
الاخلاق >
الخطية الكبرى
سي. إس. لويس
4/23/17 - ٥ دقيقة قراءة
فصل من كتاب Mere Christianity
اليوم أتحدث عن الأخلاق المسيحية التي أراها تختلف اختلافًا شديدًا عن كل ما عداها من أخلاق. هناك رزيلة واحدة لا يخلو منها أي إنسان في العالم، إنها الرزيلة التي يشمئز منها كل من يراها في غيره، وهي الرزيلة التي نادراً ما يشعر أي إنسان، باستثناء المسيحيين المؤمنين، بالذنب في نفسه بسبب ارتكابها.
الرزيلة الكبرى
سمعت أناسًا يقرون بأنهم يحتدون، أو لا يمكنهم أن تخلو رؤوسهم من التفكير في الجنس أو شرب الخمور، أو حتى بأنهم جبناء. لا أظن أنني سمعت شخصًأ غير مسيحي يتهم نفسه بهذه الرزيلة. وفي نفس الوقت نادرًا ما قابلت أي شخص غير مسيحي ينظر لمن يرتكب هذه الرزيلة من الآخرين بقليل جدًا من الرحمة. لا يوجد خطأ يجعل الشخص منفرًا أكثر، ولا أي خطأ يجعلنا لا نشعر به في أنفسنا أكثر. وكلما تمكنت منا أكثر هذه الرزيلة، زادت كراهيتنا لها في الآخرين.
الرزيلة التي أتحدث عنها هي الكبرياء أو الغرور: والفضيلة المقابلة لها، في الأخلاق المسيحية تسمى التواضع. تتذكرون حين تحدثت عن الأخلاقيات الجنسية، أنني حذرتكم من أن مركز الأخلاق المسيحية ليس فيها. أما الآن فقد أتينا إلى المركز. بحسب ما يقول المعلمون المسيحيون، فإن الرزيلة الضرورية، وأعظم الشرور، هي الكبرياء. عدم التعفف، والغضب، والطمع، والسكر، وكل هذه مجرد صغائر إذا ما قورنت بالكبرياء: بالكبرياء أصبح الشيطان شيطانًا: يؤدي الكبرياء إلى كل الرزائل الأخرى: إنها الحالة الذهنية المضادة لله بالكامل.
هل ترى ذلك مبالغة؟ لو رأيته كذلك، ففكر مرة ثانية. قلت سابقًا إنه كلما زاد كبرياء الشخص زادت كراهيته للكبرياء في الآخرين. في الحقيقة، إن أردت أن تعرف مقدار كبريائك فإن اسهل طريقة هي أن تسأل نفسك: "ما مقدار كراهيتي لأن يزدري بي أحد، أو يرفض أن يتعامل معي أو يناصرني، أو يتفاخر علي؟" المسألة هي أن كبرياء كل شخص يتنافس مع كبرياء الآخرين.
لذة الكبرياء
لأنني أريد أن أكون محط الأنظار وسط الناس فإنني أتضايق عندما يحاول آخر أن يكون محط الأنظار، لأن المتشابهين يتنافرون. الآن ما نريد توضيحه هو أن الكبرياء صفة تنافسية، تنافسية بطبيعتها، بينما الرزائل الأخرى تنافسية فقط بالصدفة. إن الكبرياء لا يجد اللذة في الحصول على الشيء، بل في الحصول على المزيد منه ليتفوق على غيره.
نقول إن الناس يتفاخرون بكونهم أغنياء، أو أذكياء، أو يتمتعون بجمال الطلعة، لكن الأمر ليس كذلك. إنهم يتفاخرون بأنهم أكثر غنى أو ذكاء أو جمالاً من غيرهم. لو أصبح كل شخص آخر على نفس القدر من الغنى أو الذكاء أو الجمال، فلن يكون هناك ما يمكن التفاخر به. إنها المقارنة التي تجعلك تتفاخر: لذة أن تكون فوق الآخرين. بمجرد اختفاء عنصر المنافسة يختفي الكبرياء والتفاخر. هذا هو السبب في قولي إن الكبرياء بالضرورة تنافسي بطريقة تختلف عن باقي الرزائل. قد يقود الدافع الجنسي رجلين إلى التنافس لو أن كليهما يريد نفس الفتاة، لكن هذا يحدث فقط بالمصادفة، لأنه من المحتمل بنفس القدر أن يريدا فتاتين مختلفتين. إلا أن الرجل المتكبر يأخذ منك فتاتك، ليس لأنه يريدها، بل ليثبت لنفسه أنه أفضل منك.
