما أنه " لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً" ( 2كو 5: 21). لم يعش أي ممن قاموا من بين الأموات حياة كاملة نقية مثل يسوع، ولم يمت أحد منهم قبل أن يقوم من أجل أن يحمل خطية العالم ( يو 1: 29) ولأن يسوع عاش بلاخطية، فحين مات، داس الموت بقيامته، لذا، هو وحده من يستحق أن يُدعى" حمل الله " و " رئيس الكهنة العظيم"( عب 4: 14). " هكَذَا الْمَسِيحُ أَيْضًا، بَعْدَمَا قُدِّمَ مَرَّةً لِكَيْ يَحْمِلَ خَطَايَا كَثِيرِينَ" ولأنه قام من بين الأموات  "سَيَظْهَرُ ثَانِيَةً بِلاَ خَطِيَّةٍ لِلْخَلاَصِ لِلَّذِينَ يَنْتَظِرُونَهُ" ( عب 9: 28).

وأخيرًا، ووربما كان ذلك هو الأكثر أهمية، فإن أهمية ومعنى قيامة يسوع ظهرت من حقيقة أنه كان أول من قام من بين الأموات ولم يمت ثانية. ولا أحد ممن قاموا مازال يعيش على الأرض، كما أنه لايوجد في الكتاب المقدس مايُشير إلى أن الله قد أخذ أحد إلى السماء دون أن يموت مرة أخرى،ومن المنطقي أن نستنتج أن من قاموا من بين الأموات، ماتوا في السنوات اللاحقة. وبرغم ذلك، فإن يسوع لم يمت ثانية. بل قام من القبر ليعيش إلى الأبد. وكل الآخرين الذين سبق وقاموا، ماتوا مرة أخرى، وهم ينتظرون مع " النائمين" الآخرين قيامة الجسد. إنه يسوع، وحده من قهر الموت، وحده من قام بجسده ليحيا إلى الأبد،ولن يموت ثانية. 

جادل المشككون بأن مايهم هو القيامة، وليس حقيقة أن يسوع لم يمت ثانية" انظر (McKinsey, 1983, p. 1, emp. Added). ومع ذلك، فإن الرسل الملهمون بالروح قالوا عكس ذلك. أما الرسول بولس، فقد ربط الاثنين معًا حين كان يعظ في أنطاكية بيسيدية قائلًا إن الله " أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، غَيْرَ عَتِيدٍ أَنْ يَعُودَ أَيْضًا إِلَى فَسَادٍ ... وَأَمَّا الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ فَلَمْ يَرَ فَسَادًا"( أع 13: 34، 37). كما ترك بولس انطباعًا في عقول مسيحيي روما، إذ أخبرهم كيف أن يسوع" بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لاَ يَمُوتُ أَيْضًا. لاَ يَسُودُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ بَعْدُ( رو 6: 9)، فهل نندهش من شهادة بولس أمام أغريباس وفستوس، أي أن يسوع كان " أول من قام من بين الأموات"( أع 26: 23)؟، " كان يسوع أول من قام من الموت على ألا يعود ثانية إلى إمبراطورية الموت"  (Clarke, 1996). كما أن يسوع قال عن نفسه:" أَنَا هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ، وَالْحَيُّ وَكُنْتُ مَيْتًا، وَهَا أَنَا حَيٌّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ! " ( رؤ 1: 17- 18)،  وشهد كاتب العبرانيين أن هناك حياة أفضل ننالها من خلال يسوع، وذلك على أساس أنه داس الموت. وأحد أسباب عدم كفاية الكهنوت القديم كان بسبب أنه "تم منعهم بالموت" ، ومع ذلك، فلأن يسوع قام، ولن يجتاز الموت ثانية، لذا، "يستمر إلى الأبد" في "كهنوت غير قابل للتغيير" ، ويعيش ليشفع من أجل شعبه (عبرانيين 7: 23-25). وكما هو الحال في كثير من الأحيان ، فإن المشككين يعلقون على الكتاب المقدس دون أن يعرفوا حقيقة ما يقوله الكتاب المقدس. وأن تقول إن الأمر يتعلق بالقيامة نفسها، وليس بحقيقة أن يسوع لن يموت ثانية كما قال ماكينزي، انظر (McKinsey, 1983, p. 1)، فهذا يعني إنكار " أو تجاهل" ماقاله الرسل والأنبياء بالفعل.  