قد يقود الطمع إلى المنافسة لو لم يكن هناك ما يكفي، لكن الشخص المتكبر حتى لو حصل على أكثر مما يمكن أن يريده، فسيظل يحاول الحصول على المزيد لمجرد أن يؤكد قوته.
مثال
إن كل هذه الشرور التي في العالم تقريبًا، التي يسندها الناس إلى الطمع أو الأنانية هي في الأغلب نتيجة الكبرياء. خذ مثلاً المال. الطمع بالتأكيد سيجعل الشخص يسعى للحصول على المال لكي يوفر لنفسه بيتًا أفضل، أو ليقضي إجازة أفضل، أو ليأكل ويشرب أفضل، لكن لحد ما فقط. ما الذي يجعل رجلاً يكسب ١٠٠٠٠ جنيه استرليني في العام (في وقت كتابة المقال) يسعى للحصول على ٢٠٠٠٠ جنيه؟ ليس الطمع لمزيد من اللذة. إن مبلغ ١٠٠٠٠ جنيه إسترليني يوفر ما يكفي من الرفاهية لإمتاع أي شخص. إنه الكبرياء- تمني أن يكون الإنسان أكثر غنى من شخص آخر، وتمني المزيد من السلطة أيضًا.
لأن السلطة هي ما يتمتع به الكبرياء حقًا: لا يوجد ما يشعر شخصًا بأنه متفوق عن الآخرين مثل أن يكون قادرًا على إزاحتهم، كما لو كان يحرك قطع لعبة.
ما الذي يجعل فتاة جميلة تنشر البؤس حيثما تذهب بأن تجمع المعجبين حولها؟ بالتأكيد ليس غريزتها الجنسية: لأنه في الغالب يكون مثل هذا النوع من الفتيات باردًا جنسيًا. إنه الكبرياء. ما الذي يجعل قائدًا سياسيًا أو أمة بأكملها تسعى وتسعى وتطلب المزيد باستمرار؟ أيضًا الكبرياء. الكبرياء بطبيعته تنافسي: هذا هو السبب في استمراره دون توقف. لو كنت شخصًا متكبرًا، ولو كان في العالم رجل واحد أكثر سلطة مني، أو أكثر غنى أو ذكاء مني فسيكون هو منافسي وعدوي.
الكبرياء سبب للبؤس
المسيحيون على صواب: إنه الكبرياء الذي يعتبر السبب الرئيس للبؤس في كل أمة وعائلة منذ أن وجد العالم. قد توحد الرزائل الأخرى الناس: فقد ترى شركة جيدة ونكات وصداقات بين السكيرين ومن لا يتعففون عن اللاأخلاقيات، لكن الكبرياء يعني دائمًا العداوة- إنه هو العداوة. ليس فقط العداوة بين شخص وآخر، بل العداوة لله. في الله تقف ضد شيء ما، يفوقك بكثير بجميع المقاييس. لو لم تعرف الله هكذا- وبالتالي، ترى نفسك كلا شيء أمامه وبالمقارنة به- فلا تكون عارفًا الله على الإطلاق. طالما كنت متكبرًا، لا يمكنك أن تعرف الله. ينظر المتكبر إلى الناس والأشياء نظرة دونية: وبالطبع، طالما نظرت نظرة دونية، فلا يمكنك أن ترى شيئًا يفوقك.
السؤال الأصعب
هذا يطرح سؤالاً صعبًا. كيف يمكن لأناس يأكلهم الكبرياء، وهذا يظهر جليًا في حياتهم، أن يقولوا إنهم يؤمنون بالله ويرون أنفسهم شديدي التدين؟ أخشى أن أقول إن معنى ذلك أنهم يعبدون إلهًا خياليًا، وهم نظريًا يقرون بأنهم لا شيء في محضر هذا الإله الوهمي، لكنهم في الواقع يتصورون كل الوقت أنه يقبلهم ويظن أنهم أفضل بكثير من الناس العاديين: هذا هو ما يعملونه، إنهم يظهرون تواضعًأ أمام الله بمثقال ذرة ويحصلون به على الكثير من الكبرياء تجاه الآخرين.
أرى أن هؤلاء هم من كان يسوع يفكر فيهم عندما قال إن البعض سيتنبأون ويخرجون شياطين باسمه، ولكنه في النهاية سيقول لهم إنه لا يعرفهم. من الممكن أن يقع أي واحد منا في هذا الفخ المميت. من حسن الحظ، هناك اختبار نجريه إذا وجدنا أن حياتنا الدينية تجعلنا نشعر بأننا في حال جيد، أو أننا بوجه عام أفضل من غيرنا. أظن أن في هذه الحالة هناك من يعمل فينا ، لكن ليس هو الله بل الشيطان. الاختبار الحقيقي لكوننا في محضر الله هو أنك إما أن تنسى نفسك بالكامل، أم أن ترى نفسك صغيرًا ومزدرى. ومن الأفضل أن تنسى نفسك بالكامل.
إنه لشيء متعب أن تقحم أسوأ الرزائل نفسها إلى مركز حياتنا الدينية. لكن يمكنك معرفة السبب. أما الأمر الآخر والأقل سوءًا، فهو أن الرزائل تأتي من الشيطان العامل فينا من خلال طبيعتنا الحيوانية. لكن هذا لا يأتي من خلال طبيعتنا الحيوانية على الإطلاق، بل يأتي من جهنم. إنه أمر روحي بحت: ونتيجة لذلك هو أمر أكثر إتقانًا وأكثر إماتة.
لهذا السبب يمكن استخدام الكبرياء غالبًا لهزيمة الرزائل الأكثر بساطة. في الحقيقة يستغل المعلمون غالبًا كبرياء صبي، أو كما يقولون، احترامه لنفسه ليجعلوه يتصرف بطريقة محترمة: الكثير من الرجال يتغلبون على الجبن أو الشهوة، أو على المزاج السيء بأن يتعلموا التفكير بأن هذه الرزائل تقلل من كرامتهم، أي بالكبرياء. ويضحك الشيطان. إنه يكون سعيدًا تمامًا إذ يراك وأصبحت عفيفًا وشجاعًا وضابطًا نفسك، على أساس أنه يهيمن عليك باستمرار بالكبرياء، تمامًا كما يسعد لرؤية تورم أصابعك يشفى لو سمح له في مقابل ذلك أن يصيبك بالسرطان. لأن الكبرياء سرطان روحي: فإنه يلتهم إمكانية الحب أو السعادة أو حتى التفكير السليم.
قبل أن أترك هذا الموضوع يجب أن أحتاط من إمكانية سوء الفهم:
(1) المتعة الناتجة عن المدح ليست كبرياء، فالطفل الذي يربت على ظهره لكونه أجاد في دروسه، والمرأة التي يمدح جمالها، والنفس التي نالت الخلاص ويقول لها المسيح "نعمًا"، كلهم يتمتعون ويجدر بهم ذلك، لأن المتعة هنا لا تكمن في من أنت، بل في حقيقة أنك أسعدت شخصًا أردت أن تسعده.
تبدأ المشاكل عندما تنتقل من التفكير "لقد أسعدته: هذا كله جيد" إلى التفكير: "كم أنا شخص طيب لأنني فعلت ذلك!" كلما ازدادت سعادتك بنفسك وقلت سعادتك بالمدح، ازددت سوءًا. عندما تسعد تمامًا بنفسك ولا تهتم بالمدح على الإطلاق، تكون قد وصلت إلى القاع. هذا هو السبب في أن الغرور، مع إنه نوع من الكبرياء الذي يظهر على السطح، هو في الحقيقة أقل سوءًا وأكثر تسامحًا . يريد الشخص المغرور أن يسمع المدح والإطراء والإعجاب أكثر من اللازم وهو دائمًا يتصيده. إنه خطأ، لكنه طفولية، وحتى بطريقة شاذة، خطأ متواضع.
إنه يظهرك غير سعيد تمامًا بإعجابك بنفسك. إنت تريد أن يلاحظك الناس لأن لهم قيمة بالنسبة لك. أنت في الحقيقة مازلت بشرًا. يأتي الكبرياء الأسود الحقيقي الشرير عندما تنظر إلى الآخرين نظرة دونية جدًا حتى إنك لا تهتم بتفكيرهم فيك. بالطبع من الصواب جدًا، وغالبًا ما يجب علينا، ألا نهتم بما يظنه الناس فينا، لو أننا فعلنا ذلك للسبب الصحيح؛ بالتحديد لأننا نهتم أكثر بكثير بما يراه الله فينا.. لكن الشخص المتكبر لديه سبب مختلف لعدم اهتمامه. إنه يقول: "ما الذي يجعلني أهتم بإطراء هؤلاء الرعاع، كما لو كان رأيهم له أي قيمة. هل أنا ذلك النوع من الناس الذي يستحي من المدح مثل فتاة صغيرة عندما ترقص لأول مرة؟ لا، أنا ذو شخصية ناضجة متكاملة. كل ما عملته كان لإشباع مبادئي- أو ضميري- أو تقاليد عائلتي – أو بعبارة واحدة لأني من هذا النوع من الرجال. لو أعجبت به الجماهير، فليعجبوا به، أنا لا أهتم بهم فهم لا شيء." بهذه الطريقة قد يعمل هذا الكبرياء المغالى فيه كشيئ من الغرور، لأنه كما قلت سابقًا، يحب الشيطان شفاء خطأ صغير بأن يعطيك خطأ أكبر. علينا أن نحاول ألا نكون مغرورين، لكن لا يجب أن نستدعي كبرياءنا ليشفي غرورنا: وعاء التحمير أفضل من النار.