وسواء قام أفتيخوس، طابيثا أو لعازر أو غيرهم، أو لم يقوموا من بين الأموات، فإن ذلك لايؤثر على علاقتنا بالرب. ومع ذلك، بدون قيامة يسوع، لن يكون هناك " رَئِيسًا وَمُخَلِّصًا، لِيُعْطِيَ إِسْرَائِيلَ التَّوْبَةَ وَغُفْرَانَ الْخَطَايَا" ( اع 5: 31). ودون قيامة المسيح، ماكان لنا رئيس كهنة قادر أن يشفع فينا( عب 7: 25). ودون قيامة الرب، كيف نتأكد من مجيئه الثاني ودينونته العتيدة ( أع 17: 31). وبدون قيامة المسيح " فَإِنَّنَا أَشْقَى جَمِيعِ النَّاسِ" ( 1كو 15: 19)  

نعم، لقيامة المسيح أهميتها القصوى التي تفوق أهمية قيامة أي شخص غيره - تلك التي تحدث عنها أناس الله الملهمين بالروح كدليل ألوهيته. نعم، لم يتنبأ العهد القديم إلا بقيامة المسيح فقط. وحقًا،إن يسوع فقط هو من أخبر عن يوم قيامته من بين الأموات – ثم حقق نبوءته.  وقيامة المسيح فقط، سبقتها حياة كاملة بلاعيب أو خطيئة، تخلى عنها، واستعادها بقيامته ليملك على الإنسان، ويصير هو المخلص والوسيط. ويسوع فقط هو من قام على ألا يموت ثانية.  

 لماذا يُدعى يسوع : " باكورة الراقدين"؟

 كتب بولس في ( 1كو 15) حديثًا مطولًا عن قيامة الأموات، لأن بعض المسيحيين في كورنثوس يعلمون أن" الْمَوْتى لاَ يَقُومُونَ" ( ع 12) . وفي أحد براهينه التي قدمها لإثبات حقيقة القيامة في المسيحية، أشار بولس إلى حقيقة أن المسيح قام، وأظهر أن القيامة العامة ترتبط بقيامة المسيح صمودًا وسقوطًا، يقول:" إِنْ كَانَ الْمَوْتى لاَ يَقُومُونَ، فَلاَ يَكُونُ الْمَسِيحُ قَدْ قَامَ" (ع 16- 17)!  وبعد حوار سخيف مناف للعقل، وفي محاولة منه لمساعدة مسيحيي كورنثوس أن يروا كيف أن موقفهم من القيامة النهائية أضعف المسيحية بالكامل، أخذ بولس يبرهن على أن يسوع قد قام، جاعلًا من قيامة الإنسان أمرًا حتميًا. ووجد البعض صعوبة في هذا الجزء من الأسفار المقدسة. وابتداء من ع 20، كتب بولس :

وَلكِنِ الآنَ قَدْ قَامَ الْمَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَصَارَ بَاكُورَةَ الرَّاقِدِينَ.  فَإِنَّهُ إِذِ الْمَوْتُ بِإِنْسَانٍ، بِإِنْسَانٍ أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ. لأَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ، وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ فِي رُتْبَتِهِ: الْمَسِيحُ بَاكُورَةٌ، ثُمَّ الَّذِينَ لِلْمَسِيحِ فِي مَجِيئِهِ( 1كو 15: 20- 23).

وفي ضوء حقيقة أن يسوع لم يكن أول شخص قام من بين الأموات( كما سبق وذكرنا)، يتساءل البعض : لماذا وصف بولس يسوع مرتين بكونه " باكورة الراقدين". فهل أخطأ بولس؟ هل كان جاهلًا بكل من قام من قبل قيامة يسوع؟ وبأي معنى تحدث بولس عن يسوع بكونه " باكورة الراقدين"؟ أمكن لنا أن نجيب على هذا التساؤل إجابة معقولة، وذلك بالإشارة إلى ماسبق ذكره من أن يسوع كان أول القائمين من الموت - ولم يمت ثانية . وبهذا المعنى، يسوع هو" باكورة الراقدين" ( كو 1: 18، رؤ 1: 5)، وهناك جواب آخر (وربما كان أفضل) عن التساؤل الذي يدور حول (1كو 15: 20، 23) واستخدام بولس لكلمة " باكورة – باليونانية  aparche " هو للتعرف على الاستعارة التي استخدمها بولس. ذلك أن الباكورة بموجب الناموس القديم ، كانت هي أول ما يتم جمعه من الحبوب والفواكه والخضراوات التي كان الناس يكرسونها لله تقديرًا لأمانته في توفير ضروريات الحياة. كان على بني إسرائيل أن يقدموا إلى الرب حزمة من الحبوب الأولى التي كان يتم حصادها في اليوم التالي من السبت بعد عيد الفصح ( لا 23: 9- 14). وقد استخدم بولس تعبير " باكورة الراقدين" في رسالته إلى كنيسة كورنثوس لتعزيز حقيقة قيامة المسيح. وكما أن مصطلح " باكورة" يشير إلى أن  الحزمة الأولى من حصاد المحصول القادم ستتبعها بقية الحزم، فإن يسوع، بكونه " باكورة الراقدين"، هو الضمان لكل من يؤمن به، أنهم سيكونون شركاء في قيامته، انظر . (Kistemaker, 1993, p. 548)  ،  حقًا، إن يسوع هو " باكورة" القيامة. ومثل شعب إسرائيل، فإن الله سيجمع بقية الحصاد في القيامة الأخيرة.وعلى مايبدو، أراد بولس أن يُدرك الكورنثيون( من خلال الرمز) أن قيامة يسوع هي ضمانة قيامتنا. وياله من أمر حتمي – حصاد كامل قد صار الرب نفسه ضامنًا له.    

لقراءة الجزء: الأول، الثاني، الثالث، الرابع، الخامس