(2) نقول عادة إن شخصًا يفتخر بابنه أو بابنته او بمدرسته أو بنظامه، وقد نسأل ما إذا كان التفاخر بهذا المعنى خطية. أظن أن الأمر يتوقف على ما نعنيه بالضبط بكلمة "أفتخر". غالبًا ما تعني عبارة "يفتخر بشيء" في هذه الجمل "يعجب به من كل قلبه". مثل هذا الإعجاب هو بالطبع أبعد ما يكون عن الخطية، لكنه قد يعني أن الشخص المعني يعطي نفسه مظهرًا على أساس أبيه المتميز، أو بسبب انتمائه لنظام معروف. هذا يكون خطأ واضحًا، لكنه مع ذلك، أفضل من أن يكون الشخص متفاخرًا بنفسه. أن تحب أو تعجب بشيء خارج نفسك يعني أن تخطو بعيدًا قليلاً عن الأطلال الروحية، مع أننا لن نكون في حال طيب طالما أحببنا أي شيء أو أعجبنا به، أكثر من حبنا أو إعجابنا بالله.
(3) لا يجب أن نظن أن الكبرياء شيء يمنعه الله لأننا نضايقه به، أو أن التواضع شيء يتطلبه الله لأنه يعطيه الكرامة، كما لو كان الله نفسه متكبرًا. إنه أبعد ما يكون عن أن يقلق بشأن كرامته. المسألة هي أنه يريدك أن تعرفه، وأن يعطيك نفسه. إنه هو وأنت شيئان من هذا النوع الذي يجعلك، لو أنك تلامست معه، ستكون في الحقيقة متواضعًا- متواضعًا بسرور، وشاعرًا بالراحة التامة لكونك تخلصت من الإحساس السخيف الذي لا قيمة له بكرامتك التي جعلتك لا تشعر بالراحة وأفقدتك السعادة طول حياتك. إنه يحاول أن يجعلك تتواضع لكي تتمكن من الوصول إلى هذه اللحظة: أن تحاول خلع الكثير من الثياب السخيفة والقبيحة والفاخرة، التي فيها كبرنا جميعًا ونسير متباهين بها مثل البلهاء.
أتمنى أنا نفسي أن أزداد في التواضع: لو حدث ذلك، ربما استطعت أن أخبركم أكثر عن الراحة التي نجدها في خلع الثياب الفاخرة- والتخلص من النفس الزائفة بكل ما فيها من "انظروا إليّ" و "ألست شخصًا جيدًا؟"، وكل ما فيها من استعراض. إن الوصول حتى إلى مكان قريب منها، ولو للحظة، يشبه كوب ماء بارد لشخص يسير في الصحراء.
(4) لا تتصور أنك لو قابلت رجلاً متواضعًا حقيقيًا، فسيكون هو ما يقول عنه أغلب الناس اليوم "إنه متواضع" فلن يكون شخصًا منافقًا يقول لك دائمًا إنه لا شيء. ربما كل ما ستظنه هو إنه شخصاً مرحًا ذكيًا واهتمامه بما تقوله له يبدو حقيقة. لو لم تحب هذا الشخص فسيكون ذلك لأنك تشعر بنوع من الحسد تجاه أي شخص يبدو أنه يتمتع بالحياة بهذه السهولة. لن يفكر في التواضع: ولن يفكر في نفسه على الإطلاق.
لو أن شخصًا أراد أن يتحلى بالتواضع، أظن أني أستطيع أن أخبره بالخطوة الأولى. الخطوة الأولى هي إدراك أنه متكبر. وهي الخطوة الكبرى أيضًا. على الأقل، لا شيء آخر يمكن أن يعمل قبل ذلك. لو ظننت أنك لست مغرورًا، فهذا معناه أنك مغرور جدًا في الحقيقة.